اراء و مقالات

«كوكتيل» الرعب عند الأردنيين: كيف ضرب السفير الأمريكي كل الأوتار الحساسة؟

عمان – «القدس العربي»: لا يكشف القطب البرلماني الأردني صالح العرموطي عن سر مستور جداً عندما يتحدث عن اتصالات تنطوي على تدخل في الشؤون الخارجية مع نواب في البرلمان لدفعهم إلى مراجعة موقفهم من اتفاقية الكهرباء مقابل الماء، التي دخلت سياسياً موسوعة الأرقام المرتفعة بسبب حجم الجدل الذي أثارته من صنف “يمكن الاستغناء عنه”.
العرموطي، على الهواء مباشرة، أعاد تذكير الأردنيين عبر محطة إذاعية محلية بأن 76 ممثلاً برلمانياً صوتوا ضد تلك الاتفاقية عملياً، مشيراً لغياب نحو 25 نائباً عن جلسة البرلمان المختصة. سبق للعرموطي أن أبلغ “القدس العربي” مباشرة بأن موقف الشعب ونوابه واضح، وهو بالنتيجة ملزم أخلاقياً ووطنياً ودستورياً للحكومة، وهو رأي قد لا تتفق معه السلطات، خصوصاً أن الاستجابة سريعة على مستوى تقديم شروحات وإيضاحات متأخرة للشارع الأردني بخصوص تلك الاتفاقية بالتوازي مع حملة دبلوماسية أمريكية نشطة واضح أنها تحاول إنقاذها ومنع البرلمان الأردني من إحباطها.
لم يتحدث العرموطي ولا غيره من النواب عن اتصالات أمريكية مباشرة بأعضاء المجلس، لكن النشاط الدبلوماسي الأمريكي وفي واحد من تجلياته الكثيرة، يعكس الانطباع بأن ميزان القوة تحت قبة برلمان الأردن لا يميل لصالح السردية الحكومية. ومن ثم، تبرز واحدة من إشكالات وتداعيات الهجوم الدبلوماسي الأمريكي المضاد، الذي سعى ولأسباب سياسية -برأي السياسي مروان الفاعوري- إلى تضليل الأردنيين وخداعهم مجدداً عبر الادعاء بأن احتياجاتهم للماء ضرورية للغاية وأنها مسألة بقاء واستقرار.
عملياً، خف الأسبوع الماضي الحديث عن اتفاقية خطاب النوايا، لكن الجميع ينتظر حصيلة ما ستفتي فيه اللجنة التي تجري تقصياتها، بمعنى أن تقلص منسوب الجدل لا يعني بأن الذاكرة الشعبية تراخت.
يضم الفاعوري صوته إلى العرموطي وغيره من المرتابين بما يسميه الثاني بتدخل أمريكي سافر في شؤون داخلية وسيادية، والاعتقاد لدى الأول جازم بأن السياسة الأمريكية تجتهد في إلحاق بلاده بالعدو الإسرائيلي وليس العكس، ولا حتى في إطار الندية السياسية، وتلك حزمة توصيفات وأوضاع يبرمجها الأمريكي مجدداً لصالح الإسرائيلي، مستثمراً بطبيعة الحال بالمد الذي حظي به مؤخراً، وهم ما يسمى بالسلام.

المنطق الحكومي

ظهور المنطق الحكومي في مواجهة رغبة الشارع الأردني الجامحة بمناكفة التطبيع واحدة من الآثار الضارة للتدخل الأمريكي الدبلوماسي. لكن من الآثار التأزيمية التي لا يمكن تجاهلها لاحقاً تلك المتعلقة بشعور الشارع الأردني بالاستفزاز وعلى نحو مفاجئ، فالتدخل الأمريكي يوحي مجدداً بوجود أجندة ونوايا سياسية الطابع وراء مشروع مريب بالنسبة للناس. وهو أمر بالعادة يخيف الأردنيين ويضع في مقدمة حساباتهم كل هواجس وتساؤلات السيناريوهات البديلة التي تسعى لحل مشكلة إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصالح الشعب الأردني وهويته.
الشعور حتى وسط النخبة الأردنية تعاظم في اليومين الأخيرين عندما لاحظ الجميع ثلاثة مسؤولين كبار في الدبلوماسية الأمريكية بعد الوزير جون كيري يضغطون بكثافة لإسعاف وإنقاذ الاتفاقية المثيرة للجدل، وهو حدث لا يحصل إلا عندما يتعلق الأمر بملفات أو مفاصل أساسية. وبناء عليه، الاعتقاد جازم أيضاً كما يقرر ويقدر الفاعوري ومعه العرموطي بأن التحركات الأمريكية مثيرة للارتياب، لأن الهدف الأبعد على الأرجح هو تسليم الجانب الإسرائيلي مفاتيح مهمة بالنسبة لمستقبل الأردنيين، من بينها بعد الغاز والطاقة ملف الاحتياجات المائية خلافاً للمنطق الذي افترضه عضو البرلمان فواز الزعبي عندما حاجج علناً بأن إسرائيل إذا قطعت المياه عن بلاده سيقطع الأردن الكهرباء عنها.
مقاربة النائب الزعبي تلتقط سطح الحدث في الواقع، فنمطية تبادل المنفعة مع إسرائيل لا تفسر ولا بحال من الأحوال تحشيد وتحشد مسؤولين أمريكيين كبار في منطقة صغيرة جداً لدعم التأييد والتحفيز لإنجاز مجرد اتفاقية لتبادل المنافع، فالهدف الأبعد قد يكون إدماج إسرائيل بالحد الأدنى مع الأردن بسلسلة مساحات في البنية التحتية وإعادة إنتاج دور الجغرافيا الأردنية لصالح “الوصلة الإبراهيمية” الخطرة التي تصل بين تل أبيب وأبو ظبي في عمق الجزيرة العربية. يحصل ذلك على شكل هلال بين بعض الدول السنية، يفترض الخبراء أنه وعبر قطاعات محددة مثل الكهرباء والطاقة والمياه والنقل، أن يشكل ردعاً لما حذر منه الأردن يوماً بعنوان “الهلال الشيعي الإيراني”.

ضغط متزامن

وفي كل حال، قد لا تصل الأمور إلى هذا المستوى من “التقميش” السياسي. لكن اهتمام أربعة مسؤولين أمريكيين دفعة واحدة وبالتزامن بالضغط لإقناع الأردنيين شعبياً هذه المرة باتفاقية خطاب النوايا الإماراتية، إنما هو محفز قوي للاعتقاد سياسياً بأن الدمج والشراكات في مشاريع البنية التحتية والاحتياجات الرئيسية هما الهدف وليس فقط تبادل خدمات الكهرباء والمياه، حيث يوجد عدة بدائل عن هذا التبادل.
لذلك حصرياً، مستوى الارتياب في جسد النخبة والناس في الأردن متضخم، والشعور ينمو ويزحف بأن الاجتماع الذي انتهى بتوقيع خطاب النوايا في دبي برعاية جون كيري هو في الأصل خطوة أولى وصغيرة في بناء شكل جديد للشرق الأوسط، حذر منه وألمح إليه عدة مرات مفكر سياسي من وزن عدنان أبو عودة. وعليه، تصبح حكاية الأردنيين في الاحتجاج والاعتراض ليست ذات صلة فقط بالتطبيع والعنصر الإسرائيلي أو الإماراتي في المسألة، لكنها تتجاوز لصالح هواجس مرعبة تضرب اتفاقية كل أوتارها الحساسة عند المخيلة الشعبية الوطنية الأردنية إذا ما بدأ ترسيم السيناريو الجديد إقليمياً عبر حزمة الاحتياجات الاساسية للطاقة والمياه، ولاحقاً للغذاء والإسناد الصحي، الأمر الذي لا يعني في الوجدان السياسي الشعبي الأردني إلا تدشين مرحلة تسوية سياسية أشمل تنتهي بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى