اراء و مقالات

قبيلة الحويطات بعد «الشهيد» بانتظار «الأسير»… و«الملثم» خاطب «أحرار الأردن»… لماذا وما الدلالات؟

عمان- «القدس العربي»: مجدداً يظهر الناطق الملثم باسم “كتائب القسام” في جملة ترد على تقولات وأحياناً تشنجات سياسية في الشارع الأردني عندما يخص من وصفهم بـ “أحرار الأردن” بالشكر والتقدير وهو يستعرض الدول والمحاور والشعوب التي وقفت مع أهل غزة والشعب الفلسطيني.
الناطق أبو عبيدة وفي الفيديو الأخير له، اصطاد سياسياً عدة عصافير أردنية بعبارة واحدة، واضح أن برمجتها سياسياً صعدت إلى السطح بعد الجدل الذي أثير على مستوى بعض منصات التواصل والشخصيات الأردنية بعنوان تجاهل القيادي خليل الحية، عندما أدلى ببيان توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار، للدور الأردني.
كان الملثم الذي يهتف الأردنيون له في أعراسهم وأهازيجهم الشعبية وحظي ببعض أوراق الاقتراع في الانتخابات الأردنية الأخيرة، وجه تحياته وتحية الكتائب للأشقاء من أحرار الأردن الذين تجاوزوا الحدود في الاشتباك مع الكيان الإسرائيلي.
مجدداً، مثل هذا الخطاب لا يرضي السلطات الرسمية بالتأكيد، لكن الإشارة في بعدها الاجتماعي والشعبي والأهم العشائري أيضاً، قد تكون لها دلالاتها والتقطت من جهة مكونات اجتماعية مهمة ساندت المقاومة الفلسطينية، حيث خطاب من حركة حماس والمقاومة الفلسطينية يعيد تمجيد اللحظة التي سطرها في عناوين وحدة الدم والمصير الشهيد الأردني ماهر الجازي ابن قبيلة الحويطات.
قبيلة الحويطات التي حولت قبر شهيدها من أجل فلسطين إلى مقام في عمق مناطقها الصحراوية، على موعد -حسب العديد من المنصات الإعلامية- مع الإفراج عن أحد أبنائها أيضاً من أسرى الشعب الأردني في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
الملصقات التي تصدر عن منابر طوفان الأقصى، تشير إلى الأسير الأردني عمار الحويطات، الذي سيستنشق الحرية بأمر من كتائب القسام قريباً؛ لأن قوائم المفرج عنهم تشمله حيث يقضي حكماً مؤبداً في سجون إسرائيل منذ عام 2002.
ثمة طبعاً أسرى أردنيون آخرون، خاطب ذووهم حركة حماس لتأمين الإفراج عنهم.
ذلك جزء حتى وإن لم يعجب الحكومة الأردنية في كل حال، يمثل إشارة متقدمة على عمق ما أفرزته أحداث ما بعد 7 أكتوبر في بناء علاقة مستجدة وعميقة بين المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية والاجتماعية والعشائرية الأردنية، الأمر الذي لم يعد منتجاً تجاهله أو تجاوزه، ومن الصعب في الوقت ذاته تقويضه أو المساس به أو إضعافه عبر أذرع الإعلام الرسمي الكلاسيكية، أو بواسطة الفريق الذي احترف باسم الأردنيين العزف على أوتار شيطنة المقاومة الفلسطينية.
حجم متابعة الجمهور الأردني لإنفاذ صفقة تبادل الأسرى دليل إضافي على تلك الروابط التي تشكلت ثم تكدست في وجدان الأردنيين بعدما برمج جيش الكيان الإسرائيلي -برأي السياسي والبرلماني الأردني الخبير محمد الحجوج- رسائل العنف الوحشية والدموية من خلال التعاطي مع عملية الإبادة.
رأي الحجوج كما سمعته “القدس العربي” مجدداً، من الصعب عزل الرأي العام الأردني عن سياقه الأخلاقي والمبدئي في التضامن مع الشقيق الفلسطيني.
وبرأي ساسة مراقبين، فالأفضل للشعبين الآن إعادة إنتاج وبرمجة كل أنماط العلاقة الأردنية الفلسطينية بناء على وقائع الدم والمعادلات التي أفرزتها معركة طوفان الأقصى وغزة.
أمام السلطات السياسية الأردنية خياران في التعامل مع مرحلة الأيام المقبلة، وحصراً مع الجزئية المرتبطة بالمقاومة كلاعب أساسي في المسرح الفلسطيني ثم الإقليمي.
الخيار الأول هو العودة إلى كلاسيكيات ومعلبات نظام التواصل القديم مع المقاومة الفلسطينية والإصرار على التمسك بعادات الماضي، الأمر الذي سينتج عنه في النتيجة والخلاصة مسافة جفاء يمكن الاستغناء عنها بين مؤسسات القرار الرسمي وحاضنة اجتماعية عريضة بالمملكة من الصعب إنكارها أو تجاهلها للمقاومة، ومن الأصعب دوماً وحقاً إعادة تأطيرها بعيداً عن جذور التضامن.
الأردنيات الفقيرات في حي الطفايلة تبرعن بكل ما لديهن لصالح أهل غزة، فيما كانت طائرات سلاح الجو تخترق الحصار.
وحي شعبي فقير في العاصمة عمان، هو حي الطفايلة، جمع خمسة ملايين دينار وحده منفرداً في سلسلة من أعاجيب التضامن الشعبي الأردني.
في الوقت ذاته، أوقفت عشائر وعائلات أردنية خلال معركة الطوفان إقامة مآدب طعام في الأعراس عدة مرات عندما طرحت معادلة “العرس في عمان والطعام في غزة”.
قبل ذلك، وفيما كان وزير الخارجية أيمن الصفدي يناور وسط الأقنية الدولية لصالح ثوابت بلاده ضد الحرب والعدوان، جلس الأردنيون في مقعد متقدم في تصنيفين: الأول يرتبط بحجم التبرعات المالية والعينية، والآخر يرتبط بصدارة شعوب المقاطعة للسلع والمنتجات التي تدعم الكيان الإسرائيلي.
تلك وقائع وقرائن من الصنف الذي لم يعد من الحكمة تجاهله شعبياً عندما تصاغ استراتيجيات معادلة “لن نجازف في المستقبل”.
وأغلب التقدير سياسياً، أن نتائج طوفان غزة أصبحت أساساً في البرمجيات الذهنية والسياسية والوطنية عند الأردنيين عموماً، بدلالة أن حليف المقاومة الفلسطينية الأبرز في الأحزاب السياسية، وهو حزب الإخوان المسلمين، زاد حصيلته في الانتخابات الأخيرة إلى 31 مقعداً تمثل الأغلبية، لا بل حصل ذلك الحزب على نحو 20 ٪ من أصوات الناخبين بسبب غزة والمقاومة الفلسطينية في مناطق محددة بالبادية تحديداً، لم يكن لأنصاره فيها أي حضور منذ عقود.
مشهد كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية بعد الوجبة الإجرائية الأولى في تنفيذ وقف إطلاق النار والإفراج عن أسرى من أبناء العشائر الأردنية، مقومات مستجدة أيضاً تدعم تلك العلاقة بين المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الاجتماعية في العمق الأردني، حيث تراكمات ووقائع أصبح من الحكمة إدخالها إلى عملية صناعة القرار والتوجه، وليس من الحكمة بالمقابل التعاطي معها في المستوى الإعلامي الرسمي أو الأمني البيروقراطي ضيق الأفق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading