قرار حبس الشيخ فلاحات يعيد طرح سؤال الحريات في الأردن
القرار ترافق مع آخر مماثل بحق الناشط البارز أيمن صندوقه ومع توقيفات احترازية وملفات تحقيق مع نشطاء في قضايا يقدر الناشط القانوني العمري بأنها كان ينبغي أن تغلق.
عمان ـ «القدس العربي»: «أحوج ما نكون إلى توحيد الصفوف ومعالجة الأمور بحكمة وروية خصوصا مع قامة إسلامية وطنية بحجم الشيخ سالم».
تلك هي العبارة التي ختم فيها الناشط السياسي الأردني محمد مفلح الأزايدة رسالة عامة وجهها بمناسبة صدور حكم قضائي بالدرجة الأولى بالسجن لخمس سنوات بحق المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين والأب الروحي لحزب الإنقاذ والشراكة غير المرخص حتى الآن الشيخ سالم الفلاحات.
لم تعرف بعد ظروف وملابسات عقوبة السجن الغليظة بحق سياسي وطني بارز ومعروف، حيث برأت محكمة الاستئناف في عمان الفلاحات من تهمة «استعمال وثيقة مزورة» لكن محكمة بداية جنايات الزرقاء أدانت الرجل في قضية أخرى أقيمت على نفس خلفية الوقائع.
الأزايدة يعود لاختصار المسافة وهو يقول «كلنا أمل أن عقل الدولة فيه ما يكفي من الحكمة والنضوج لقراءة المشهد المحلي والمتغير الإقليمي والأخطار والتهديدات والتحديات التي تواجه الأردن».
رسالة الأزايدة تحاول برمجة حالة ما تحتوي الصدمة بمعناها السياسي والشعبي التي نتجت عن قرار الحبس لخمس سنوات ضد الشيخ الفلاحات أحد أبرز الفاعلين سياسيا ووطنيا على مستوى الشارع الشعبي في السنوات التي أعقبت الربيع العربي.
العقوبة كانت مفاجأة لجميع الأطراف مع أن الحكم قابل للاستئناف. والناشط النقابي البارز ميسرة ملص عبر بدوره عن أمله في أن تستدرك السلطات القضائية وتنصف شخصية وطنية بارزة بحجم الشيخ الفلاحات مع أن المسألة تتعلق بدعوى أقامها كما تقول التقارير أعضاء سابقون في حزب الشراكة والإنقاذ على الشيخ الفلاحات يتهمونه فيها بتوقيع طلبات انتساب للحزب بدون علمهم، وهو فعل يرى المحامي البارز عاصم العمري أن مسؤوليته تقع في أفعال شخص ثالث لم يتم التحقيق معه وهو الذي نقل وثائق الكشف الحزبي.
تعاملت المحكمة إجرائيا مع هذه القضية وبمعزل عن تأثيرها السياسي وحسب الحيثيات وضمن أطر الاجتهاد القانوني فيما المخاوف ارتفعت في ظل ملف الشيخ فلاحات بسبب قرار بالحبس لمدة عام تم تنفيذه فعلا بحق الكاتب الصحافي أحمد حسن الزعبي قبل حصول إنفراجة مع الأخير والإفراج عنه مساء الخميس في بادرة طيبة ومحسوبة لجأت لخيار «استبدال العقوبة» بالخدمة الاجتماعية.
قرار حبس فلاحات ترافق مع قرار مماثل بحق الناشط البارز أيمن صندوقه ومع توقيفات إحترازية وملفات تحقيق مع نشطاء في قضايا يقدر الناشط القانوني العمري بأنها كان ينبغي أن تغلق.
بعيدا عن حيثيات الحكم القضائي العقوبة ضد فلاحات بسقفها الزمني كبيرة جدا وتسببت بصدمة في أوساط الحلقات التي بقي الشيخ نشطا في عمقها مع انه من الشخصيات المعتدلة في الموقف السياسي ولا يصنف بالشراسة أو تجاوز الخطوط الحمراء.
واضح حتى في تقييم العمري وغيره أن العقوبة القاسية التي صدرت بحق شخصية من وزن الفلاحات تعيد تسليط الضوء على البنية التشريعية التي تنتقص من حريات التعبير والحريات العامة والفردية في الأردن خصوصا في حال اللجوء للتعسف الإداري والسياسي في استخدام نصوص القوانين وهو أمر بتقدير العمري طالما ساهم في إنتاج تراجع كبير في ملف الحريات كلما تقدمت البلاد خطوة في الاتجاه المعاكس.
لم يفهم السياق الأعمق في محاكمة الشيخ الفلاحات وليس محكمته، لكن ما لا يمكن إنكاره أن عقوبة سجن من هذا الحجم تعيد طرح الأسئلة في العديد من المحاور والملفات والعناصر التي اعتقد الجميع أن البلاد تجاوزتها في سياقات التحديث السياسي وبعد الانتخابات الأخيرة.
لا يعرف أردنيون كثر عن الشيخ الفلاحات إلا أنه من الشخصيات المعتدلة والمقدرة.
ووجوده خلف القضبان بناء على شكوى من بعض الأعضاء السابقين في حزبه الذي لم يرخص في عهد المنظومة التحديثية يعني إنتاج رمزية وطنية جديدة لحالة معارضة تدفع ثمن الرقابة والتعسف البيروقراطي وهي حالة طبعا يمكن الاستغناء عنها.
العقوبة ضد الشيخ الفلاحات تفتح نقاش الحريات في البلاد بنفس الطريقة التي رصدت بعد تنفيذ عقوبة الحبس بحق الكاتب الزعبي، وتمنح حزبه الذي لم يتم ترخيصه بقرار إداري وآخر قضائي والمقصود حزب الشراكة والإنقاذ أفقا جديدا في عمق الشرائح والمكونات الاجتماعية.
والمعنى هنا تقديم خدمات مجانية لهذا الحزب الذي تصرفت معه البوصلة الرسمية طوال سنوات وكأنه «عدو للدولة».
وفي الأثناء لا مبرر للتذكير بأن اتخاذ قرار إداري بترخيص حزب الشراكة والإنقاذ الموصوف رسميا وبيروقراطيا كان يمكن ان يغني كل الأطراف عن إعادة إنتاج رمزية في مرحلة حساسة اقتصاديا وإقليميا تحت لافتة عقوبات بحق الشيخ الفلاحات أو رفاقه في حزبه الذي رفضت الهيئات ترخيصه وتسجيله.
طبعا كان يمكن ضبط إيقاع هذا الحزب المثير وشرائحه التي تزعج السلطات عبر منظومة حزبية تخضع لقانون الأحزاب بدلا من تحويله إلى طاقة تتسلل في كل شرائح وفئات المجتمع بصيغة «نضالية».