اراء و مقالات

إدارة التكهنات في الأردن: «الزهد» يطيل عمر «حكومة الخصاونة»

عمان – «القدس العربي»: لعلها صدفة سياسية مباشرة بالمعنى الظرفي، لكنها قد لا تكون في الوقت نفسه، لكن الجميع يلاحظ اليوم في إدارة تكهنات وتوقعات المشهد السياسي الأردني الداخلي بأنه لا أحد من المراقبين المخضرمين يتحدث بإسهاب أو بصورة مستمرة عن تشكيل حكومة جديدة في البلاد على الرغم من وجود ملفات قيد الاستحقاق والرسم من الطراز الذي كان يؤدي إلى تغيير الحكومات في الماضي. في كل الأحوال ليست صدفة؛ لأن جميع الأطراف الفاعلة والنشطة والمؤثرة في القرار السياسي يبدو أنها وصلت إلى قناعة بأن رئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة “غير مهتم بالبقاء” في السلطة وفي منصبه، وبأن قيامه بالواجب يساوي في حساباته الشخصية وحسابات المعسكر النخبوي المقرب منه مغادرته أمس وليس غداً لموقعه ووظيفته.
هل لعب “الزهد” السياسي هنا دوراً في إطالة عمر الحكومة؟ سؤال سيبرز الجواب عليه لاحقاً. بطريقة أو بأخرى، وصل الجميع إلى قناعة بأن الحكومة الحالية أصلاً من حيث الجوهر والشكل غير متمسكة بالبقاء بالسلطة خلافاً لما حاوله وناضل من أجله رؤساء وزراء سابقون، وقد لا يكون ذلك السبب الوحيد لبقاء الحكومة الحالية لكنه سبب يدعو للتأمل والحفر في التفاصيل، فالصفوف التي كانت تشغل الرأي العام بالحديث عن تغيير أو تعديل وزاري، تبدو أميل إلى حالة سكون وصمت هذه الأيام، لأن معايير البقاء والرحيل أصبحت متساوية، ولأن حالة زهد مرصودة بالبقاء في السلطة يبدو أنها دفعت بعض الأطراف المتخاصمة للحكومة إلى الاحتكام والارتهان لمنطق وقف المشاغلة والتعامل مع الواقع الموضوعي، فيما يلاحظ الجميع أن الحديث عن التغيير الوزاري رغم بعض الملفات الملحة والأساسية هو في أضعف مستوياته الموسمية، لا بل الحديث بالاتجاه المعاكس عن إعادة التشكيل لرئيس الوزراء الحالي ولطاقم جديد يتعامل مع الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والإدارية المطلوبة في المرحلة اللاحقة.
القول بعدم وجود بديل مرشح لرئيس الوزراء الحالي هو مفصل أساسي في كل التوقعات والتنبؤات الأردنية، لكن لا إشارات من أي نوع بأن القصر الملكي في حالة تفكير أو دراسة خيار التغيير الوزاري الآن، وإن كان الأمر بيد صاحب الأمر وحده، وهو جلالة الملك، كما يقول الخصاونة نفسه لكل من يسأل أو يستفسر، مشيراً إلى أن حكومته مؤمنة بالخدمة العامة، ومفهومها ينبغي أن يتكرس. وبأن ذلك لا يعني البقاء طويلاً، كما لا يعني الرحيل مبكراً.

لا قرائن

في كل حال، لا توجد مؤشرات ولا قرائن على المرور أو العبور بفكرة التغيير الوزاري، والثابت المتداول حتى الأن أن التعديل الوزاري لم يغرِ رئيس الوزراء الخصاونة بركوب موجته، فهو لا يرى بأن طاقمه الحالي قابل للتعديل، ولا يعتقد بأن التعديل الوزاري سيعالج سواء المشكلات التي تعاني منها البلاد أو التي يمكن أن تعاني منها الحكومة. وخياراته – حسب المقربين جداً منه- واضحة الملامح: البقاء في الوضع الراهن من حيث الطاقم الوزاري، والسعي للتمسك بانسجام الحكومة وانسجام الفريق حتى في حالة تجديد التفويض.
لكن تجديد التفويض في دوائر القرار المرجعية، وإن كان خيار إعادة التشكيل مطروحاً من قبل قوى سياسية، هو داخل لجنة مشروع تحديث المنظومة السياسية وداخل حتى أوساط البرلمان. آراء عدة تتراكم اليوم وتقول بأن حكومة الخصاونة حصرياً كلفت بصفة استثنائية وطارئة لإدارة مرحلة ثانية من الاشتباك مع الفيروس كورونا، وبما أنها اليوم زودت بسلسلة من الوثائق المرجعية في المسار الاقتصادي ومسار التنمية السياسية فمن الطبيعي القول بأن السيناريو الأفضل لمستقبل هذه الحكومة هو إعداد خطاب تكليف جديد لها ينسجم مع مخرجات اللجان الملكية وورش العمل التي وضعت وثائق مرجعية.

تفويض جديد

وهذا رأي سمعته “القدس العربي” من الخبير الاقتصادي وعضو البرلمان البارز الدكتور خير أبو صعليك، وعلى أساس أن خطاب التكليف للحكومة الحالية واضح الملامح، وحصلت على ثقة مجلس النواب بموجبه، وأن الاستمرار في العمل على أولويات جديدة تماماً ومختلفة ومهمة للغاية قد يكون من المقنع للنواب أن يتواصل على أساس تفويض جديد وثقة جديدة في حكومة جديدة بصرف النظر عمن يرأس تلك الحكومة، وإذا ما تبقت -حسب المراقبين- الفرصة مواتية لبقاء الحكومة الحالية فالخيار الأفضل على الأرجح هو إعادة تكليف وتفويض رئيس الوزراء الحالي.
وليس سراً أن رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ورئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، يصوت لصالح هذا الاتجاه في التفكير في المرحلة اللاحقة.
لكن على الطاولة اليوم وثيقتان أساسيتان، وفي الطريق وثيقة ثالثة وبخصوص الوثيقة الأولى؛ فمسار تحديث المنظومة السياسية والحزبية واضح لجميع الأطراف، أما مسار التمكين الاقتصادي فقد انتهى بحوار أداره نحو 500 خبير اقتصادي يمثلون مؤسسات القطاعين العام والخاص، وثمة لجنة شكلها الخصاونة نفسه لإعادة مراجعة خدمات القطاع العام والإصلاح الإداري. ويعني كل ذلك أن الأدبيات والنصوص والتكليفات موجودة، وأن ما بقي هو الشكل الدستوري الذي تحصل الحكومة بموجبه على تفويض جديد، وبما أن خيار البديل عن الخصاونة غير متاح، وسمفونية التغيير الوزاري؛ بمعنى ترشيح رئيس جديد للوزراء مختلفة، لا يعزفها كثيرون هذه الأيام- يمكن القول بأن زهد الخصاونة وطاقمه في البقاء في الموقع قد يطيل عمر الحكومة أو يدفع في اتجاه مبدأ إعادة التكليف، وهو ما بدأت تدعو إليه أصوات مرتفعة بنبرة مرتفعة هذه الأيام لا علاقة لها لا بالخصاونة نفسه ولا بحكومته.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى