«صفر مشاكل وخلافات» مع ترامب: معادلة «أردنية» مستجدة فرضت إيقاعها في «سوريا والداخل» وغزة

عمان- «القدس العربي»: مرجح أن الاعتبارات السياسية والتحالفية مع الولايات المتحدة وغيرها في أفق النظام الرسمي العربي للحكومة الأردنية في المرحلة الحالية تفرض بصمتها على «المألوف» في الواقع الاجتماعي والأمني المحلي عندما يتعلق الأمر بمظاهر التضامن الشعبي مع المقاومة الفلسطينية، ومع أهل قطاع غزة.
والمرجح أكثر أن الرسائل التي تقول إن «معادلات التعبير الشعبي والشعبوي» تبدلت أو تغيرت، باتت أكثر من واضحة ليس فقط من خلال منع تنظيم وقفات شعبية تضامنية طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، ولكن أيضاً من خلال بعض الاعتقالات الاحترازية الفردية لنشطاء حراكات شعبية يقررون تجاوز «الخط المرسوم».
وهنا حصراً يتغير ما ألفه الشارع عملياً من يوم 7 أكتوبر قبل عامين من مساحات تحرك حرة وتجمعات وتحشيدات صاخبة في وقت يصر فيه مسؤولون بيروقراطيون على ضرورة تفهم القوى الاجتماعية لمصالح وتوازنات الدولة في مرحلة صعبة جداً ومعقدة من تاريخ الإقليم والمنطقة، يستند قوامها إلى ما قدره وقرره رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، عندما صرح الأسبوع الماضي بأن «تحويلات عميقة تجري حولنا، والمتغيرات في الإقليم صعبة».
المتغير الإقليمي -حتى بحساب المراقبين- صاخب عملياً، وإن بداية مسلسل «تضييق هوامش» حريات التعبير عن مشاعر الناس واتجاهاتهم بدأت تتلازم مع تفاعل دور أردني مفتوح الاحتمالات في تثبيت الأمن جنوبي سوريا بالتوافق مع الأمريكيين، حيث صعدت الاتصالات والعلاقات الأردنية الأمريكية بوضوح مؤخراً، وباتت عمان سياسياً فجأة في منطقة «قريبة جداً» من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كما لم يحصل في أي وقت سابق من عدة أشهر.
العاهل الأردني الملك عبد الله، تواصل هاتفيا ًأمس الأول، مع الرئيس ترامب وبحث معه تطورات الملفين السوري والفلسطيني.
وفي الأثناء، ضاعفت القيادة الأردنية من الضغط على إسرائيل بخصوص ملف إيصال المساعدات لأهالي قطاع غزة، وتحققت «اختراقات» لا يمكن تجاهلها في السياق، فيما التقى الوزير أيمن الصفدي نظيره الأمريكي ماركو روبيو في لقاء تأخر كثيراً قبل أن تلتئم دوائر التنسيق في الملف السوري مع المبعوث توماس باراك.
باراك وصف الأردن الأسبوع الماضي بأنه «شريك أساسي» في تثبيت الأمن والاستقرار في سوريا، وعادت الحرارة لأسلاك التنسيق عبر البنتاغون والقيادة الوسطي والخارجية بين عمان وواشنطن، والانطباع يتكدس بأن مخاوف الأردن الرسمية المغلقة من إدارة ترامب وجدت طريقاً للتفاعل بما يؤسس معادلة «احتراز أردنية»، قدر المحلل السياسي الدكتور أنور الخفش مبكراً عبر «القدس العربي» بأن وظيفتها وواجبها «عزل» الأردن عن أطماع وطموحات واعتداءات اليمين الإسرائيلي.
الأردن في موقع متقدم من معادلة الجغرافيا. والمحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، نصح الحكومة الأردنية بالاستثمار في المشهد والبناء عليه. وما يشير له شقديح والخفش وآخرون مؤخراً هو أن الحرارة عادت بوضوح لحلقات التواصل بين الأردن وترامب بما يحقق «مكاسب» تنسجم مع المصالح الحيوية للمملكة.
وشبكة المصالح في المربع الأخير قد تمثل المسوغ الأهم أو الأكثر تأثيراً في إدارة السياسات الداخلية المحلية بعيداً عن «إيحاءات» عبارة «طوفان الأقصى أردني أيضاً»، وهي على الأرجح تبرر ما يصفه حقوقيون ونشطاء بعودة سياسة «التشدد والاحتراز»، حيث العيون الأمنية تراقب تفاعلات الشارع الأردني حتى لا تلحق ضرراً بالتوازنات والاتصالات مع إدارة موتورة يشتكي منها العالم حالياً، هي إدارة ترامب.
مبكراً، وصف ترامب في مواقع سيادية أردنية بأنه «صديق للبلاد» وإن كان «سيزعج العالم».
لكن مؤشرات التوتر التي رافقت سيناريو ترامب بعنوان «تهجير أهل غزة للأردن» والتي تشددت عمان في رفضها لا بل في إحباطها، دفعت العلاقات قبل 4 أشهر إلى مناطق حرجة عبر عنها الأخير بإعلان فرض رسوم جمارك على الصادرات الأردنية على «الصديق والحليف الأردني» وصلت إلى نسبة 20%.
وقتها، شعرت حكومة الأردن بالصدمة، ثم أرسلت وفداً للتفاوض بعدما تردد عن استجابات مبكرة لما تريده إدارة ترامب في عمان، ومنها ضد تعبيرات الإسلام السياسي، ولاحقاً ضد المظاهر الشعبية التي تؤشر على علاقة متينة بين الشارع الأردني وحاضنة المقاومة الفلسطينية.
ترامب عاد وتراجع، لأسباب مجهولة، عن فرض رسوم كبيرة على صادرات الأردن، ثم فتحت إدارته أبواب التنسيق على مصراعيه مع عمان فيما يختص بملف السويداء ودرعا جنوبي سوريا، ثم تمكنت عمان قبل بقية عواصم العالم والمنطقة من إدخال كمية مساعدات لشمالي غزة، وسبقت الجميع بسبب تدخل أمريكي مفترض.
وعليه، يمكن اعتبار «الجملة السياسية» بين عمان وواشنطن في عهد إدارة ترامب، الآن، في الاستدارة لصالح المنطق القائل بأن مصالح عمان الأساسية مرحلياً مرتبطة باستعادة الحرارة في أسلاك العلاقة بعدما عرقلها عملياً الموقف الأردني المضاد لعدوان إسرائيل، وعدم وجود أي تواصل مع اليمين الإسرائيلي خلافاً لصمود استراتيجية المملكة في الاتجاه المعاكس للتهجير في غزة، حتى انحدر سيناريو ترامب في تلك الحالة. وهنا عملياً مربط الفرس؛ فالمستوى السياسي العميق في الأردن -برأي شقديح- عليه أن يحرص أكثر على «استقرار الاتصال بترامب ومحيطه».
والقاعدة التي يؤشر عليها اليوم سياسيون رسميون هي تلك التي تقترح بأن الابتعاد لأي مسافة عن «الاضطراب والشر» المنتج في مكتب ترامب أصبح عملياً هدفاً في غاية الأهمية، يوفر الحماية للمصالح والدور في الأردن، لأن استراتيجية «صفر مشاكل وخلافات» قدر الإمكان مع إدارة ترامب تطلبت وتتطلب يومياً إدارة حصيفة وتجنب أي اشتباك، وهو ما يقال الآن في أروقة القرار الرسمي.
«صفر مشاكل مع ترامب» معادلة فرضت إيقاعها ونتج عنها القبول بـ»حضور محسوب» في الملف السوري وترك التحفظ قليلاً، كما انتهت بمعادلة «حظر جمعيات إخوانية»، ثم تتبع تكتيكات أمنية احتوائية في ملف «نشطاء حاضنة المقاومة» في العمق الأردني الاجتماعي خلافاً لكل ما يشتكي منه الآن حراكيون ونشطاء بعنوان «تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية»، ومنع التظاهر، وبعض الاعتقالات الاحترازية، وعزل حضانة المجتمع المناصرة للمقاومة؛ لأن الحجة الرسمية تلك التي تقول بوجود ما هو أهم بكثير في مستويات «الاستحقاق» في المرحلة التي أطلق عليها المخضرم طاهر المصري اسم «السيولة الاستراتيجية» في المنطقة.