سقوط مسيرات ومقذوفات وحرائق الأردن عندما «يسهر ليله الطويل»… هل الحياد العملياتي ممكن؟
المستويات السيادية تتصرف على أساس يفترض بان الأمن الحدودي يعزز استقلالية القرار السياسي خصوصا وأن الأردن قرر مبكرا أن لا يكون مسرحا للصراع ما بين إسرائيل وإيران.
عمان ـ «القدس العربي»: سقوط مسيرات ومقذوفات غامضة المصدر مجددا على مناطق شمالي الأردن وتسببها بإشعال حرائق في مناطق حرجية على مدار أسبوعين مقدمة إضافية تعزز القناعة بأن الأردن في الجغرافيا السياسية وبصرف النظر عن زوايا الاشتباك مع تطورات الإقليم سيسهر مجددا ليله الطويل في مواجهة استحقاقات تصبح أصعب حدوديا على الأقل كلما توسع نطاق الصراع العسكري.
وفرت المؤسسة العسكرية الأردنية الغطاء اللازم جوا وبحرا وبرا لحماية الحدود لكن مسيرات سقطت الأسبوع الماضي في لواء الكورة وأخرى سقطت صباح الجمعة الأخيرة في محيط مدينة جرش.
لكن في الجزء السياسي من المشهد حماية الحدود قد تصبح أمرا معقدا ويحتاج لمجهودات لوجستية كبيرة وبصيغة قد تؤدي إلى خلط الأوراق وان كانت المستويات السيادية تدير الأمر بكل احتراف وهي تتصرف على أساس يفترض بان الأمن الحدودي بكل حال يعزز استقلالية القرار السياسي الأردني خصوصا وأن الأردن قرر مبكرا وكما شرح لـ«القدس العربي» رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني بان لا يكون مسرحا للصراع ما بين إسرائيل وإيران. بالقدر الذي يستطيع فيه الأردن وفقا للعناني إقناع الإيرانيين بتجنب أي شبهة تحاول اختراق الأرض الأردنية يتعزز هامش المناورة أمام الإسرائيلي بالمقابل.
والمعادلة هنا هي أن الأردن في الحياد الجيوسياسي عندما يتعلق الأمر بالاشتباك بين إيران وإسرائيل ويريد البقاء في تلك المعادلة حسب العناني.
ولا يعني ذلك سياسيا إلا أن عمان تعتبر ممارسة هذا الحياد في الصراع العسكري بمعنى عزل الجغرافيا الأردنية عن الصراع وهو التحدي الأهم والأبرز وان كان الاحتفاظ بمثل هذا الحياد مفهوم وواجب وطني برأي الخبير العسكري الفريق قاصد محمود إلا انه يعكس مهمة صعبة ومعقدة.
وما يخشاه الخبراء أن تتطور الحالة الصدامية على المستوى الإقليمي بحيث يصبح الأردن مضطرا لأن يأخذ موقفا عملياتيا وهو الموقف الذي ينسجم برأي محمود وأقرانه مع تحالفات الأردن الطبيعية والتزاماته تجاه هذه التحالفات وان كانت ممارسة معايير الالتزام هنا في لحظة فارقة تاريخيا قد تضع الأردن بالنسبة لمحور آخر في الصراع باعتباره طرفا مشتبكا.
يقر محمود بأن هذا الوضع الجيوسياسي معقد وان استمرار الصراع بين المحور الإيراني والمحور الإسرائيلي الأمريكي قد يجعل عزل الجغرافيا الأردنية مسألة صعبة، لذلك الاحتياط إستراتيجيا واجب.
ولذلك أيضا كان الخيار السياسي الأردني من البداية العمل على خفض التصعيد ومنع التوسع الإقليمي للمواجهة بمعنى احتواء الصراع حتى يصبح استمرار الأردن بالحياد الجيوسياسي العملياتي ممكنا طوال الوقت أو لأطول فترة ممكنة رغم المخاطر والكلف.
ورغم قناعة عدد كبير من الساسة وبينهم الدكتور ممدوح عبادي بان اليمين الإسرائيلي هو السبب اليتيم والوحيد للإشكال والتصعيد الذي تواجهه المنطقة.
عليه يمكن القول إن ما يحصل في الأرض بين الحين والآخر ومع ارتفاع الكفاءة المهنية لقوات الحدود وأنظمة الدفاع الجوي قد يكون أمرا اعتياديا ونتيجة طبيعية للوضع الجغرافي العالق بين محورين يريد كل منهما اخضاع الآخر.
في الأردن تسقط مقذوفات هنا أو هناك بين الحين والآخر فيما لا تقف محاولات تهريب المخدرات والسلاح عبر الواجهة السورية بالرغم من كل الأحداث التي تحصل أو تشهدها المنطقة.
وهنا يفهم الفرقاء بان التمحور سياسيا أو عملياتيا بين محورين أردنيا مسألة في غاية الصعوبة وكلفتها مرتفعة لكن يفهم بالمقابل بأن إدارة الجزء اليومي من تداعيات واستحقاقات الحياد الجيوسياسي العملياتي أيضا مسألة مرهقة وتحتاج للكثير من الجهد والمقاربات إضافة للصبر والحكمة والهدوء.
أي طرف يمكنه ان يعتدي على الآخر عبر الجغرافيا الأردنية ومقابل الحياد اللوجستي بمعناه العملياتي تظهر المقاربة السياسية والدبلوماسية التي يبدو فيها الحرص على عدم توسع الصراع إقليميا بمثابة حبل نجاة لبلد معتدل مثل الأردن يميل شعبه إلى السلام والمسالمة لكنه يستطيع الدفاع عن نفسه عندما يحتاج الأمر على حد تعبير رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز.
الأردن في الأثناء وهو يلتقط مقذوفا هنا أو مسيرة تسقط هناك عليه أن يقدم رواية صلبة للرأي العام والشعب الذي يساند بقوة بعيدا عن حسابات الدولة وتوازناتها بدوره محتوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ويطلب حكومة بلاده بالتصعيد في وقف أنماط التطبيع مع إسرائيل، على أن كل تلك الأطر العملياتية تدار بطريقة تقصد التأكيد على ان احتياجات الأمن الوطني للمواطن الأردني لا تتأثر بسياق الإقليم ويتم تلبية مطالبها الملحة وفي الوقت الملائم.
ما يخشاه الجنرال محمود وآخرون أن الزوايا قد تضيق لاحقا أكثر مما يتوقعه المراقب السياسي وأن الغطاء الأمريكي لليمين الإسرائيلي أشمل وأكثر خطرا مما يعتقد الكثيرون، بمعنى أن الجهد الإسرائيلي الحالي الاستئصالي يورط الجميع. وبالتالي المعركة قد تطول والاحتفاظ بالقدرة على ردع الآخرين أردنيا قد يصبح مع تطورات الأحداث مهمة محفوفة بالمخاطر.
وتلك في كل حال مخاطر ملموسة يعايشها الأردن منذ عقود لكن حدتها زادت كما لم يحصل من قبل مؤخرا وسط الخشية من مؤشرات على أن المنطقة ذاهبة باتجاه صراع إقليمي مفتوح بطابع استنزافي طويل الأمد.