“زحمة” لجان واستشارات في الأردن “قد تعيق الحركة” وتحذيرات من اللعب “مع الكبار فقط”
لا يمكن فهم الأسباب التي تدفع رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز لتشكيل “لجنة استشارية” عريضة في زمن فيروس كورونا تحاول التزاحم مع الطاقم الوزاري وبقية اللجان الاستشارية ومؤسسات الدولة عندما يتعلق الأمر بوصايا وتوصيات ليست من الصنف المعقد.
ولا يمكن في المقابل فهم إيجابيات توسيع قاعدة التشاور عبر لجان من الصعب فهم تركيبتها في توقيت أظهر فيه الشارع الأردني ميلا واضحا لدعم وإسناد الدولة ومؤسساتها السيادية وحتى الحكومة في بعض الأحيان جراء الأزمة الضاغطة على جميع الأوتار والأعصاب المشدودة.
للرجل – ونقصد الرزاز- على الأرجح تقديرات لا يفهمها الجميع.
لكن الواضح وبعد قراءة معطيات الواقع الموضوعي أن الغالبية الساحقة من تفعيلات القرارات والتوصيات التي تقررت حكوميا مؤخرا كان لها علاقة مباشرة بما ورد في تقرير ناضج ومعمق صدر عن المجلس الاجتماعي والاقتصادي التابع لرئاسة الوزراء أصلا، ما ينتج المزيد من التساؤلات حول مبررات إنتاج المزيد من “زحام اللجان”.
وعمليا وموضوعيا وبالنص يعمل المجلس الاقتصادي الاجتماعي كمطبخ وبيت خبرة، يقلب الأوراق والتفاصيل ويقدم للحكومة توصيات منذ عدة سنوات، وأنتج المركز في ظل قيادة ورئاسة شخصية منتجة وبارزة يمثلها الدكتور مصطفى الحمارنة، مؤخرا وقبل أزمة كورونا لتفعيل “حوار وطني تفصيلي” جريء لا يقف عند عرض المشكلات والتشخيص ويتجه نحو المعالجات والحلول.
حتى عندما أطلت أزمة الفيروس برأسها مؤخرا على البلاد والعباد، جمع المجلس بإشراف الحمارنة ونخبة من الخبراء في جميع القطاعات حصيلة الخبرة وزود الحكومة بتقرير مفصل عن ما ينبغي فعله بخصوص تحريك قطاعات الإنتاج وحماية الاقتصاد وحتى تحصين المجتمع وتثقيفه صحيا.
في كل حال اطلعت “القدس العربي” مبكرا على تفاصيل التقرير قبل إعلان حيثيات أمر الدفاع “رقم 9” المتعلق بترشيد الإنفاق وحيثيات دعم عمال المياومة والشرائح الأقل حظا وكيفية تدبير المزيد من التمويل الفعال لدعم برامج وزارة الصحة بما في ذلك الاقتطاعات والتبرعات المقترحة.
حرفيا وإلى حد بعيد أعلنت الحكومة قرارات وإجراءات وحتى أوار دفاع منطلقة من هضم ما ورد من توصيات في تقرير المجلس الاجتماعي الاقتصادي قبل نحو أسبوعين على الأقل في إشارة على أولا “حيوية” مؤسسات الإسناد وطبخ التوصيات الموجودة والفاعلة.
وثانيا على وجود خبرات داخل الحكومة وأجهزة الدولة توحي بأن الحاجة قد لا تكون “ملحة” لتشكيل العديد من اللجان الاستشارية خصوصا في غياب سلطة البرلمان وفي مرحلة حساسة وحرجة تحتاج خبرات بيروقراطية وطبقة من رجال الدولة أكثر من حاجتها لمغامرين أو “تجارب” أو حتى “أخطاء” إدارية على قاعدة حسن النية، أو تعقيدات المشهد وصعوبة وضخامة الأزمة.
عمليا قام المجلس الاجتماعي بواجبه زاهدا بكل الزحام والأضواء وتقدم بوثيقة استفادت منها الحكومة وبوضوح.
لكن بعيدا عن تلك الاعتبارات وعن المجلس ووثيقته، لاحظ المراقبون زحاما يحتاج للشرح بتراكم عدد اللجان الاستشارية أو الفنية التي تشكل مع قطاع متسع وأحيانا متنافس مع رموز في القطاعين العام والخاص.
ويحذر بعض الساسة من “زحمة الاستشارات” واللجان باعتبارها قد لا تكون مؤشرا على حيوية الحكومة ومرونتها، فالمطلوب وفقا لتعبير نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي تحريك الإدارة والقطاع العام بحيوية وبرؤية “أنضج” قبل تحريك القطاع الإنتاجي.
والمطلوب حسب ما فهمت “القدس العربي” من الزعبي “مشاركة” أكثر من “مشاورات” يمكن للزحمة أن تعيقها وهي مسألة انتبه لها مبكرا خبير صناعي واقتصادي بارز من وزن موسى الساكت، لفت النظر مبكرا إلى إن الأولوية للشراكة ينبغي أن تصبح وليس لـ”التشاور” محذرا من أن كلفة المعركة مع الفيروس ستكون كبيرة إذا لم تتعمق ملامح تلك “التشاركية”.
لكن ما تفعله الحكومة وحتى بعض المؤسسات التوسع في المشاورات بهدف “إرضاء غالبية الأطراف” وهو هدف يصلح في رأي خبراء سياسيين كبار لتعزيز قواعد الاستقطاب السياسي والشعبوي أكثر مما يصلح لإحداث تغيير بنيوي في تأسيس خطط وبرامج على مستوى التحدي الذي يفرضه كورونا وتداعياته.
هنا وفي هذه المساحة واضح أن الحكومة الحالية لم تهتد بعد للمحطة الأكثر إنتاجية وتغويها مشاورات اللجان وقواعد التشاور مع بعض كبار أركان الغرف الصناعية والقطاع المصري من دون إشراك بقية القطاعات في استراتيجية يصر الساكت على أنها تتطلب الحذر والانتباه فعلا، حيث في الساحة عدد كبير من الشركات المتوسطة والصغيرة.
ثمة أدلة على أن الحكومة تتجه إلى اللعب مع “كبار السوق” وهذا مفهوم قياسا باتساع الأزمة، لكنه محفوف بالمخاطر وأهم مؤشراته السلبية الحاجة دوما لتوليد لجان استشارية هنا وهناك بمبرر وبدونه في بعض الأحيان مما يتسبب في التزاحم اللجاني والاستشاري بحيث يصبح “إرضاء الجميع” غاية لا يمكن إدراكها.