اراء و مقالات

«ثلاثية» موجعة في الأردن: وباء لا يرحم وإدارة بذهنية «أمنية» وقوى شارع «انتهازية»

الثمن يدفعه النظام الصحي والمواطن فقط

تقترب على نحو غير مسبوق لحظة مواجهة الحقيقة في المسألة الصحية الأردنية بالتزامن مع «مواجهة كان يمكن الاستغناء عنها» سياسياً من الطرفين في الحكومة وقوى الشارع المتحركة بجناحيها الانتهازي والراشد المطالب بالإصلاح الأشمل.
ومع اقتراب تلك اللحظة تصبح المواجهة أصعب في مسارها الوطني، حيث حصار الوباء الاقتصادي والصحي على المواطنين، يقابله حصار يفرضه الوباء على مراكز القرار والسلطة، بالتوازي مع الصوت المرتفع لإيقاعات الاحتجاجات التي عادت ومعها الاعتقالات والخشونة الأمنية وبدون مبرر.
في كل حال، لحظة الخط الفاصل في الذروة الفيروسية فرضت إيقاعها، والخوف كبير ولا يمكن الاستهانة به داخل أروقة السلطة من اقتراب خروج النظام الصحي عن سكة الخدمة، حيث فوبيا النظام الصحي العام يمكن تلمس ملامحها على وجوه كل المسؤولين الأردنيين ومن مختلف الطبقات البيروقراطية.

الثمن يدفعه النظام الصحي والمواطن فقط

يوجد في خزانة الحكومة خطط ومشاريع للتعامل مع المنحنيات الوبائية، ويوجد عند الطاقم الصحي سيناريوهات واحتمالات، ووزير الداخلية والصحة بالوكالة الحالي في الحكومة مازن فراية، كان ويبدو أنه لا يزال يقود خلية أزمة كورونا.
يعني ذلك أن الحكومة، وخلافاً لما كان يحصل في الماضي، لديها اليوم كل المعطيات والمعلومات بسبب وجود العسكري الذي أصبح وزيراً لحقيبتين، الفراية، ولم يعد من الممكن إخفاء الوقائع والبيانات، بدلالة أن لدى الفراية – عندما عمل مع كبار مستشاري القصر الملكي- سيطرة مركزية على المعلومات، وخططاً مفصلة للحظات الانتشار الوبائي يفترض أن تقلل من صدمة الحكومة والجهات المعنية.
الحديث بالنسبة لكبار المسؤولين الأردنيين أن سيناريوهات طوارئ تحتمل تجاوز الإصابات يومياً لأكثر من 10 آلاف حالة ليس جديداً، ففي وقت مبكر من الأزمة الفيروسية استمعت «القدس العربي» لمستشار علمي في القصر الملكي تحدث عن وضع خطط لمثل هذه الأرقام في وقت مبكر من شهر نيسان العام الماضي، كانت في غاية التفصيل.
وعضو مجلس الأعيان الحالي المختص بالدواء والصحة العامة الدكتور هايل عبيدات، كان يسترسل في التحذير طوال الوقت.
المعنى هنا سياسياً، لا تستطيع الحكومة الادعاء بأن «صدمة الأرقام» تعبر عن حالة لم تكن في الحسبان، فالشارع في كل حال ليست مسؤوليته إدارة الأزمة، والتثقيف مع التساهل بالإجراءات كان دوماً في اتجاه مؤسف، كما يرى القطب البرلماني خليل عطية.
السؤال هو: هل تستطيع الحكومة، في ظل الصخب الشعبي، الاستثمار في المعلومات المهمة وقيادة الاشتباك لاحتواء التفشي المجتمعي الذي طالما حذر منه مختصون كبار بينهم الدكتور ممدوح العبادي، الذي حذر مراراً وتكراراً وعبر «القدس العربي» ومن بداية أزمة الفيروس، من التساهل في الوقاية والاختلاط؟
العبادي يرى اليوم أن المواجهة تتطلب بعد المسارات الأمنية والقانونية وبعد تجاوز الفايروس لحاجز الـ 10 آلاف إصابة يومياً التركيز على مسألة واحدة وأساسية لتمكين النظام الصحي من المواجهة، وهي المسألة «المالية».
سمعت «القدس العربي» العبادي وهو يستغرب بصورة كبيرة ترك ميزانية وزارة الصحة بوضعها الحالي رغم الأعباء الكبيرة للزيادة السكانية، ولاحقاً لمقتضيات معركة كورونا، مشيراً إلى أن ميزانية الوزارة المالية وقبل كورونا كان ينبغي أن تزيد، لكن ما حصل العكس تماماً؛ فقد تراجعـت خـلال السـنوات الثلاث الماضـية.
هو يريد من الجميع الالتفات إلى ضرورة تعزيز إمكانات الصحة المالية ولو على حساب بقية المؤسسات، حتى تتمكن الوزارة من استقطاب الكفاءات الطبية والمتابعة.
يعلم وزير المالية الدكتور محمد العسعس ذلك ويؤمن به، كما فهمت «القدس العربي» لكن الميزانية مبرمجة والظروف قاسية، ولا توجد حلول إلا بأن تتطوع بقية المؤسسات على مستوى الدولة وليس الحكومة لتدبير نفقات قد تصل إلى 250 مليون دينار، من المرجح -حسب خبراء- أن المواجهة مع التفشي الوبائي تتطلبها الآن وبصورة ملحة، والمطلوب أن يعلق رجال الدولة الكبار الجرس ويديرون الأمور لمساعدة وزارة الصحة، الأمر الذي تفعله القوات المسلحة فقط الآن عبر المستشفيات الميدانية، وإن كان المطلوب أكثر من ذلك.
لا أحد بطبيعة الحال على الصعيد المؤسساتي، يريد الانتقاص من ميزانيته المالية، لكن الحاجة ملحة الآن، والظرف دقيق وحساس، والمخاوف على النظام الصحي برمته تدفع الحكومة والخبراء للتحذير من العودة برامجياً وبصورة اضطرارية قريباً إلى الحظر الشامل والإغلاق، مما سيقود إلى المحظور المعيشي والاقتصادي المعقد وعشية شهر رمضان المبارك، وهو شهر مقياساته مهمة في الإطار الاجتماعي. ودرج رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، على التحذير من تداعياته بعدة أبعاد في حال التنظير مجدداً للحظر والإغلاق باعتباره أسهل الأمور.
عملياً، لم تظهر خلايا الأزمة البيروقراطية بعد قدرة على «التكيف»مع معادلة احتواء الوباء والبقاء في الحد المنطقي بالتوازي من النشاط الاقتصادي.
تلك المعادلة هي التي ضربت الآن من ثلاثة أطراف، هي: الوباء الذي يتوحش ويتغذى ويسمن الآن ويتمدد بسبب الجهل الاجتماعي وقصور التثقيف، ثم خشونة السلطة الراغبة في السيطرة أمنياً بنفس التوقيت ولا تظهر قدراً من المرونة. وثالثاً من قوى الشارع المتسرعة والانفعالية التي تختار بدورها «أسوأ توقيت» وطنياً لتجربة فاشلة مسبقاً ويدفع ثمنها المواطن وليس السلطة، وعنوانها «الاستغلال والرغبة في إخضاع السلطة».
تلك ثلاثية مؤلمة لجميع الأردنيين الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى