اراء و مقالات

الأردن «الرسمي»: هل يخشى إسرائيل والمقاومة معاً؟

تحذيرات من كلفة «التأخر» في قراءة المتغير الفلسطيني

عمان ـ «القدس العربي»: لا يخفي سياسيون وخبراء أردنيون انطباعهم المؤكد بأن الحاجة ملحة وطنياً هذه الأيام لمراجعة جذرية وعميقة لكل حالة التموقع الأردني في سياق المستجدات الخطرة والحساسة على صعيد القضية الفلسطينية.
ورغم أن الرواية أو السردية الرسمية الأردنية حافظت على موقف متقدم قياساً بمواقف دول عربية أخرى في مواجهة الاشتباك الدبلوماسي الناتج عن العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة ومخاطر التهجير، لكن النخب السياسية سواء تلك الخبيرة التي تم إقصاؤها عن التشاور وعن الملاحظات والحوار أو تلك التي انسحبت وتنسحب من المشهد السياسي، لا تزال ترى أن مسألة مراجعة العلاقات مع إسرائيل ومراجعة العلاقات مع الضفة الغربية ومخاطر التكيف مع العدوان ومع التهجير مسائل في غاية الأهمية وأساسية وينبغي أن يتم نقاشها في مربعات القرار الرفيعة، بعمق يكفل مصالح الدولة وثوابتها، كما يقدر الدكتور دريد المحاسنة.
وما يلاحظه الغالبية من المعلقين الآن هو أن الاتصالات والمشاورات تجري مع شرائح اجتماعية وعشائرية بين الحين والآخر، لكن الحكومة لا تقيم حواراً من أي صنف يناقش الأسئلة المرجعية والأساسية، مثل: كيفية إدارة العلاقة بعد الآن مع اليمين الإسرائيلي، وما هي الرؤية التي يجب أن ينطلق منها الأردن في التعاطي والاشتباك مع نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة؟
يتحدث الفرقاء هنا عن نتائج بصرف النظر عن هويتها، على حد تعبير المحلل السياسي الدكتور رامي عياصرة وغيره. ويتحدثون أيضاً عن ضرورة استعداد البلاد عبر مطبخ خاص للمرحلة المقبلة، سواء انتهت بفرز يؤدي إلى صمود المقاومة الفلسطينية في غزة ثم جلوسها على رأس الطاولة الفلسطينية إقليمياً ودولياً، أم أن الأمور انتهت لصالح اليمين الإسرائيلي وسط القناعة التي عبر عنها خبير استراتيجي وعسكري من وزن الفريق قاصد محمود، وهو يقول إن الأردن سيعاني الكثير إذا ما تمكن الإسرائيليون من فرض أجندتهم على أهل قطاع غزة. وأزمة الضفة الغربية ستكون في طريقها للتصدير إلى الضفة الشرقية، كما قدر الناشط الحقوقي سائد كراجة.
تلك مخاوف ناقشها أقطاب في العمل السياسي والوطني مؤخراً عبر لقاء خاص جمع عدة شخصيات في منزل الوزير والعين والنائب السابق أمجد المجالي، بحضور رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات ونخبة من الشخصيات المصنفة الآن على حراكات الشارع، والأهم على أحزاب المعارضة.

تحذيرات من كلفة «التأخر» في قراءة المتغير الفلسطيني

عبيدات نفسه كان قد دعا علناً عدة مرات إلى مقاربة رسمية ووطنية على مقاس الإيمان المطلق بأن صمود المقاومة في قطاع غزة وشبابها وكوادرها أصبح الآن بمثابة مصلحة استراتيجية مباشرة للأردن. لكن المخاوف في المربع الرسمي من مرحلة تعيد فيها المقاومة الفلسطينية بعد صمودها في مواجهة العدوان تنميط وتأطير المداخيل الفلسطينية برمتها فيما يبدو حتى الان بحجم معقول في ذهنية القرار الرسمي رغم الإيمان بمخاطر اليمين الإسرائيلي بالمقابل إذا ما حسم المعركة.
هذا الاجتهاد في التفكير مأساوي للغاية حتى في رأي رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، الذي دعا مبكراً لاستخدام الأوراق الخشنة حتى قبل يوم 7 أكتوبر في مواجهة اليمين الإسرائيلي المتطرف والمهووس.
يعلم الفرقاء بأن الغرفة الرسمية لا تزال في حالة ارتباك، ولا توجد قراءة معمقة لمآلات الأحداث والمستجدات وخطط الاستجابة الحكومية والبيروقراطية على الأقل تعمل بالقطعة والتقسيط على قدر مشكلات مثل الأمن الغذائي وأزمة الشحن وكلفته في البحر الأحمر، وقضايا أخرى يومياً.
لكن النقاشات في عمق الصراع وعمق الأزمة، والأهم دلالات المستقبل، هو ما يغيب عن الساحة، وسط محاولة لفَت النظر لها السفير والدبلوماسي الفلسطيني العريق حسام زملط عندما تحدث وسط جمهور أردني مؤخراً عن «مقاربات الانشغال بالعودة إلى يوم 6 أكتوبر».
حتى في مقياس الدكتور مروان المعشر، فالعودة بعقارب الساعة أقرب إلى «مهمة غير واقعية» أما العياصرة وغيره فيرون أن المطلوب تثبيت عقارب الساعة وتدشين حوار وطني عميق بين أصحاب الخبرة والكفاءة في الأردن، ثم تشكيل مطبخ سياسي يتولى التشخيص والمتابعة؛ لأن موقع الأردن من تداعيات الأحداث أصبح في حاجة إلى مراجعة. وتحالفات الماضي، برأي الدكتور محمد الحلايقة، وهو خبير اقتصادي ووزير سابق وبرلماني أيضاً، تحتاج لمعالجة أقرب إلى صفة العملية الجراحية بدلاً من ترك التحالفات كما كانت في الماضي أو السعي بجهد ملموس لإعادتها كما كانت في الماضي، علماً أن القناعة راسخة بأن شيئاً في المنطقة لن يعود كما كان.
لا تسمع الحكومات بالعادة كل مثل تلك التحذيرات والنقاشات، لكن قد ينتهي الأمر بما توقعه الدكتور جواد العناني عندما قال إن من ينتظر ويترقب يفترض أن يندفع في اتجاه تأسيس مطبخ سياسي عميق يتولى كل هذه المهام بالتنسيق مع مطبخ آخر فلسطيني لاحقاً، متوقعاً أن يحصل شيء ما في هذا السياق في الربيع المقبل.
تتكاثر التساؤلات في الحالة الأردنية، والانطباع كبير بأن الحكومة متأخرة عن اللحاق بطبيعة وتركيبة المتغير الإقليمي والسياسي الصارخ في الميدان الآن. وهو تأخير قد تدفع ثمنه المصالح الحيوية الأردنية بصرف النظر طبعاً عن نهايات ونتائج موجة الصراع الحالي، ووسط القناعة التي عبر عنها خبير مثل الدكتور ممدوح العبادي عدة مرات عندما قال إن الرهان على الإدارة الأمريكية والتحالف معها والبقاء في ظل محورها واستراتيجيتها هو رهان يظهر قلة الحيلة والقدرة، ولا يمكن بناء شبكة المصالح الوطنية على أساسه حقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى