«حوار القصر: الأردن بعد «استكشافات أمريكا» وارتفاع كلفة «التسلل»: هل بدأت مراجعات قبل القرارات؟

عمان- «القدس العربي»: المناخ الذي عقد فيه اللقاء التشاوري مع نخبة من رؤساء الحكومات السابقين في الأردن حمال أوجه ومليء بالتساؤلات بسبب التطورات الحادة في الإقليم وعلى صعيد القضية الفلسطينية، ما جعل تتبع اللقاء والحوار بحد ذاته والبحث عن تفاصيل من قبل الجمهور مرة ووسائل الإعلام والنخب السياسية في مرة أخرى مطلباً ملحاً وشغوفاً للجميع.
أهمية اللقاء الذي عقد في قصر الحسينية تكمن في ظرفه الزمني والسياسي، وليس فقط في الحضور النوعي لشخصيات سياسية خبيرة ثقيلة الوزن قد آن فيما يبدو وقت إبلاغها ببعض المضامين والقناعات والإصغاء إلى وجهات نظرها بالتزامن، خصوصاً بعد المشاركة الملكية الأردنية المؤثرة والعميقة في المشروع الدولي الذي قادته عدة دول أوروبية وعربية لتوسيع قاعدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
غابت اللقاءات التشاورية المعتادة لفترة من الوقت، لكن اللقاء الأخير يلامس الشغف العام في البحث عن معطيات وتقديرات للموقف، خصوصاً بعد ارتفاع مرصود وملموس في مستوى المخاوف من قرارات ضم إسرائيلية أحادية في الضفة الغربية والأغوار، وبعد تلمس المراقبين الخبراء لمستجدين اثنين في غاية الأهمية:
المستجد الأول هو تلك القطيعة العلنية والمكتومة التامة مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرفة، والتي تكرست أكثر وتسللت في عمق الخطاب الدبلوماسي العلني بعد إعلان بنيامين نتنياهو الشهير لشغفه في ما سماه بمشروع إسرائيل الكبرى. تعلم المؤسسة الأردنية مسبقاً أن إسرائيل تواجه تحديات الآن في الوضع الداخلي وفي الصمود في وجه موجة عاتية ضدها في المجتمع الدولي. وأنها ليست بصدد توفر القدرة على التوسع.. تلك الأدبيات ليس سراً أنها وردت عدة مرات على لسان رئيس الوزراء الحالي الدكتور جعفر حسان، ووزير الخارجية النشط أيمن الصفدي.
رغم ذلك، تحولت تصريحات نتنياهو عن إسرائيل الكبرى إلى مادة دسمة يومياً تثير البلبلة والضجيج في عمق الشارعين الفلسطيني والأردني، ما أدخل طموحات اليمين الإسرائيلي التي يعبر عنها علناً لا بل انتخب على أساسها، وفقاً لتعبير السياسي الدكتور ممدوح العبادي في صلب النقاشات وطاولة الحدث السياسي أردنياً وفلسطينياً على الأقل، وعربياً لاحقاً، كما يفهم من مؤشرات حوار قصر الحسينية أمس الأول في عمان.
وهنا يبرز دور المستجد الثاني الذي يتحول إلى مادة أساسية في نقاشات الأردنيين الصاخبة.
القطيعة غير مسبوقة مع كل أطراف ورموز حكومة اليمين الإسرائيلي. ولا حوار من أي صنف رسمياً مع العصابة التي تحكم تل أبيب، كما يصفها رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، فيما يتمثل المستجد المربك في مستوى تراجع لا أحد يستطيع إنكاره في نفوذ الرواية العربية والأردنية الخبيرة داخل أروقة القرار الأمريكي.
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف مع وقائع الحال، ليس لأن بصمات الأردن التي كانت تؤثر في واشنطن تغيب عن المسرح، ولكن لأن الولايات المتحدة ذاتها لا يوجد فيها اليوم جهة واحدة يمكن التحدث معها، لا بل يوجد فيها عدة جهات وجبهات.
واقع حال، طاقم الرئيس دونالد ترامب -كما يشرح لـ «القدس العربي» الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح- يؤشر إلى تعدد وتنوع مراهق مربك في رموز الإدارة الأمريكية الحالية.
في رأي شقديح وآخرين من المراقبين، فالأسوأ لمصالح الشعبين الأردني والفلسطيني، هو حالة الانفلات في مؤسسات ولوبيات القرار الأمريكي؛ فالخارجية الأمريكية لم تعد تلك التي يعرفها الجميع. والمحترفون فيها أقيل معظمهم وتم تهميش بقيتهم، ودور مؤسسة الاستخبارات العميقة مستهدف من قبل مراهقي البيت الأبيض، واليمين الإسرائيلي يعبث بالتوازنات، ووزارة الدفاع يقودها وزير طائش يضع على كتفيه وشماً يتحدث عن الكفار.
الوضع مربك جداً على مستوى صناعة القرار في الولايات المتحدة. لذا، تراجع نفوذ بلد مثل الأردن يؤمن بالسلام هو نتيجة طبيعية لهذا الواقع، وهو مستجد ويعني ليس فقط أن كل الاحتمالات والسيناريوهات واردة بشأن ملف الصراع مع إسرائيل فقط، ولكن يعني أيضاً أن الدول العربية في مواجهة طاقم في الرئاسة الأمريكية وصفه الباحث الأكاديمي الدكتور وليد عبد الحي بـ «طاقم يؤمن بأن المكذب على الدول وحتى الحلفاء والأصدقاء والشعوب، هو نمط مؤثر وذكي».
تلك وقائع لا يلمس تأثيرها إلا الخبراء جداً. والقطيعة الأردنية البيروقراطية مع حكومة نتنياهو الموصوفة بالغدر والكذب علناً يساويها في التأثير السلبي صعوبة التسلل اليوم وسط الأمريكيين في إدارتهم المرهقة.
رغم ذلك، ناورت القيادة الأردنية بحرفية وصبر في كل الزوايا الضيقة. وما كشفته بعض المعطيات عن حوار القصر أمس الأول، هو تشخيص دقيق لمساحات النفوذ والتسلل، حيث توحيد موقف الزعماء العرب كان إشارة أساسية وملحوظة ومؤثرة، خصوصاً في القضايا المفصلية، مثل وقف الحرب على غزة، وإجراءات الضم الأحادي، وحيث البقاء في حالة شراكة مع الدول الأوروبية لتوسيع قاعدة الاعتراف بدولة فلسطين خطوة كانت ضرورية ولا بديل عنها في إطار ما سماه الغربيون أنفسهم بالهندسة العكسية.
وصفت صحيفة عمون الإلكترونية لقاء الملك عبد الله الثاني مع رؤساء الوزارات السابقين بأنه «ودي وصريح، لا بل الأوضح والأكثر صراحة». يعني ذلك الوصف أن إلقاء تجاوز في بعض تفصيلاته جزئية تشخيص الحالة والواقع، وذهب باتجاه تفاعل حواري مع نخبة سياسية خبيرة بقيت تشعر بالتهميش لفترات طويلة باتجاه اقتراح مقاربات، لا بل إجراءات تجيب عن السؤال الذي كرره باسم الأردنيين جميعاً قبل 3 أيام الدكتور عبد الحي: ماذا نحن فاعلون؟
الانطباع في عمان، أن قضايا حساسة وأساسية بدأت تطرح على طاولة النقاش السيادي وليس السياسي فقط.
وعلى المحك هنا سيناريو إدارة ترامب في فرض الهيمنة والنفوذ ليس لإسرائيل، ولكن لإسرائيل بتركيبتها الحالية المتطرفة. وعلى المحك سيناريوهات ضم الضفة الغربية والأغوار وما قاله 177 عضواً في الكونغرس مؤخراً عن إجراءات إسرائيلية قد تخاطر باستقرار الأردن.
تلك ملفات عندما تطرح مرجعياً على طاولة حوار ونقاش، يصبح الوضع الوطني العام الأعمق تحت عنوان المراجعة والتقييم وانتظار إجراءات وقرارات.