عندما يهدد «مشايخ سيناء» بـ«ذبح الفلسطيني»: الاقتصاد الأردني تحت «عمامة» «بانجا السيخي»
لو لم تلتقط الكاميرا الزميل المذيع النشط أحمد موسى، وهو يطلق ابتسامة صفراء مع نظرة إعجاب غامضة، لما انتبهنا لما قاله على شاشة «صدى البلد» المصرية، شخص يرتدي عترة وزيا بدويا، وتصفه الشاشة بلقب «شيخ مشايخ سيناء.. فلان العلاني».
لا أعرف ما الذي يعنيه بصورة محددة أن يحظى شخص ما بلقب «شيخ مشايخ» على شاشة مصرية. هل هي «وظيفة» أم «رتبة» أم «ديكور» أم «ناطق رسمي»؟
الأمة عموما عانت لعقود من شريحتين: جنرالات «بناشر» مع أوسمة ونياشين، لم يحارب أي منهم، وشيوخ «مولينكس» يرتدون «اكسسوارات شيخة» مستوردة من تايوان.
في مسألة «سيناء» الملاصقة لـ«جرحنا الكبير» في غزة، لا يهمنا لا الشيوخ، ولا ما يستوردونه، بقدر ما يهم ما قاله أحدهم، ودفع نجم برنامج «على مسؤوليتي» لتلك الابتسامة، مع أن سيناء كلها أهلها كرام ومناضلون.
فجأة نقل المخرج الكاميرا على الزميل موسى، بينما في الإستديو أربعة ضيوف، وظهرت موسيقى تصويرية ناعمة، بينما كان «شيخ المشايخ إياه» بكامل إكسسواراته يقول «اسمع سيادتك. والله أنا وأهل سيناء كلهم لو عبر فلسطيني واحد من الحدود حندبحه»!
شيخ المسلخ
ما أدهشنا أن الشيخ إياه عندما وصل لمفردة «الذبح» استعار فورا تعبيرا رمزيا يصلح للمسالخ، وقام باستعمال إبهاميه للدلالة على عملية «ذبح» من «الإذن اليمنى إلى اليسرى»، وهي نفسها الإشارة التي يستعملها «البلطجية» في أفلام الدراما المصرية.
في اختصار ما أقلقني كمشاهد أن «الذباح» وسيم وظهر بوجه ناعم ويرتدي زي سيناء الوقور، وما أعرفه عن تقاليد البدو الكرام في المنطقة أنهم لا يهددون إلا «بذبح معتد»، ولم يسبق أن رأينا بدويا يهدد بذبح شقيق لاجئ، حتى قبل الاستجارة به.
المخيف أكثر: لا المذيع ولا الجنرال ولا الضيف الرابع، تدخل أي منهم لتصويب العبارة، ولو بلهجة توضيحية من طراز «ذبح مين يا راجل» أو «إيه الكلام ده يا شيخ؟»!
مرعب حقا أن تنزل بعض الفضائيات المصرية إلى هذا الدرك، وكنت أمني النفس بموقف لصاحبنا الشيخ، يقلد على الأقل حركة الصبي السيناوي، الذي حاول حشر كمية من الكعك لأطفال غزة عبر ثقب بالجدار.
سنأخذ «فالها من أطفالها» في سيناء، وليس من «مشايخها بتوع التلفزيون».
البدوي الحقيقي وابن سيناء الحقيقي «يجير من يلوذ به»، ولا يهدد بذبحة كالدجاجة أمام الكاميرات، حتى قبل محاولة لجوئه. ابن مصر الحقيقي يوجه رسائل الذبح للإسرائيلي المعتدي وليس للفلسطيني، هكذا نعرفه.
أسلوب بعض الأشقاء على الشاشات المصرية في الالتزام بـ«منع التهجير» غريب وصادم!
«بانجا» في عمان
وبما أن الحديث يزيد استغرابا عن «أغطية الرؤوس» ودورها في «محنة الأمة»، لا بد من التوقف عند حالة «التأمل»، التي هاجمتني وأنا أتابع الوجبة الإخبارية على التلفزيون الرسمي الأردني عن «ضيف عزيز وغال جدا ومهم» استقبلته البلاد مؤخرا.
الضيف هو «أجاي بانجا». وظيفته، حسب وكالة الأنباء الرسمية تصبح «شيخ مشايخ محافظي البنك الدولي ورئيس مجلسهم».
طبعا، صاحبنا من اسمه «هندي» – أطال ألله بعمر أحفاد غاندي – ومن العمامة الملونة «زهري وأزرق»، التي يحملها فوق رأسه نفهم أنه «من التابعية السيخية الصديقة».
أفردت فضائية «المملكة» مساحة خاصة لمتابعة زيارة المسؤول الدولي المصرفي، وتلفزيون الحكومة تابع بنشاط وهمة محادثاته وجولاته مع كبار مسؤولي عمان.
لفت نظرنا أن صاحبنا بدل، مثل العروس ألوان عمامته أكثر من مرة. يعجبنا طبعا اعتزازه بعمامته وطائفته وخوضه اجتماعات رسمية مرتديا ما يلزم للدلالة على «أصله وفصله وهويته الطائفية».
والأهم كمواطن أردني أن «بانجا» بعمامته البهية يزور بلادنا ويقر بإصلاحاتها الهيكلية، فيما جماعته يخفضون التصنيف الائتماني الإسرائيلي أملا في أن يتدحرج الاقتصاد الإسرائيلي أكثر إلى الهاوية بإذن الواحد القهار.
لكن السؤال: ما الذي يريد أن يقوله لنا كبير محافظي البنك الدولي الهندي السيخي، كشعب مقترض ومفلس فيما أقرباؤه وأبناء فصيلته، التي تأويه يؤسسون «كتيبة» تقاتل مع إسرائيل في غزة؟
ليست صدفة أن يطل علينا «بانجا» ببهاء ليبارك اقتصادنا أو يلفه تحت عمامته، فيما تتجول وزيرة المواصلات الإسرائيلية على روافع ميناء هندي عملاق وتشكر أمام الكاميرا أيضا «أهلنا في الهند» على دورهم في تأسيس «المسار البري»، البديل، نكاية بالحوثيين من الهند إلى الإمارات فالسعودية، ثم الأردن.
بصراحة شعرنا ببعض الخجل، لأن وزيرة الكيان ذكرت اسم بلادي وهي تناكف الحوثيين، وسط زحمة من تلك العمائم المماثلة، لما لبسه بانجا عندما زارنا.
كل ذلك يحصل فيما تخفق 55 دولة إسلامية في إيصال حبة مضاد حيوي أو جرعة حليب لأطفالنا في غزة!؟
هل كل تلك الأفلام الإسرائيلية – الهندية مجرد «صدفة»؟ أشك في ذلك! لكن يمكن أن نسأل «الشيخ بانجا».
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان