كحول ومخدرات… الأردن في «الميثانول السياسي»: أين «المسؤولية الأدبية»؟ ومن يراقب المراقبين؟
9 حالات وفاة لأشخاص تناولوا مشروباً مصنعاً محلياً و17 حالة تسمم

عمان ـ «القدس العربي»: كم وزيراً يجب أن يستقيل؟ سؤال طرحه بساطة شديدة الإعلامي والصحافي الأردني الناشط ياسين القيسي، عبر صفحته التواصلية ضمن حزمة النقاشات التي تتحول ببطء وتدريجياً إلى أزمة سياسية محلية بالتأكيد قريباً فيما تم تعريفه وبسرعة بقضية «التسمم الكحولي».
جذر السؤال في طبيعة الحال يعيد النقاش برمته مجدداً إلى ما تجتهد الحكومات في إبعاده، وهو حصراً مسار المسؤولية الأدبية الذي لا يطبق إلا بالصدفة، وأحياناً ضمن قواعد اشتباك مرتبطة بمفهوم الولاية العامة.
هنا حصرياً ووسط حمأة الأسئلة والنقاشات الحادة، تجلس بوقار أحدث قضية جنائية نتائجها حتى عصر الإثنين بالأرقام كارثية وغير مسبوقة، وإن كانت تنطوي على تعقيدات وتساؤلات عالقة.
ظهر الاثنين، صدر بيان أمني يفيد بحصول 9 حالات وفاة لأردنيين تناولوا مشروباً كحولياً مصنعاً محلياً، وفقاً للتحقيقات الأولية وغير القطعية بعد.
رقم الضحايا، هنا خطر كبير، ومن الصعب أن يستوعبه مجتمع محافظ يعارض، اجتماعياً ودينياً، شرب الكحول بصرف النظر عن أسعارها وأين صنعت.
لكن الرقم يصبح أكثر خطورة عندما يقف عند رصد الأجهزة الأمنية لـ 17 حالة تسمم لمادة الميثانول الكحولية، وجميعها حرجة وفي المستشفيات حتى عصر الاثنين. طبعاً، عداد الأرقام مفتوح. والفرضية العلمية تشير إلى حالات وفاة مرجحة من بين الإصابات لاحقاً، وللاشتباه بحالات جديدة أيضاً مادامت السلطات المختصة في مؤسسة الغذاء والدواء قد أعلمت الجمهور بنظريتها الأولى لما حصل في سيناريو يقول ببساطة إن مادة الميثانول شديدة السمية والتي تفتك بالكبد وتسمم الدم بعد ساعتين فقط من تناولها، تسربت جراء إهمال ما، ودخلت في تصنيع منتجات كحولية في أحد المصانع المحلية.
العينات التي جمعها رجال الغذاء والدواء والبحث الجنائي، تفيد بذلك السيناريو. والحديث هنا عن تسرب كمية سامة من الميثانول إلى أحد خطوط الإنتاج في مصنع ما في مدينة الزرقاء تحديداً.
ما يبدو عليه الأمر بعد التحقيق الأولي، أن الكمية التي تسربت سامة وفتاكة، وأكبر بكثير من النسبة المطلوبة، ما أدى إلى تلك الكارثة الجديدة في واقعة تتدحرج ولا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
«مادة سامة وفتاكة»
القصة تبدو غير مقبولة اجتماعياً، لأنها تتحدث عن المواطنين الذين ابتاعوا زجاجات كحول رخيصة مصنعة محلياً في مدينة الزرقاء قبل التسبب بحالات الوفاة. ومسار تتبع القضية في التحقيق أظهر تعقيداً إضافياً عندما اكتشفت إصابات تجاوزت مدينة الزرقاء المكتظة وفي مستشفيات منطقتي الأغوار ومحافظة البلقاء.
الافتراض هنا أن المادة شديدة السمية انتقلت عبر شبكة المواصلات التجارية إلى عدة أماكن. لذلك، بادرت السلطات لمداهمة بعض المصانع وإغلاقها، وتوسعت المختبرات الجنائية في فحص العينات، واتخذ قرار بجمع أصناف زجاجات الكحول المتهمة من الأسواق.
وفيما يتابع الرأي العام بحرص شديد نتائج هذه الحادثة، تشكلت عشرات الأطقم المختصة للمتابعة والتحقق. وعدد الوفيات قد يزيد بصورة دراماتيكية.
طبعاً، تفتح الحادثة ملفات متعددة، أهمها صناعة الكحول محلياً، وهي بالمناسبة صناعة مزدهرة. وتفتح أيضاً ملف الرقابة على هذه الصناعة خلافاً لملف آخر في غاية التعقيد، مرتبط بسلوك بعض الأردنيين من المعتادين على تناول أصناف كحولية هي الأرخص في السوق المحلية، ومجدداً بدون رقابة حقيقية لا على المنتج ولا في الأسواق، وبدون رقابة أيضاً على الشبان الذين اعتادوا تناول هذه السموم.
9 حالات وفاة لأشخاص تناولوا مشروباً مصنعاً محلياً و17 حالة تسمم
مجدداً، يسال الشارع الآن: ماذا عن مفهوم المسؤولية الأدبية؟ فخلال ساعات فقط، من المتوقع أن يعلو صوت الضجيج لدى الجمهور، والميل تلقائي هنا للإصرار على رؤية رؤوس كبيرة من كبار الموظفين تتدحرج وتتحمل مسؤولية مظاهر التقصير التي أدت لهذه الواقعة المؤسفة، ما يبرر سؤال الشارع الصحافي عن عدد الوزراء الذين ينبغي أن يقدموا استقالاتهم فوراً بعد ملف التسمم الكحولي، في إجراء غير معتاد في الحقيقة عند الأردنيين.
سواء رغبت حكومة الرئيس الدكتور جعفر حسان بذلك أم لم ترغب، فالمرجح أنها تواجه انفجار لغم محلي غير متوقع سياسياً وبيروقراطياً بسبب عدد حالات الوفاة الكبير في هذا الملف، الذي يفتح المسارات على قضايا نقاشية أخرى معقدة؛ لأن المسألة لا تتعلق فقط بالموافقة على وجود منتجات كحول رخيصة الثمن بدون رقابة لصيقة، بقدر ما تتعلق أيضاً بوجود حاضنة اجتماعية عريضة لا تقبل أصلاً فكرة شرب الكحول.
لغم محلي
الضحايا في استطلاع سريع لخلفياتهم، هم أشخاص بالحد الأدنى من الثقافة.
لكن الأهم والاستفسار الأفقي الآن هو عن ظاهرة شرب الكحول وسط الشباب الأردني عموماً في ظل أزمة معيشية وبطالة وتقصير محتمل في مسارات الرقابة وإدارة أجهزة الرقابة.
الحكومة لا تستطيع بكل وزاراتها، منع الأردني من شرب الكحول من حيث المبدأ، فيما لا يعرف غالبية ممن لا يشربون الكحول أصلاً عن وجود صناعة في البلاد للمشروبات الروحية والكحولية تصنف أحياناً بأنها مزدهرة تجارياً.
العقل الاجتماعي الأردني ولأسباب غامضة حتى الآن، يجمع شرب الكحول بآفة المخدرات.
لذلك، فإن تعليقات العامة على منصات التواصل ربطت فوراً بين حادثة التسمم الكحولي التي بدأت في الزرقاء ثم توسعت، وبين جريمة بشعة أثارت قلق الرأي العام الأسبوع الماضي، عندما قتل شاب في مقتبل العمر داخل محله التجاري على يد أحد متعاطي المخدرات المعروفين غربي العاصمة عمان.
في الخلاصة، قضية التسمم الكحولي وقبل دخول النواب والبرلمان والوحدات الاجتماعية على النقاش فيها، تطرح في الواقع مروحة صعبة ومعقدة من الأسئلة تبدأ من سيناريوهات تطبيق مبدأ المسؤولية الأدبية، وتنتهي بذلك السؤال الإداري البيروقراطي الحائر وصيغته: «من الذي يراقب المراقبين؟».
بين السؤالين حشوة مرهقة من الأسئلة والملاحظات التي تحتاج حتماً لمقاربات وطنية وسياسية قبل أي اعتبار آخر، خصوصاً أن المخدرات تحديداً تنضم إلى المشروبات الكحولية الرخيصة في الجلوس على مقعد متقدم على مستوى المشكلات والتحديات الأساسية ذات الصلة بأمن المجتمع، خصوصاً بعدما ضرب الميثانول سياسياً في الحادثة الأخيرة.