لبنان «المسيحي» جذر «المقاومة»… والأردن: «غياب الزعامات» ووهم «التكنوقراط»
أحدهم سألني: إذا حصلت حرب بين إسرائيل والأردن فمع من ستقف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة؟!
يعرف الجميع هنا تراكم خبرة وزيرة التخطيط السابقة في الأردن سهير العلي، التي تميزت طوال ربع قرن بالزهد الإعلامي.
السيدة وانطلاقا من عضويتها في مجلس الأعيان تحاول «المساعدة والقيام بالواجب»، ومن فرط حماسها أعادت وهي تتحدث لفضائية «المملكة» على الأردنيين أسطوانة «نتحدث مع الدولة العميقة في أمريكا».
المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين مراد عضايلة، واضح أنه شاهد البرنامج، وقرر ألا يفوت فرصة الاعتراض على عبارة السيدة العلي المتلفزة باللهجة الكركية المحببة، فقال في إحدى الندوات «مهو سموتريتش دولة عميقة في إسرائيل وأمريكا».
أفهم ما قالته العلي عن الصداقة الأكيدة مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة، من باب حرص الحائر، وإلى حد ما «العاجز والقلق» على التمسك بكلاسيكيات الماضي.
الإشكالية التي تتجاهلها شاشة «المملكة»، ومعها شاشات الإعلام الرسمي الأردنية هي تلك التي تقول إن «ضمانات الكيانات العميقة» سقطت.
زعامات وتكنوقراط
رموز اليمين المنتخبة في الكيان اليوم هي التي تقود ملفين في غاية الخطورة لا مكان فيهما لأي احترام لمصالح الأردن، حيث البلطجي بن غفير يسيطر على «منظومة الأمن» وشيخ الكار التلمودي سموتريتش في جعبته «المال والضفة الغربية» وتوجيهات «الرب» إياها التي منحت إسرائيل الحق بالسيطرة على «جبال أغوار الأردن».
طرح صديقنا العضايلة سؤالا مباشرا: إذا اصطدم الأردن مع الكيان في أي لحظة وتقاتلا، أين ستقف الدولة الأمريكية العميقة؟
سؤال خطير، لا أتصور أن الوزيرة الفاضلة لديها إجابة عليه، خصوصا وأنها مثل رموز الحكومة الحالية «تكنوقراط اقتصادي».
قلناها مبكرا وبصراحة: لا تستطيع مواجهة مخاطر الكيان على الأردن عبر فريق يمتلك خبرة اقتصادية فقط؟ القصد لا بد من العودة إلى حكومة «زعامات وطنية» في مرحلة حرجة وحساسة ومساعدة «القيادة» فيها واجب الجميع وعلى أساس المصارحة بعيدا عن الأوهام.
طوال 30 عاما وعند أي انتخابات تقفز باليمين الإسرائيلي استمر علية القوم بالسخرية من تحذيراتنا، والقول «ما عليكم.. نحن نتحدث مع العمق الإسرائيلي، حيث الجيش والأمن»!
اليوم ذلك العمق هو الذي يهجر ويقتل ويفتك، وقرر «ضم الضفة»، والأهم أنه العمق، الذي أقام حفلا لتخريج دورة ضباط عسكريين على بوابات المسجد الأقصى.
لبنان «المسيحي المقاوم»
أحدهم سألني: إذا حصلت حرب بين إسرائيل والأردن فمع من ستقف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة؟!
أزعم أن أول من أجاب على السؤال أنتوني بلينكن «الكذاب ما غيره» عندما ظهر على شاشة «سي إن إن» قائلا للإسرائيليين «حضرت لكم ومن أجلكم كيهودي».
في حالة «لبننة» الاستفسار ذاته: فرنسا والغرب المسيحي أين سيقف إذا اشتدت الحرب على لبنان الشقيق؟!
يمكن ومن باب السهر على «الحمى القومية» إحالة السؤال الأخير للزميلة المذيعة في قناة «أم تي في» اللبنانية التي وقفت منذهلة ومندهشة ومستنكرة، وهي تسأل ضيفها المثقف المسيحي «رافي ميديان»: معؤل.. عندك استعداد تستشهد مشان غزة؟!
أجابها الرجل بحسم «إلي الشرف استشهد منشان فلسطين»، ثم حاول تذكيرها والمشاهدين قائلا «المقاومة تأسست مسيحية في لبنان.. هل تعرفين من هو جورج حاوي»؟
هنا وبعد ممارسة «التلقي» لتلك المشاهد المروعة، التي تبثها «الجزيرة» عما يحصل في غزة وجنوب لبنان، يتخيل المشاهد فورا أنه يشاهد لبنانيا المسلسل الأمريكي المضجر نفسه في غزة، حيث مبعوث ما يأتي ويرفع سقف التوقعات، وتتمنع إسرائيل وتواصل حرق البشر والحجر.
لا شكوك إطلاقا أن «الجريمة أمريكية»، وقد لاحظت أن سفيرا مخضرما مثل حسام زملط، قالها بوضوح مؤخرا لجمهوره الأردني عبر شاشة نقل إلكترونية متلفزة «الإبادة يمارسها، بل يرتكبها الأمريكيون»!
وهم أردني بامتياز
نعود لوزيرتنا سهير العلي بعد إطلالتها الأخيرة على أثير «المملكة»: كيف تستطيع بعد «كل اللي حصل وبيحصل» أن نذكر مجددا حكاية «الدولة العميقة الصديقة» في واشنطن؟
«بعضنا» في عمان لا يريد أن يصدق أن الأحوال تغيرت، والفرز أوضح والناس لم تعد تؤمن بالمقولات التي يرددها الراعي لتسلية الغنم.
الدولة العميقة الصديقة «وهم أردني» متخصص بامتياز وأشبه بمسلسل هندي يموت فيه البطل في النهاية دفاعا عن «زوجة خاله» التي ربته صغيرا بعدما قتلت العصابة الشريرة والده موظف الجمارك.
الجمارك والضرائب والتخطيط الاقتصادي هي المساحة التي تبدع فيها فاضلتنا الوزيرة سهير العلي، وأملنا كبير أن تفترض حسن النية بنا عندما نطالبها بتجنب الإفتاء السياسي أو المشاركة في «حفلة تنكرية» أقرب إلى برنامج «وناسة»، الذي بثته لمدة عامين محطة «أم بي سي».
طبعا أملنا أكبر ألا نسمع بعد الآن مسؤولا يتحدث لنا عن الإيمان بالدولة العميقة لا في إسرائيل ولا أمريكا، ولا حتى في أوروبا، وبصراحة المطلوب لـ»الوقوف مع قيادتنا»، ليس التشدق بمثل تلك التبريرات، بل الدفع الدائم في اتجاه تجنب البقاء خارج الوقائع، فقد تغيرت الدنيا والأحوال.
مدير مكتب «القدس العربي» في عمان