اراء و مقالات

إصلاح الاقتصاد الأردني: «تغليف الغبار والهواء»

الغرق في المسار المتعلق بتعديلات دستورية أقحمت بدون حاضنة اجتماعية وبدون الترويج لها فجأة على وثيقة تحديث المنظومة السياسية، كان أحد أبرز أخطاء التكتيك

ما الذي يمكن فعله حقا إزاء أي محاولة لتطويع كيس منتفخ بالهواء. هل يمكن إعادة إنتاج الفراغ على نحو يسمح بالإدعاء بأننا على الدرب الصحيح في المعالجة الاقتصادية بعد كل الجدل الذي أحيط بالمعالجة السياسية.
طبعا مجددا نتحدث عن المشهد الأردني لكن من زاوية اقتصادية هذه المرة، حيث ورشة عمل برعاية الديوان الملكي بدأت أشغالها، ونتمنى لها التوفيق بكل الأحوال، خصوصا وأن المقاربة الاقتصادية معقدة للغاية، لا بل تتجه نحو المزيد من التعقيد بسبب انعكاسات الحرب الطازجة بين روسيا وأوكرانيا على المواطن الغلبان في الحالة الأردنية، وهو ما بشر به وزير المالية الدكتور محمد العسعس الذي صرح بأن الحرب في أوكرانيا ستزيد التعقيدات على واقع اقتصادي معقد في بلاده.
عندما تعلق الأمر بالمقاربة المرتبطة بالإصلاح السياسي طرحنا عشرات بل مئات الاسئلة ولا زلنا نصر على أن الغرق في المسار المتعلق بتعديلات دستورية أقحمت بدون حاضنة اجتماعية وبدون الترويج لها فجأة على وثيقة تحديث المنظومة السياسية، كان أحد أبرز أخطاء التكتيك والتوقيت بالنسبة للحكومة الأردنية، وقد دفع الجميع ثمن ذلك بالمزيد من الاحتقان وبعودة ملامح الحراك الشعبي، وبنشاط مباغت تحت عنوان تبديل نظام الحكم وتغيير هوية الدولة، ليس فقط على صعيد من يطلقون على أنفسهم اسم المعارضة الخارجية، ولكن على صعيد الداخل أيضا، حيث نخبة من كبار حراس الدولة الكلاسيكيين والمعروفين في التيار المحافظ لم يفهموا الجملة التكتيكية الجديدة، وليسوا بصدد مساعدة التحول الدستوري الجاري.
حسنا فليحاجج من شاء ضد المقاربة المتعلقة بالإصلاح السياسي، ولنمنح تلك المقاربة فرصة علها تقودنا إلى حالة جديدة، أو ما يسمى بالأردن الجديد، بالمعنى التنموي خصوصا وأن المواطن الأردني بصفة عامة، ينظر للإصلاح السياسي أصلا باعتباره حالة ترفيه يمكن الاستغناء عنها، حتى وإن قررت الدولة الاستثمار فيها لأسباب تخصها.
ليس سرا أن جميع هذه المدن الكبرى في عمان والزرقاء وإربد وغيرها، ليسوا معنيين بما يلوكه السياسيون والإعلاميون تحت عنوان الإصلاح السياسي، وليس سرا أن أولوية المواطن الأردني هي رغيف الخبز أو فرصة التعليم لا بل الوظيفة.
وبالتأكيد ليس سرا أن الوظائف بخطر شديد.

الغرق في المسار المتعلق بتعديلات دستورية أقحمت بدون حاضنة اجتماعية وبدون الترويج لها فجأة على وثيقة تحديث المنظومة السياسية، كان أحد أبرز أخطاء التكتيك

وبالتالي نلمس ذلك الخطاب الذي يتحدث عن ضرورات ملحة لا بل تشكل أولويات في مساري الإصلاح الاداري والاقتصادي، خصوصا وأن المزيد من الوظائف الخاصة بالأردنيين، وتحديدا في القطاع الخاص، بحالة خطر بعد الترنح إثر عامي الفيروس كورونا، وسيزداد الخطر إذا ما قررت الحكومة أو الدولة في لحظة ما الاستغناء عن تقنية وآلية أوامر الدفاع، فأوامر الدفاع تلك هي التي تبقي عشرات بل مئات من المنشآت الصغيرة والمتوسطة تجارية واقتصادية الطابع، قيد البقاء والاحتفاظ بالوظائف بصفة قسرية، وما يمكن قوله إن تلك المنشآت ستغلق أبوابها بسبب تراكم الديون حسب الخبراء في أي لحظة تقرر فيه الدولة، بأن المصلحة تتطلب العودة إلى الحياة الطبيعية وإلغاء أوامر الدفاع.
بالتالي يمكن القول وبضمير مرتاح بأن الإخفاق في مسار الإصلاح السياسي بصرف النظر عن مخرجات تحديث المنظومة مسموح وغير مكلف، ويمكن النقاش فيه وحوله، لكن الضرورة الملحة ينبغي أن تتجنب أي إخفاق من أي نوع، مهما كان صغيرا في مسألتي الإصلاح الإداري والاقتصادي، فالحاجة هنا أكثر من ملحة، بل أصبحت من متطلبات البقاء والتوازن المطلوب للحفاظ على الحد الأدنى، وهنا برأينا المتواضع يكمن التحدي الأساسي، فالدولة عليها أن تكون جادة، ولكي تكون جادة ينبغي أن تتوقف عندما يتعلق الأمر بالموضوع الاقتصادي والبيروقراطي الإداري عن إعادة تعليب وتفريغ وتغليف الهواء، وينبغي أن تتوقف كل محاولات تطويع الكيس المنتفخ بالهواء والفراغ، وهنا تحديدا ثمة ملاحظات تبدو مؤلمة إذا ما أخذت بمعزل عن سياقها.
تطرح إحدى أكثر النكات رواجا على منصات تواصل الأردنيين سؤالا في غاية الطرافة: إذا كان في البلاد 300 خبير اقتصادي من الطراز الذي يستحق الاجتماع في الديوان الملكي في خلوة للعصف الذهني بهدف الإصلاح والتحفيز الاقتصادي، فلماذا حصلت عندنا مشكلة أصلا؟
سؤال يختصر الكثير من أوجاع وآلام الماضي ويظهر بأن الرأي العام لا يثق عمليا بتلك الاختيارات التي تقرر أن تقود حوارات العصف الذهني في المسار الاقتصادي، خصوصا وأن طريقة اختيار الأشخاص للتفكير عن الأردنيين، وباسمهم ونيابة عن دولتهم، تحيط بها عشرات الأسئلة وعلامات الاستفهام، فهي غير واضحة وغير شفافة وفيها كما يعلم الجميع معطيات من الشللية والاستقطاب والإقصاء.
واضح تماما لنا أن منهجية الإقصاء طالت عندما تشكلت خلية العصف الذهني المتعلقة في الملف الاقتصادي حتى رموزا كبيرة ومهمة وخبيرة، لا أحد يعلم لماذا تم استبعادها من حوارات الديوان الملكي وعلى أي أساس، وضمن أي نهج جديد، بما فيها بعض من أوصوا أصلا بالعصف الفكري.
تمرير الأمر بوصفات الاستشفاء السياسي لا يصلح لتلك الاقتصادية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى