حافلة الأحزاب الأردنية: السفارات والسلطات وشخصيات «فتحاوية» في انتظار «الركاب»
عمان – «القدس العربي»: حاول القيادي البارز في حركة فتح عباس زكي، الحريص على زيارة عمان ووحدة العلاقة بين الشعبين، اصطياد ما هو جوهري وأساسي في المفارقة الأردنية، أو بمعنى أدق في قائمة الاحتياجات والأولويات الأردنية؛ عندما اقترح على مسؤولين في دوائر القرار بعضهم يمثلون الدولة العميقة أو ما تبقى منها، التعاون لتأسيس حزب أردني فلسطيني مشترك في الساحة الأردنية مادام موسم تحديث المنظومة السياسية قد انطلق.
طبعاً، زكي يحاول الاستعداد والتأطير لمنطق العلاقة بين الضفتين مستقبلاً، لكن اقتراحه الذي تحدث عنه في جلسات سياسية اصطدم كما هو متوقع بجدار المنطق القديم. لذا، خرج عن المسار لا بل رفض ولم يتحمس له أي من المسؤولين الذين سمعوه على الرغم من أن المشتغلين محلياً في ملف المنظومة السياسية وتحديثها يحاولون التركيز على منهجية المواطنة. ويلاحظون جميعاً العدد البائس من المواطنين الأردنيين الذين بادروا للالتحاق بحافلة الأحزاب الجديدة للمنظومة رغم كل الجرعات الإعلامية واللجان الملكية وسقف الآمال التي رفعت.
يهمس في أذن «القدس العربي» أحد المسؤولين الكبار قائلاً: عدد المواطنين المتحمسين لأحزاب تحديث المنظومة الجديدة ضعيف وضئيل وبائس، والإشكالية الأكبر أنه أكثر بؤساً عندما يتعلق الأمر بتمثيل القاعدة الاجتماعية في المكونات الأساسية الكبرى للمجتمع.
تلك لم تعد إشكالية مسكوتاً عنها، وتحدي الثقة الجماهيرية بالإطار الجديد للتنمية السياسية يجب ألا يتم إغفاله، فهو أساسي، والرهان -برأي عضو مجلس الأعيان والناشط جداً في هذا المربع، خالد البكار- أن التجارب الحزبية هي المسؤولة عن إقناع الناس واستقطابهم.
في وقت مبكر من اجتماعات اللجنة الأم التي صاغت مشروع تحديث المنظومة قبل أكثر من عام ونصف، قال خبير من وزن الدكتور محمد الحلايقة عبر «القدس العربي» بضرورة الانتباه جيداً إلى توفير حاضنة اجتماعية للمشروع قبل طرحه على الناس.
واضح تماماً أن الحاضنة الاجتماعية غير متوفرة، وواضح أيضاً أن أرقام المسجلين في الأحزاب الجديدة مع القديمة قد لا تزيد على 20 ألف اسم في سجل الهيئة المستقلة للانتخابات، في مفارقة رقمية تعكس الإحساس العام عند الجمهور بأن التجربة قد لا تكون جدية، والعزوف يضرب وبالعمق، والمصداقية تحتاج إلى سنوات طويلة متراكمة.
تشبيك
لكن الأوضح أن قيادات، إما مزدوجة أم منفردة في تنظيمات فلسطينية كبيرة مثل حركة فتح وغيرها، حاولت اللعب على المحظور الأردني العميق عبر التشبيك لإقناع مكونات أكثر من غيرها في الأردن بالالتحاق، فيما هذه الجزئية تحديداً لم تحسم بعد على المستوى السيادي، وينظر لها بارتياب شديد وعلى أساس أنها مجازفة.
لكنها نمط من المجازفات يبدو أنه واجب الاشتباك إذا ما أرادت حزمة الأضواء الخضراء في عمان إطلاق مشروع التحديث الحزبي والسياسي فعلاً، في مفارقة تبدو حساسة لجميع الأطراف اليوم.
ولا أحد لا في السلطة ولا في الحكومة ولا في اللجان الملكية ولا في البرلمان، يريد الإقرار بها.
ومن الصعب في المشهد الأردني السياسي العميق إنكار وجود أزمة مصداقية وغياب للثقة واليقين بدعم الأحزاب فعلاً، كما من الصعب تحقيق إنجاز حقيقي في مشروع تحديث المنظومة دون جماهير، وأغلب التقدير أن الأصعب والأكثر تعقيداً هو قبول الدولة العميقة لكلفة وفاتورة الانسحاب من مطبخ الطهي لصالح فكرة المواطنة أو التنمية الحزبية.
ويخشى السياسي مروان الفاعوري وهو يتابع بشغف التفاصيل، أن تكون فعاليات الهندسة المعروفة للجميع هي التي طغت حتى على تفصيلات قوانين وتشريعات تحديث المنظومة السياسية، مقترحاً مقاربة وطنية عاقلة وراشدة تحسم ما إذا كانت البلاد باتجاه إصلاح جذري وحقيقي وعميق، أم باتجاه «أمننة « جميع المؤسسات المدنية وإضفاء مشهد تمثيلي، حيث شاهد الجميع حالة الانهيار في الاقتصاد المصري مؤخراً جراء الإصرار على عسكرة ليس فقط القطاعات الاقتصادية، ولكن أيضاً إيقاع الحياة العامة والمدنية بما فيها الإعلام والسياسة وحتى العمل النقابي.
ومن المرجح في السياق نفسه، أن دوائر القرار تشعر بالقلق من ظاهرتي العزوف الجماهيري العام عن تشكيل الأحزاب التي نفخ في بعضها وتم تسمين بعضها الآخر، وأيضاً من ظاهرة ابتعاد وعزوف مكونات اجتماعية عن مجمل العملية بدلالة أرقام التسجيل للحزبيين الجدد. الأرقام المسجلة سياسياً عملياً «تفضح» أزمة مصداقية الخطاب الرسمي، وهو أمر يثير الارتباك عشية انتخابات برلمانية يفترض أن تكون مفصلية وأساسية في مسار تحديث المنظومة، والارتباك الأعمق هنا هو ذلك المنطلق من وجود 41 مقعداً مجانياً في البرلمان المقبل مخصصة تماماً للأحزاب فقط، حيث لا يعلم أحد بعد من سيحصل عليها وكيف؛ بسبب غياب الجاهزية، وبسبب ما وصفه رئيس الوزراء والسياسي المحنك طاهر المصري بهندسة الإصلاح نفسه، بعيداً عن الإصلاح الجذري الحقيقي سياسياً.
رسائل
وملاحظة المصري لا تبدو عابرة، والأكثر إحراجاً للحكومة والسلطات الرسمية أن بعض السفراء الأجانب يميلون إلى الرواية التي تستغرب الحيثيات الرقمية ويثيرون ملاحظات وأحياناً بصورة علنية كما تفعل السفيرة البريطانية في عمان، لها علاقة بانعكاسات ورسائل العزوف الاجتماعي عن التشكيلات الحزبية.
الموضوع يغري عدة أطراف، والخشية عميقة من أن يتحول الاحتياج هنا إلى محطة تتطلب تقديم تنازلات أكثر عمقاً وفي ظرف معقد، وإن كانت قناعة جميع العقلاء والراشدين تصر على أن التنازلات بكل حال مطلوبة مع فارق بسيط له علاقة بالمساحة ما بين أن تقدمها المؤسسة الأردنية الآن وبصورة ناضجة وفي توقيتها، وما بين أن تفرض عليها لاحقاً.