اراء و مقالات

الأردن ـ إسرائيل: أبعد عن «الاحتكاك» وأقرب إلى «الارتطام»

عمان – «القدس العربي»: تبدو الفرصة متاحة تماماً أمام عبور ضيق رغم بعض التفاهمات التي برزت على سطح الأحداث مؤخراً لاختبارات جديدة مرتبطة بحساسية العلاقات الأردنية – الإسرائيلية.
بات واضحاً لجميع المراقبين في الأردن بأن استجابة حكومة اليمين الإسرائيلي لطلب الأردن بخصوص الإفراج عن عضو برلمان السابق قبض عليه بتهمة الاتجار بالأسلحة عبر معبر اللنبي في الأغوار، قد يؤدي أو ينتقل بالعلاقة الثنائية إلى محاولة إسرائيلية لأن تدفع عمان ثمن سياستها المتشددة تحت عنوان الحفاظ على ائتلاف اليمين الحاكم اليوم بحسم الصراع في مدينة القدس.
تلك مقايضة لا يتحدث عنها السياسيون لا في تل أبيب ولا في عمان، لكن الانطباع على الأقل وسط نخبة القرار الأردني هو أن حادثة تهريب الأسلحة التي عرفت باسم جسر اللنبي كلفت الأردن سياسياً الكثير خلف الستارة والكواليس، خصوصاً أن أولوية عمان كانت الإفراج عن الأردني الذي احتجزته السلطات الإسرائيلية بحكم أنه عضو في البرلمان. وهي مسألة لاتزال حساسة ويتردد أنها ستؤدي إلى مراجعات كثيرة بشأن المؤسسات البيروقراطية الأردنية.

خطتان لليمين

لكن بعيداً عن حادثة جسر اللنبي، يمكن القول إن أول اختبار جديد وضعته حكومة اليمين الإسرائيلي أمام السلطة الأردنية برز مؤخراً بوضوح زمنياً بعد تلك الحادثة، فكل التقارير بما فيها تلك التي ترد إلى مقر السفارة الأردنية في تل أبيب تشير إلى خطتين شبه جاهزتين في جعبة اليمين الإسرائيلي، وتحظيان ليس بالصدفة بإقرار وموافقة رئيس الوزراء المتشدد بنيامين نتنياهو الموصوف أردنياً بأنه لعوب ومراوغ ويكذب في الاتفاقيات السياسية.
المشروع الإسرائيلي شبه الجاهز تماماً الآن هو حسم الصراع بشأن القدس، وهذا يعني مخالفة كل قرارات الشرعية الدولية طبعاً، والاستثمار في انشغال المجتمع الدولي بأزمة أوكرانيا-روسيا لتصفية بعض الحسابات في القدس، بمعنى إخضاع القدس كاملة للسيادة الإسرائيلية. وهو واحد من ثلاثة تصرفات أو استفزازات إسرائيلية أحادية موصوفة أردنياً قد تؤدي إلى اشتباك عسكري حتى مع الأردن، وهذا ما قيل علناً في وقت سابق.
لكن إسرائيل اليمينية تتصور اليوم بأن لديها فرصة متزنة لحسم هوية القدس ما دامت الإدارة الأمريكية الحالية اقتربت من الانتخابات الرئاسية وبصدد سلسلة من المجاملات للإسرائيليين ولليهود المناصرين لهم في الولايات المتحدة. وهي مجاملات شعرت بها الخارجية الأردنية بعدما بدل وغير وزير الخارجية توني بلينكن في لهجته مؤخراً، مطلقاً سيلاً من المجاملات للإسرائيليين وبعدما عادت نغمة نقل السفارات، كما فعلت هنغاريا مؤخراً، إلى القدس المحتلة.
حسم إسرائيلي لملف القدس يعني تغيير الأمر الواقع، ثم اختراق واحد من ثلاثة خطوط حمراء أردنية معلنة وعلى اللسان الملكي والمرجعي عدة مرات، وهو أمر إن حصل مؤخراً – وقد يبدأ الحصول أصلاً في تغيير الواقع أو الأمر الواقع أو ما يسمى الـ “ستاتس كو” في الحرم المقدسي الشريف- يعني أن العلاقات الإسرائيلية الأردنية بصدد الارتطام وليس الاحتكاك فقط. وقبل الارتطام، قدم الإسرائيليون ما يفترضون أنه خدمة كبيرة للجانب الأردني في قضية النائب العدوان وتهريب الاسلحة. والانطباع واسع وعميق بأن تلك الحادثة أضعفت الدور وهامش الارتطام والاحتكاك الأردني، وما يريده الإسرائيلي -في المقابل- تجنب الارتطام وخضوع الأردن؛ بمعنى القبول بالاحتكاك فقط دون معرفة إلى أين يمكن أن تصل الأمور، مع أن القطب البرلمان الأردني المعروف خليل عطية، يصر وهو يتحدث دوماً مع “القدس العربي” على أن أي مساس بالوصاية الهاشمية الأردنية هو اعتداء على الأمتين العربية والإسلامية، وأن الاستفزازات المتواصلة الإسرائيلية في القدس وحتى في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية هي مؤشر على ضرورة العودة إلى أصل الصراع وجذره، والقائم على فكرة –وفقاً لعطية- أن الأردن ومصالحه وثوابته هي الهدف التالي لليمين المتشدد الإرهابي الإجرامي في تل أبيب.

رواية لا تُشترى

في كل حال، تلك أيضاً رواية لا تشتريها المؤسسات الأردنية ببساطة، فحجم التوازنات كبير، والعلاقات الأردنية الإسرائيلية جزء من منظومة علاقات إقليمية وارتباطات ومصالح دولية.
وهو أمر حاول التنبيه له مرة وزير الإعلام الأردني الأسبق وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، وهو يحاول تذكير مجموعة ناشطين وباحثين في جلسة عمل مغلقة بأن ميزان المصالح ينبغي ألا يسقط من الحسابات.
الاتفاق الثاني قبل الارتطام بمسافة قصيرة هو ذلك الذي بدأ يتسرب وصنفه حزب جبهة العمل الاسلامي الأردني المعارض بأنه إعلان حرب على الأردن والأردنيين، فاتفاقية أو صيغة التقاسم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى والحرم المقدسي الشريف تطل برأسها مجدداً. وهي صيغة أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده لم ولن تقبلها.
ويعلم جميع الساسة في الأردن بأن التسلل عبر الاختراقات والاستغلال بانشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى بالصيغة التي تفترض تقاسماً زمانياً ومكانياً في المقدسات يعني بداية مرحلة التخلي عن دور الأردن ورعايته، لا بل عن الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى. وهي مسألة لا يبدو أن عمان رغم كل الظروف والاعتبارات مستعدة تماماً لقبول أي لهجتين بخصوصها، ما يعني أن الارتطام سياسياً ودبلوماسياً أصبح قاب قوسين أو أدنى.
وأن الأردن قد يكون في طريقه لاستخدام ورقة ضغط كان قد ألمح لها وزير الخارجية المخضرم ناصر جودة، في مجالسات سياسية، وسبق أن خدمت، وهي طلب مغادرة السفير الإسرائيلي في عمان على أساس أن السفير الإسرائيلي سبق أن طرد من أجل المسجد الأقصى من الأردن.
من يتصدى لما يسمى الآن في المسجد الأقصى إعلاناً هو حزب جبهة العمل الإسلامي، والحكومة الأردنية دخلت في حالة الصمت التكتيكي لكن دون تواطؤ الآن على الأقل في الأسس والثوابت، كما يلمح مصدر أردني مسؤول وعميق لـ “القدس العربي”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى