خطاب «الإخوان» المتجدد في الأردن: «طوفان الأقصى هو الحل» والانتخابات لـ «حماية الدولة»
الطوفان أصبح جزءاً من نسيج الدفاع عن الوطن الأردني
عمان ـ «القدس العربي»: «يا شباب.. اجعلوا من طوفان الأقصى رحمة على أوطانكم ولعنة على أعدائكم». تلك عبارة تصبح بتلقائية شعاراً سياسياً ليس عندما تصدر فقط عن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الشيخ مراد عضايلة وخلال فعالية مرتبطة بـ «ذكرى الهجرة النبوية» ولكن عندما تقترن بالعبارة الأخرى «محلية الطابع» وبعنوان: «يا شباب، اجعلوا من الانتخابات النيابية المقبلة فرصة لتمتين جبهتنا الداخلية ومواجهة أعدائنا».
بسرعة ينتقل العضايلة وفي نفس النشاط في عمان العاصمة، إلى ما هو أعمق في فكرة «الصراع الديني» عندما يخطب قائلاً: الهجرة النبوية أعظم حدث في تاريخ أمتنا… و«طوفان الأقصى» جاء دفاعاً عن مسرى رسولنا الكريم.
لاحقاً، خلال دقائق فقط، ينقل الشيخ العضايلة الميكروفون إلى مستوى «الرسائل الناعمة» قليلاً عندما يتقدم بالشكر حصراً لوزير الخارجية أيمن الصفدي، على رفضه باسم البلاد مشاركة الأردن بأي دور في مرحلة ما بعد العدوان على غزة، مستذكراً تصريح الوزير.. «لن ننظف وراء نتنياهو».
مقابلة مهمة
للعلم، عبارات الشيخ العضايلة الهادفة والكاشفة تلك برزت السبت مباشرة بعد عودته من «مقابلة مهمة جداً» هي الأولى من نوعها مع الشيخ إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، تخللها تركيز على «حماية الضفتين».
عملياً، الأكثر أهمية في تتبع خطابات العضايلة هي تلك الزاوية التي يرى فيها بأن «المشاركة في الانتخابات» يوم 10 أيلول المقبل هو جزء من عملية حماية الوطن الأردني ومساندته في مواجهة المشاريع والأطماع الصهيونية والإسرائيلية.
لأول مرة في فعالية أقيمت خصيصاً بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية ووسط أنصار التيار الإسلامي، ربط الشيخ العضايلة بين المشاركة في الانتخابات والصراع مع إسرائيل، لا بل تحدث مباشرة عن المشاركة الإيجابية في الانتخابات حرصاً على الدفاع عن الوطن الأردني، الأمر الذي يقود سياسياً إلى خلاصة قيلت في مناسبات مختلفة، فكرتها أن «دعم واحتضان» معركة طوفان الأقصى ودلالات المقاومة يصبح بالنتيجة والتداعي جزءاً من نسيج الدفاع عن الوطن الأردني.
رسائل انتخابية
تلك معطيات يستخدمها التيار الإسلامي على مستوى قيادته لأول مرة تقريباً ضمن تعميق الرسائل «الانتخابية».
الطوفان أصبح جزءاً من نسيج الدفاع عن الوطن الأردني
وتظهر تماماً أن الحركة الإسلامية التي ستعلن في غضون يومين أو ثلاثة أيام، أسماء مرشحيها الذين ستخوض بهم الانتخابات في 10 أيلول/سبتمبر المقبل قررت المشاركة في هذه الانتخابات على أساس التناقض مع المشروع الإسرائيلي ومساندة الشعب الفلسطيني وأهل قطاع غزة، والأهم على أساس حماية الوطن الأردني من الأطماع الإسرائيلية.
ذلك خطاب تكمن أهميته ليس في أنه يستعمل تقريباً لأول مرة في سياق انتخابي يحذر من «أطماع إسرائيل» التي انقلبت -كما يقول وزير البلاط الدكتور مروان المعشر- على السلام والأردن، ولكن تكمن الأهمية في أنه يؤسس لإطار شعبي وطني يحاول إغراء المواطنين بالذهاب إلى صناديق الانتخابات على أساس الصراع مع إسرائيل هذه المرة.
تلك طبعاً «جملة تكتيكية» من قيادة الحركة الإسلامية قد «تلهب» حلقات تروج للتدخل أكثر في الانتخابات.
لكن الأكثر أهمية في تلك الجملة هو أنه لا أحد في الشارع ولا في السلطة يستطيع اليوم «إنكار مخاطر اليمين الإسرائيلي» أو «الاعتراض» على وجود «خلفية سياسية» بعنوان حماية الوطن من الأطماع الصهيونية لعملية انتخابية لا يمكنها أن تبقى «محلية» في إطار العدوان والطوفان.
شعارات الإسلاميين الانتخابية في العادة تركز على الخطاب الديني وتعتبر أن «الإسلام هو الحل».
لكن تطوير فعالية المشاركة الإيجابية في الانتخابات على أساس حماية الوطن الأردني بعد الصراعات في غزة ومعركة طوفان الأقصى وتداعياتها هو آخر تقنية توصلت لها الأدبيات في الحركة الإسلامية في تعبير مرن وفتاك سياسياً عن تعامل ظرفي مع الأمر الواقع، وعزف على أوتار أبرز مخاوف الشعب الأردني خصوصاً في هذه المرحلة وفي ظل إعلانات اليمين الإسرائيلي المتواصلة عن أطماعه في شرق نهر الأردن وسعيه لإقامة الوطن البديل في الأردن.
هذا التكنيك الدعائي يفرض وقائعه على الأرض، وإن كان بدون «ضمانات فعالية مؤكدة» وقد يساهم في مخاطبة الغرائز الانتخابية عند الشارع الشعبي ويعزز فرص التيار الإسلامي، خصوصاً أنه يتضمن المشاركة في الانتخابات على أساس أجندة وطنية حادة وواضحة الملامح مفصلها التناقض مع المشروع الإسرائيلي.
لا أحد خصوصاً على الجبهات الحزبية الأخرى عشية الانتخابات يستطيع منافسة التيار الإسلامي في خطاب متجدد من هذا الصنف، لأن التأسيس لبرلمان قوي هو جزء من خطاب الشيخ العضايلة باعتباره الورقة الرابحة في يد الدولة الرسمية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية.
«تطوير الاشتباك»
وهو خطاب في كل حال، يمكن بوضوح ملامسة ومصادفة الحالة التي لا يمكن معارضته فيها أو الاعتراض عليه؛ لأن أشواق ومشاعر واتجاهات الشارع الشعبي الأردني تشعر بالقلق الشديد إزاء إعلان قيادات الحكومة الإسرائيلية الدائم عن رغبتها في التهجير وضم الضفة الغربية وسعيها لحل المشكلة الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
الإسلاميون ـ في رأي المحلل السياسي الدكتور أنور الخفش، وكما ذكر لـ «القدس العربي» سابقاً- على رأس «كتلة اجتماعية عريضة» من الأردنيين «قلقة على المستقبل» وفي مواجهة مخاطر اليمين الإسرائيلي.
يزيد الإسلاميون من جرعتهم التكتيكية في هذا الاتجاه من اللحظة التي رفع فيها الوزير المتشدد سموتريتش خارطته الشهيرة في باريس عن «إسرائيل الكبرى» فيما اندفع لاحقاً لـ «تنفيذ مشروعه في ضم الضفة» دون أن تتصدى له المؤسسة الأردنية التي يرى الخبراء أنها تحافظ على نظرة كلاسيكية قديمة فكرتها أن «سموتريتش مجرد عابر في المشهد الإسرائيلي وتعارضه الدولة العميقة».
ليس الإسلاميون وحدهم من يطالبون بـ «تطوير الاشتباك والخشونة» مع سموتريتش وخطته، بل القائمة تضم أسماء لامعة ومخضرمة من طبقة رجال الدولة من وزن أحمد عبيدات وعلي أبو الراغب اللذين استمعت لهما «القدس العربي» مباشرة في سياق التحذير والمطالبة بالاعتراض والخشونة وإعادة قراءة الموقف الحالي من «المقاومة».
قناعة عشرات الشخصيات السياسية الأردنية راسخة بأن أطماع اليمين الإسرائيلي لا تقف عند حدود إخضاع المقاومة وأهل غزة، بل تتجه نحو ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها وإقامة الوطن البديل في الأردن، وهو ما تحدث عنه علناً سياسيون كبار عدة مرات من بينهم أول سفير أردني في إسرائيل الدكتور مروان المعشر، الذي أعلن في ندوتين أن الطاقم الحالي في تل أبيب يفكر بهذه الطريقة بالتأكيد.
قائمة السياسيين «غير الإسلاميين» في التحذير الوطني طويلة، وتشاء الصدف اليوم أنها تتفق مع «مخاوف الشارع» لكن يعبر عنها أيضاً الشيخ العضايلة والإخوان المسلمون أفضل من غيرهم.