فرار الأسد «أرق» الأردن 10 أيام: «انتهازية إسرائيل» … وذباب «الثورة» الإلكتروني أبرز التحديات
عمان- «القدس العربي»: يتجنب الأردن الرسمي بوضوح شديد قول كل ما لديه أو في جعبته بخصوص الثورة السورية وتداعياتها.
ويتجول في التوقيت ذاته وسط الألغام باحثاً عن الوقوف في مكان آمن آو في منتصف المسافة على أمل الإحاطة بمجمل التداعيات والنتائج وتجنب الانزلاق.
هذا التموقع الأردني حتى الآن يعتبره بعض المراقبين “حمال أوجه”، لكنه تعبير مباشر عن مستوى الارتباك الذي شهدته دول الجوار، ليس لأن التغيير حصل وبسرعة شديدة في سوريا المجاورة وسط زحام تعقيدات المصالح والتوازن، ولكن لأن ما حصل بسرعة خاطفة ومذهلة وصدم أوساط القرار الأردني بصورة مرجحة هو تنحي ثم فرار الرئيس السوري بشار الأسد، والأسئلة التي سبقت ذلك الفرار العجيب، وبقيت تتردد عشرة أيام في أروقة القرار الأردني بعنوان: “لماذا انسحب الجيش السوري أصلاً ولم يقاتل؟
السؤال الأخير لن تتوفر له إجابة واضحة قبل مضي وقت كبير. لكن ما تخطط له المؤسسات الأردنية اليوم هو حالة تحمي البلاد ومصالحها من تحويل الأسئلة السورية إلى أردنية، حيث تحكم الجغرافيا وسط خيارين حاسمين:
الأول بعنوان الاستثمار والتوظيف في اللحظة، مع الحرص على مقاربة تحمي مصالح الأردن وفقاً للرأي الذي برز على هامش نقاش لـ “القدس العربي” مع رئيس الوزراء الأسبق المخضرم علي أبو الراغب.
والخيار الثاني قد يكون له علاقة بكلفة البقاء مطولاً على رصيف الانتظار بدلاً من الجلوس التكتيكي في منتصف المسافات، لأن السؤال حول انسحاب الجيش السوري وقرار رئيس النظام المخلوع في دمشق بالمغادرة هو قرار يطرحه اليوم غالبية نخب عمان، بما فيها تلك التي بقيت طوال الوقت تتبنى منهجية المؤامرة على سوريا منذ عام 2011. الدكتور ممدوح العبادي، وهو سياسي ومتابع رفيع المستوى، أقر في عدة نقاشات مع “القدس العربي” بأن بعض ما حصل في سوريا غير مفهوم، لا بل مرهق في ظل الأسئلة العالقة.
لكن التعقيدات الأردنية يبدو أنها لا تقف عند حدود اختيار المكان الأفضل للتموقع وفقاً لقاعدة “لن نجازف بمستقبل الأردن”، وهي قاعدة قيلت في مواجهة حالة السيولة الإستراتيجية في المنطقة بعد غزة ولبنان، وقبل المتغير السوري الضخم والمؤرق. وبالنتيجة، يصبح الأدعى أردنياً التمسك أكثر بقواعد تجنب المجازفات.
ظاهرتان صعدتا إلى سطح الحدث السوري في الأردن بشكل استثنائي خلال الساعات القليلة الماضية. أولاهما بهيئة إقحام إعلامي مدروس من جهات غامضة إما عبر مؤسسات غربية عريضة أو عبر إعلام المنصات الثوري والذباب الإلكتروني.. وهنا رصد منهجي لمحاولة إقحام الأردن في زوايا ضيقة بالمسألة السورية المعقدة.
ومن هنا أيضاً ولدت تلك الرواية المسربة عن رسائل في اللحظات الأخيرة بعد حلب، أرسلت لمناصرة الرئيس بشار في رواية لا يمكن تصديقها؛ لأن خطر تهريب المخدرات السورية على الأردنيين ومنذ أعوام، أكبر بكثير من خطر الجماعات والفصائل المسلحة المعارضة.
على أي حال، ثمة جهات منظمة فيما يبدو اجتهدت في الزج بالأردن الرسمي في المعمعان السوري متعدد الاحتمالات والمليء بالتعقيدات، وثمة تشويه مقصود برز يتلقفه فوراً بعض النشطاء على منصات الأردنيين أنفسهم بعنوان الإيحاء بأن الموقف الرسمي الأردني العميق هو ضد حكام دمشق الجدد، فيما الأصح والأدق قد يكون ضد المغامرات التي يمكن أن ينتهي إليها المشهد السوري بما يؤذي الخاصرة الشمالية للبلاد.
الظاهرة الثانية التي برزت في غضون يومين فقط، لها علاقة بمجسات تتلقف مجدداً ما يسربه ويروج له حصراً إعلام اليمين الإسرائيلي بعنوان أنه قلق وخائف على الأردن، وبعنوان أن حكام تل أبيب معنيون فجأة بدرء أي مخاطر يمكن أن تحصل للأردن جراء انتقال عدوى التحولات السورية.
تلك أيضاً على الأرجح لعبة جديدة فيها قدر معهود من الخبث اليميني الإسرائيلي، وما لا يريد بعض الذين ركزوا من الأردنيين على هذا الموضوع تحديداً الانتباه له هو سعي إعلام اليمين الإسرائيلي لتبرير إقامة جدار أمني عند الحدود مع فلسطين المحتلة ثم شرعنه ضم الأغوار.
الشبكة الإسرائيلية الإعلامية هنا يسقط فيها بعض المثقفين الأردنيين وهم يحاولون الإيحاء بأن عمان وتل أبيب معاً في التصدي لزحف محتمل للثورة السورية دون أدنى انتباه، لأن وزير الخارجية أيمن الصفدي قد يكون الوحيد بين النظراء العرب الذي حذر علناً من انتهازية إسرائيل واستغلال الظرف السوري للتوسع.
صحيح أن عمان لديها تحفظات وسعت إلى وضع قيود قدر الإمكان تجاه تطورات المشهد السوري. لكن صحيح بالمقابل، أن الاتصال منعدم مع اليمين الإسرائيلي، والثقة غير موجودة إطلاقاً، وبوصلة القرار الأردني تستشعر كيف يحاول الذباب الإلكتروني الإسرائيلي تمرير قصة المخاوف على الأردن ودولته ونظامه للعبور بالترتيبات الأمنية والعسكرية الجديدة في منطقة الأغوار.
التسريبات هنا كثيرة وكثيفة وبالجملة، ومن يتلقفونها بين الأردنيين لا ينتبهون إلى أن إيران التي يقول الإسرائيلي إنها تحاول فتح جبهة جديدة في الأردن أصبحت أبعد بالجغرافيا عن الأردنيين بعد سقوط النظام السوري، وأن التحفظ الأردني الرسمي حتى اللحظة على ثوار دمشق الذين أصبحوا حكامها الآن مرده الأعمق هو استغلال إسرائيل للحظة الراهنة وفرض معادلات على الإقليم.
ما يمكن فهمه من تموقع الأردن في مسافة أمان حتى اللحظة هو أن الأسباب التي تدفع باتجاه التحفظ على الثورة الجديدة في سوريا مرتبطة بمعلومات ومعطيات المنظومة الأمنية الأردنية المفصلة عن المعارضين سابقاً والذين يحكمون اليوم دمشق بالتعاون مع المنظومة التركية.
المعنى هنا أن الأردن في مسألة إسناد الثورة السورية يقف في منتصف المسافة ويتجول بين الألغام بسب تقديراته الذاتية والمصلحية، وخوفه الأساسي كان ولا يزال من تطلعات اليمين الإسرائيلي ومن نهاية غير مستقرة للوضع العام في دمشق.