«كورونا» الأردن بين «يقظة النظام الصحي» وشعبوية «النقد الذاتي» عند الرزاز
قبل أيام فقط من اندلاع أزمة فيروس كورونا في العالم، تردد أن وزير الصحة الأردني الدكتور سعد جابر، طلب من رئيسه الدكتور عمر الرزاز مغادرة الموقع الوزاري في أول التفاف سياسي بيروقراطي ينتهي بتعديل وزاري.
الوزير جابر، طوال الوقت ومنذ دخل الحكومة منذ أشهر قليلة، يتصرف كطبيب وينسى في كثير من الأحيان تلك المظاهر المضللة التي لا معنى لها والتي ترافق الأداء الوزاري بالعادة. الطبيب الجراح الذي يعتبر عملياً ومهنياً من أكبر الجراحين في البلاد، لا بل قد يكون أكبرهم في مجاله، لا يبدو بيروقراطياً في المكان المناسب عندما يتعلق الأمر بمتطلبات وظيفة وزير الإعلامية والشكلية والاجتماعية، الأمر الذي يعتبر دليلاً على عدم انتماء الرجل كمتخصص ومهني لنادي الطامحين في الوزارة بعد خدمته الطويلة في الخدمات الطبية الملكية.
في كل حال، لا يتحدث الوزير جابر كما يتحدث الوزراء التقليديون؛ عندما يزور أقسام الطوارئ يخلع الميكروفون الرسمي ويشارك مهنياً في التعامل مع المرضى وفي تشخيص الأمراض، لا بل شهد أحد الأطباء بأنه يوقع معاملات بصفته الطبيب.
بهذا المعنى، دخل الرجل مستوى الاشتباك والتأثير والتفاعل بعدما انفجرت قضية فايروس كورونا في أحضان الحكومة، فبدأ يعمل مع كل الأطراف منشغلاً بالملف، وفي آخر التجليات ظهر إلى جانب وزير الاتصال أمجد العضايلة لإبلاغ الأردنيين بأنه ترك مكتبه الوزاري وسيبدأ الدوام الرسمي مع الكوادر الطبية في أحد أكبر مشافي العاصمة عمان.
لكن ما كشفته معطيات الاستعداد للتعامل مع تداعيات فيروس كورونا برسم الحالة الداخلية الأردنية والجاهزية البيروقراطية بقي سياسياً بامتياز، وغادر التكهنات والتوقعات وتلك المساحة التي تخص وزير تحركه المهنة قبل الشكل البيروقراطي للوزارة، مثل الدكتور سعد جابر.
هنا حصرياً يمكن ملاحظة المداخلة البرلمانية المثيرة التي تقدم بها النائب خالد رمضان مستفسراً عن خطط الحكومة في حال استمرار المخاوف وفوبيا كورونا إلى أسابيع قادمة.
أراد النائب رمضان أن يفهم مثلاً ما هي خطة وزارة التربية والتعليم وبقية المؤسسات.
طبعاً قال رمضان ما قاله قبل الإعلان رسمياً، الإثنين، عن أول إصابة بفايروس كورونا لمواطن أردني عائد من إيطاليا.. هنا تغيرت المعطيات ولم يعد الأمر متعلقاً بالوقاية من المرض فقط، بل يحتاج إلى جهد أعمق وأكثر مع الاستعداد لمرحلة وصول المرض، ولو بعد حالة واحدة.
قبل ذلك، لفت رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الأنظار سياسياً عندما أعلن أن جاهزية الحكومة في مساحة الحجر الصحي غير مناسبة.
ويعتقد أن هذا التصريح فاجأ حتى وزير الصحة نفسه ودون مسوغات مفهومة حتى اللحظة، إلا إذا كان القصد إظهار ولو مساحة قليلة من السعي لبعض الشعبوية ما دامت الحكومة برمّتها قد دخلت في حيز استحقاق الانتخابات ورحيل البرلمان والأهم سيناريو رحيلها. في العادة، لا يتحدث رؤساء الحكومات علناً عن نقص جاهزية مؤسساتهم، بل يتعاملون مع الناقص بأوامر وتوجيهات وبعيداً عن الإعلام، لكن شفافية الرزاز هنا مسألة قد يكون لها غرضها؛ فهو أيضاً رئيس مختلف للوزراء ويتحدث ببساطة عن المسائل والملفات، وإن كانت المجسات العميقة لم تصل بعد إلى مستوى فهم المبررات التي تدفع رئيس حكومة للإعلان عن جاهزية غير ملائمة للمؤسسات في مسألة حساسة مثل مرض وملف فايروس كورونا.
تلك جزئية تجيب عنها الأيام والأسابيع المقبلة، ففهم ما الذي يدور في ذهن رئيس الحكومة عموماً وفي العديد من المفاصل أصبح مهمة معقدة في الحالة الداخلية الأردنية.
لكن الأهم هو عدم وجود مبرر فعلي لهلع من فايروس كورونا، فبعد أسابيع كثيرة من انشغال الكون به ووجود المرض عند أكثر الدول تقدماً، ينبغي أن لا يثير وجود إصابة لأردني عائد من إيطاليا أية مخاوف مبالغ فيها.
والأهم أن إجراءات الاحتراز والرقابة الصحية تبدو متيقظة فعلاً في الحالة الأردنية، حيث بيروقراطيون بكفاءة رفيعة في وزارة الصحة وأجهزة الرقابة على أجهزة الغذاء والدواء يعملون ليلاً ونهاراً ويحاولون طمأنة الجميع.
لكن طمأنة الجميع مهمة صعبة أيضاً، فالأردني عموماً لا يزال مستسلماً للتفاعل مع المنصات، ويتابع الأخبار. ولدى الدولة على الأرجح تصور شمولي الآن حول ما ينبغي فعله إذا ما ظهر مزيد من الحالات، حيث الشفافية والمعلومة الدقيقة واحتياطات وقائية بالجملة، وحيث لا مبرر للهلع أو للخوف.
ولا يعني ذلك عدم تأثر المجتمع بالإعلان عن الإصابة اليتيمة لشاب شغوف بكرة القدم الإيطالية عاد مؤخراً مصاباً من روما، فعدد الأردنيين في المقاهي والازدحامات يقل.
وثمة إجراءات في المراكز التجارية ومراكز التسوق وحتى في المدارس يمكن أن تتخذ في إطار الوقاية إذا ما استعانت الحكومة -برأي رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق- بأصحاب القطاعات والاختصاص.
توفيق اجتهد، عبر سلسلة إفصاحات باسم الغرفة التجارية، في تهدئة الناس والتصدي لتنمر الشائعات، وفي التركيز على بعض الخطوات، مقترحاً وعبر «القدس العربي» إجراءات عديدة مع القطاع الخاص ومع المؤسسات المدنية الممثلة له والجمعيات والنقابات في حال إشراك الجميع في التفكير المتوازي.