اراء و مقالات

كيف تصمد معادلة «مع المقاومة… لكن الأردن أولاً» خصوصاً إذا «عاد ترامب»؟

عمان ـ «القدس العربي»: «مع المقاومة وغزة لكن الأردن أولاً». هذه عبارة تحولت إلى متلازمة لنقاشات «الاستراتيجية الأردنية المقبلة يرددها وطنيون حقيقيون وقلقون وأحياناً مناكفون وبعض المؤمنين بـ«التطبيع والتكيف» وخليط من رموز «إنكار المخاطر».
لكن اللافت جداً في تلك العبارة أن غالبية الشرائح التي تعتمد عليها في أي نقاش تسقط من حساباتها ذلك السؤال الذي طرحه يوماً عبر «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، وهو يقول: حسن.. الأردن أولاً طبعاً ودوماً. لكن في هذا الظرف الحساس والخارطة التي يرسمها يمين إسرائيل، ما هي الوسيلة والتقنية للحفاظ على «الأردن أولاً»؟
عملياً، لا أحد يتقدم بـ «وصفة شاملة ومقنعة» توضح بأن «اعتزال المقاومة» أو حتى «انتقادها» يقود إلى جوهر شعار «الأردن أولاً» وهو شعار بكل حال «لا يمكن الاختلاف معه أو عليه» لكن يمكن الاختلاف على المسار الذي يقود إليه أو يحققه.
حتى في قياسات شخصيات معتدلة ومرنة جداً مثل وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، «يمين إسرائيل الذي يقود العدوان حالياً على غزة، يؤمن بأن الأردن هو وطن الفلسطينيين البديل».
لذلك، تبدو مقولة «مع المقاومة والأردن أولاً» منقوصة تماماً، فهي برأي الدكتور أنور الخفش وآخرين، تفتقد لجواب عن سؤال «الكيفية» ولا تحيط بكل تفاصيل ما يفعله الإسرائيليون في هذه المرحلة، ولا تجيب عن كل الأسئلة الأردنية العالقة خلافاً لأنها عبارة «حمالة أوجه» إذا لم تقترن بميزان مقاربات لترسيم «مصالح الدولة الأردنية».
يريد الأردنيون -وهذا ما سمعته «القدس العربي» أيضاً من الناشط السياسي ظاهر عمرو- التوثق من أن «نتائج معركة طوفان الأقصى» لن تؤثر سلباً على الأردن حصراً إذا استمر العدوان وحسمه اليمينيان، الأمريكي والإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني.
مبكراً، اقترح رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات بأن مصالح الأردن الحيوية مرتبطة بهؤلاء «الفتية» الذين يقاومون الآن في غزة.
لكن صوت عبيدات المبكر لم يستمع له أحد في السلطة المحلية في عمان، لا بل سرعان ما لاحظت أوساط قيادية في حماس بأن حكومة عمان بدأت تنتقل من فكرة الحياد تجاه المقاومة الفلسطينية إلى مشاريع دول أخرى تخطط لـ«حرمان المقاومة» من مكاسب الحسم العسكري في غزة.

تحييد الأردن

لا يقول الرسميون الأردنيون لماذا يفعلون ذلك وما هو تصورهم لمصالح بلادهم في هذا السياق. ولا يقول هؤلاء إن حرص الأردن الشديد على «بقاء المملكة بعيدة» تماماً عن تحويل أرضها لساحة صراع بين إسرائيل وإيران، وفقاً لتعبيرات المخضرم الدكتور جواد العناني، يمكن المساس به في حال تعزيز القوات العسكرية الأمريكية في البلاد لأغراض ردع إيران الآن والاشتباك معها مستقبلاً، حيث لا ضمانات بأن لا تستعمل القواعد العسكرية الأمريكية في أي عمل «عدائي» تجاه أي دولة أخرى في المنطقة.
أول من حذر وسط النخبة الأردنية وقبل حتى أحداث 7 أكتوبر من الانخراط أردنياً في المخطط الأمريكي ضد إيران في المنطقة هو الرئيس طاهر المصري، في حديث معروف لـ «القدس العربي» لكن أكثر من يسأل اليوم عن الاتساع الملموس لرقعة الوجود العسكري الأمريكي في الأردن هو المصري نفسه.
آخرون من الساسة يريدون تعزيز فهم المفارقة، حيث إن الوجود العسكري الأمريكي في الأردن قد ينتهي بتحويل البلاد إلى ساحة صراع بين الإيرانيين والإسرائيليين وليس العكس، ما يعني أن توصيف وترسيم وشرح استراتيجية أردنية أكثر شمولية وعمقاً تجاه تحديد المصالح في ظل تداعيات معركة طوفان الأقصى وما يحصل في غزة هو المطلوب قبل ترديد عبارات إنشائية من صنف تلك التي تفترض بأن ما يحصل في غزة يخص أهلها ومصر، ولا علاقة له بالأردن.
الخبير الأردني الوطني المعروف بالإسرائيليات والمفاوضات الدكتور دريد المحاسنة، كان بين الذين طرقوا أبواب المخاطر والمخاوف عندما دعم وجوب تأسيس مطبخ سياسي أردني عميق من أصحاب خبرة وجرأة يغرقون في التفاصيل لتوفير مساحة ترسيم لمصالح الدولة الأردنية، بعدما تبين للمراقبين عموماً أن اليمين الإسرائيلي يمكنه التأثير على كل الملفات الحساسة في دوائر قرار الولايات المتحدة.

«اليوم التالي»

لا بل المصيبة الأكبر قد تحضر بكامل هيبتها إذا ما وجدت المؤسسة الأردنية قريباً وبعد أشهر قليلة، نفسها مضطرة لسلسلة استجابات قد يفرضها الرئيس السابق دونالد ترامب وطاقمه إذا ما صعدا للبيت الأبيض مجدداً، في حالة يصبح من شبه المستحيل معها تحديد شرح جوهري لفكرة «مع غزة، لكن الأردن أولاً».
ليس سراً أن حسم يمين إسرائيل للمعركة في غزة يعني السيطرة فوراً في اليوم التالي على الضفة الغربية والحدود مع الأردن، وحصراً أكتاف الأغوار.
وليس سراً أن الحسم لصالح يمين تل أبيب الموتور يعني أيضاً انهيار السلطة الفلسطينية وتحول الموقف السياسي الأردني في مخاطر التهجير حصراً من منسوب الرفض والتحريض ودعم صمود الشعب الفلسطيني إلى استجابات محفوفة بالمخاطر، يزيد ضغطها واحتياجاتها إذا عاد ترامب للسلطة، وبالتأكيد على حساب الهوية الوطنية الأردنية أولاً، ثم مصالح المملكة ثانياً، التي تشكل دوماً نقاط تقاطع وتقارب ما بين الشعب ومؤسساته.
وبناء على هذه التصورات التي يقول اليوم بها علناً بعض أبرز رموز طبقة رجال الدولة في الأردن، يمكن الاستنتاج بأن عبارة الأردن أولاً في سياق غزة وتداعياتها الإقليمية، تبقى عبارة نبيلة ومن الصعب الاعتراض عليها، لكنها تتطلب وتقتضي بإلحاح إعادة تعرف وتفصيل وضبط إعدادات.
كما تتطلب بالضرورة البحث عن الطرف المنتصر استراتيجياً في معركة طوفان الأقصى، حتى لو كان على حساب لقاء بعض العادات القديمة في التطبيع والتحالف في سلة المهملات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading