اراء و مقالات

خفايا قرار «تعليق المشاركة في انتخابات البلديات»… هل يغادر الإسلاميون في الأردن «فراش» السلطة والمنظومة بالتقسيط؟

عمان – «القدس العربي»: قرار حزب جبهة العمل الإسلامي تعليق مشاركته في انتخابات البلديات واللامركزية الأردنية أعقب، بوضوح، انسحاب الحزب سياسياً وإعلامياً من توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، التي اعتبر الأمين العام للحزب الشيخ مراد العضايلة، في نقاش مع «القدس العربي»، أنها «حادت عن مسارها المرسوم والمتفق عليه» بعد الإعلان عن تعديلات دستورية مثيرة للجدل انتهت بـ»دسترة» تشكيل مجلس جديد للأمن القومي يتولى أهم السلطات الأساسية والملفات السياسية في إدارة البلاد، الأمر الذي اعتبره الإسلاميون، كما قال قطبهم البرلماني صالح العرموطي، بمثابة تأسيس سلطة جديدة على حساب صلاحيات السلطة التنفيذية الحالية.

تعليق المشاركة

طبعاً، حصل ذلك في الوقت الذي ازدادت أو برزت فيه مؤشرات معارضة لهذه التعديلات الدستورية حتى من النخب السياسية المحسوبة على الصف الرسمي وعلى الدولة ومؤسساتها في العادة، مثل رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، وكذلك نخبة من كبار السياسيين وبينهم عبد الكريم الكباريتي والدكتور ممدوح العبادي، وآخرون.
وكان التيار الإسلامي الأردني قد وجه انتقادات علنية للتعديلات الدستورية واعتبرها نوعاً من التضييق على إطلاق الحريات الحزبية والسياسية في البلاد، لكن الإعلان عن قرار مسبق بتعليق المشاركة في انتخابات البلديات، رغم الخبرات الكبيرة عند الإسلاميين في مجال العمل البلدي ورغم الفرص التي يوفرها حضورهم الاجتماعي والسياسي في هذا السياق، هو بمثابة خطوة أولى تكمل مسلسل الانسحاب من تداعيات مرحلة تحديث المنظومة السياسية، على الرغم من مشاركة الحزب في اللجنة الملكية التي صاغت تلك المنظومة.
عملياً، قرار التعليق أقرب لمناورة سياسية تكتيكية توفر ملاذاً لإمكانية التراجع في حالة شعور الحكومة والسلطات بالضغط.
على الجبهة الحكومية، لن تتوفر أي حماسة من أي صنف لمبادرات ستسعى لاستعادة الصف الإسلامي لانتخابات البلديات واللامركزية، وأغلب التقدير أن القرار المتخذ فوراً من الدولة العميقة هو الامتناع عن تقديم أي «دلال سياسي» لحزب الجبهة ودفعه في اتجاه تحمل مسؤولية قرار بتعليق المشاركة، وبالتالي الرهان البيروقراطي على أساس عدم توفر حاجة للتفاوض مع الإسلاميين تحت أي عنوان. وهو واقع سياسي يسند ويدعم الجناح المخاصم للتيار الإسلامي في أروقة القرار الرسمي، وإن كان يرضي بطبيعة الحال كوادر وقواعد الحزب في التيار الإسلامي، التي وصلت -حسب العضايلة- إلى قناعة يقينية باستعصاء العمل السياسي وبعدم وجود نوايا للإصلاح.
ضمنياً، ما يقوله قرار التعليق أنه لا مبررات للبقاء مع الدولة على «فراش واحد» حتى وإن كان العنوان تحديث المنظومة السياسية، التي يقول الشيخ العضايلة: «تفاعلنا معها وكانت جيدة، لكن…».

سيناريوهات

لكن تلك سياسياً «شرطية وغير منصفة» في رأي السلطات الرسمية وخصوم التيار الإسلامي في التحزب والأيديولوجيا، أما بتقدير قيادة الحزب فـ»لكن» هي محاولة للتعامل مع الواقع الموضوعي، ولاحقاً للحفاظ على بقاء الحزب ومؤسساته في حالة وحدة داخلية بعد وضوح المشهد، في رأي العضايلة، لصالح قاعدة تقول بأن «العمل السياسي لم يعد منتجاً الآن»، وهو -ترسيماً- بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.
ويعبر القرار الجديد عن رغبة قيادة الحزب في المضي قدماً إلى الأمام قبل انتخابات داخلية في مؤسسات الحزب ومؤسسات الشورى التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تحت ضغط ما يسميه العضايلة بالاستعصاء السياسي وإصرار قواعد الحزب بصفة عامة والكوادر، على أن العمل السياسي انتهى في الأردن.
والواجب يقتضي العودة لعملية الدعوة والتبليغ بدلاً من العمل الحزبي والسياسي، وهو الملف الذي تثور النقاشات حوله داخل مؤسسات التيار الإسلامي، حيث عدة سيناريوهات وتصورات تتفاعل الآن؛ أحدها العودة لفكرة «الحل الذاتي» للإطار السياسي لجماعة الإخوان أو حتى الانتقال إلى تشكيل حالة حزبية فقط تنضم للحافلة دون صدامات وعلى النمط المغربي.
ويبدو هنا أن القرار أقرب لمحاولة تنظيمية داخلية للحفاظ على الإيقاع العام داخل مؤسسات الحركة الإسلامية والمكاتب التنفيذية بسبب تراكم الجدل تحت عنوان المشاركة عموماً في الانتخابات ولجان تحديث المنظومة دون فوائد ومكاسب سياسية.
ومن المرجح أن القرار الجديد صيغة تحاول نزع فتيل أزمة داخل تنظيمات ومجموعات الحركة الإسلامية، بمعنى تجاوب مرصود وملحوظ مع دعوات المقاطعة التي تقول مصادر داخلية في الحركة الإسلامية إنها تمثل اليوم أكثر من 70% من نسبة التصويت داخل هيئات ومنظمات ومجموعات حزب جبهة العمل الإسلامي، خلافاً لأن القيادة الحالية لجماعة الإخوان لا تحتفظ فيما يبدو بأي خطة استراتيجية فعالة ومنتجة وتميل إلى مراقبة ثم مقاربة مسار الأحداث.
وتلك نسبة رقمية لا يمكن تجاهلها، وقد تم الضغط أصلاً في انتخابات 2020 على قواعد الحزب والحركة الإسلامية التي كانت تصوت ضد المشاركة في الانتخابات، وبصعوبة بالغة تم نزع قرار المشاركة.
والخشية الآن من تكرار سيناريو الضغط على القواعد، بحيث لو تقررت المشاركة في الانتخابات البلدية قد تفتقد القواعد والكوادر الحماسة اللازمة والقابلية للمشاركة في أرض الميدان وعلى الواقع، بمعنى حصول نوع من التمرد السياسي التنظيمي أو عدم الاستجابة بفعالية لقرارات القيادة، مما سيقود طبعاً إلى «نتائج متواضعة» في انتخابات لا يتحمس لها التنظيم حتى عندما تقررها «القيادة».
هذا الوضع الشائك دفع قيادة الحزب لإعلان تعليق المشاركة بالرغم من وجود مبررات تحدث عنها في بيانه على المستوى السياسي الوطني بانتظار «تحريك الركود» وتوفير محطة زمنية للتأمل والاستدراك، لا بل المراجعة لاحقاً إذا ما نضجت الظروف لإنجاز صفقة ما.
الإسلاميون بعد التعديلات يغادرون، بالقطعة والتقسيط، «فراش السلطة» بعدما استقطبهم إليه عبر تقنية «تحديث المنظومة» رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.. تلك مغادرة لها محاذيرها ولها كلفتها داخل التنظيم وخارجه، وما لا يعرفه خصوم التيار أن قرار تعليق المشاركة بنسخة البلديات الانتخابية مدروس بعناية وبتوازن وعلى قاعدة أقل الأضرار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى