اراء و مقالات

«عصيان صغير» خلط الأوراق… والأردن في سؤال «مركز الأزمات»: متى وأين الإضراب المقبل؟

عمان- «القدس العربي» : ما الذي يمكن توقعه في حال احتواء -إن كان ذلك متاحاً- أزمة إضراب سائقي الشاحنات التي تفاعلت على أكثر من نطاق وتسببت بأكثر من إحراج في العديد من الزوايا الأردنية؟
أين ستفلت الأمور مجدداً تحت عناوين إرباك القطاع العام أو الحراك الشعبي المعيشي؟ السؤال الثالث والأخير الذي يدور في ذهن جميع المراقبين والنخب السياسية هو: إذا ما حقق المضربون عن العمل مطالبهم جزئياً وتمكنوا من لي زراع الحكومة، كيف ستنتقل العدوى والفايروس، وإلى أين؟
تلك أسئلة بطبيعة الحال رافقت المشاورات الماراثونية التي تجلت بإصدار أول بيان وزاري برلماني مشترك مساء الأربعاء، أملاً في احتواء أزمة أثارها مئات من سائقي الشاحنات منذ أكثر من ثمانية أيام قرروا إطفاء شاحناتهم على الطرق العامة وتكديسها والامتناع عن العمل، وفي بعض المناطق إعاقة زملاء لهم قرروا العمل أو إغلاق طرق حيوية.

ارتفاع أسعار الوقود

كانت أزمة معيشية باختصار عنوانها الشكلي على الأقل هو ارتفاع أسعار الوقود والديزل تحديداً، لكن جذرها الأعمق في المضمون السياسي والنخبوي والإعلامي وحتى في السياق الرسمي هو احتقان معيشي وفايروس إضراب وعصيان صغير يمكن أن يضرب أوصالاً أخرى ضمن ما يسمى بسلاسل التزويد أو القطاع العام.
عاشت الحالة الاجتماعية والسياسية الأردنية أكثر من ثمانية أيام مع حالة مشابهة لإضراب نقابة المعلمين الشهير قبل عدة سنوات، وانتقلت عدوى إضراب سائقي الشاحنات من 14 سائقاً أثاروا الصخب، وسرعان ما تجاوبت معهم حواضن اجتماعية بصور وصيغ مختلفة، وبالتأكيد لأسباب مختلفة.
ويبقى السؤال: هل انتهت الأزمة بعد البيان الوزاري البرلماني؟… لا توجد قرائن أو أدلة ليس فقط على انتهاء الأزمة القطاعية المرتبطة بشريحة سائقي الشاحنات والحافلات، ولكن أيضاً على صعيد ظهور مشكلة ما لاحقاً في مكان آخر ومع قطاع آخر، أو ضمن شريحة أخرى تعترض ويلتهمها انخفاض القدرة الشرائية للدينار، فيما وقفت الحكومة عاجزة تماماً بيروقراطياً عن تنفيذ أي مطلب له علاقة بتخفيض أسعار الوقود.
والسبب بسيط، وهو أن البنك الدولي كان يتربص بأي قرار من هذا الصنف حتى يعيق جولة المفاوضات الخامسة له مع الطاقم المالي الأردني، حيث لا مجال لا لتثبيت ولا تخفيض أسعار الوقود، ولا مجال مع وصفات وبعثات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لأي تخفيض على الضريبة، بعد سنوات اتهم فيها البنك الدولي حكومة الأردن بأنها تمارس كرماً سخياً لا مبرر له في مسألة الضرائب. بكل حال، تفاهمات البيان الوزاري البرلماني مساء الأربعاء، يمكن أن تعالج أو تحتوي جزئياً أزمة الشاحنات والمناولات، وذلك في ظل تحول المسألة إلى نطاق مركز الأزمات، وهنا برزت تلك التسريبات والمعلومات التي تقول بأن القوات المسلحة الأردنية، وكالعادة دوماً، جاهزة لأي حالة طارئة لها علاقة بالأمن الوطني، فقد ترددت أنباء عن اعتراضات بسبب إضراب السائقين للشاحنات عند مربي الأغنام بعد ضعف وصول مواد الأعلاف الخاصة بأغنامهم.
وهنا تعهدت آليات القوات المسلحة بالمسألة، فيما يعني أن دخول الجيش على خط هذه التفاصيل هو رسالة سيادية لأي شريحة يمكن أن تحاول الاستثمار في الأزمة الاقتصادية، وعنوانها أزمة كونية بطبيعة الحال، في ظل عجز للميزانية.
لكن في الأثناء وسياسياً على الأقل، بدا واضحاً أن حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، التي تأخرت بسبب عدم وجود أجوبة دقيقة ومباشرة لها على التساؤلات الوطنية في احتواء أزمة إضراب سائقي قطاع النقل، قد تكون هي التي تدفع سياسياً ثمن هذه الأزمة أو ثمن الفايروس والعدوى التي ستنتقل حراكياً لاحقاً في أوساط أخرى في المجتمع أو في أوصال ضمن نطاقات القطاع العام.
ومن المرجح أن الميزانية المالية التي يفترض أن يقدمها الوزير محمد العسعس في الحادي والعشرين من الشهر الجاري لمجلس النواب قد تتأثر سلباً بتلك الإيقاعات؛ فبعض النواب نشط جداً في التحدث مع الجمهور، وعصر الخميس شوهد نواب كتلة الإصلاح الإسلامية في حضن المعتصمين من سائقي شاحنات مدينة معان.
ومعان نفسها سجلت أول سابقة في تضامن حواضن اجتماعية مع سائقي شاحنات عندما أغلقت محلاتها التجارية تضامناً، رغم أنها ليست طرفاً في الخلاف أو الصراع هنا. بلورت في معان حالة اعتصام ناجحة جذبت الأضواء، وبدا لأجهزة القرار الحكومي أن الفرصة متاحة لرؤية حراكات واحتجاجات مختلفة الأنواع لاحقاً، مما دفع باتجاه ترتيب حزمة الدعم التي ظهرت مساء الأربعاء بعد المشاورات مع النواب لطبقات فقيرة في المجتمع. وهي حزمة جديدة تخص الفقراء، لكنها لا تحتوي الأزمات التي تؤثر في القطاع العام، خصوصاً أن قوات الدرك اضطرت لمرافقة أمنية لشاحنات شركات تضررت من الإضراب ولا تريد لشاحناتها المشاركة فيه، فيما كان المختصون في مدينة العقبة والقطاعين الصناعي والتجاري يرفعون أصواتهم احتجاجاً على غرامات تكدس الحاويات لبضائعهم في ميناء العقبة، وتحذيراً من حالة غير مسبوقة يمكن أن تتكدس فيها المزيد من الشاحنات إذا ما استمر الإضراب.

الأزمة المعيشية

الأزمة المعيشية تضرب بتوقيت لم يتوقعه أحد، والسبب ارتفاع أسعار الوقود حصراً في بداية فصل الشتاء القارس والقاسي، الأمر الذي أنتج عشرات الأسئلة عن ضياع بوصلة التوقيت عند الحكومة، وعن تواقيت كبار المسؤولين، وعن وجود هامش أو مساحة لا يستهان بها من غياب الفهم المشترك للمقتضيات الأساسية في المجتمع.
وهو ما تحدث عنه بعض النواب، لأن لحظة الشتاء في ملف أسعار الوقود كان ينبغي للحكومة أن تستعد لها، ولأن الحلقات الوسيطة لم تشرح رواية الجزء الحكومي كما ينبغي أن تشرح.
بالتالي، احتواء الأزمة الصغيرة اليوم أصبح خياراً ويوفر ملاذاً للتقليل من الصداع الوطني العام الذي أظهر قدرة سائقي الشاحنات على اللعب في بعض النيران، لا بل تحريض بعض الأوساط الاجتماعية عبر تذكيرها وتحفيز ذاكرتها المرتبطة بالوضع المعيشي الصعب بعد ارتفاع أسعار المستوردات والمواد الغذائية ثم ارتفاع أسعار الوقود، فيما الحكومة مصرة على عدم تخفيض الأسعار عبر تخفيض الضريبة. وهو خيار عرضه كثيرون، لكن لا أحد من المعارضين في موقع القرار والمسؤولية. نسبياً، أزمة سائقي الشاحنات لم تنته بعد، لكنها أخف وطأة. ووطنياً في المشهد العام المقاربات بالجملة، وكل الاحتمالات على صعيد التحريك وظهور حالات احتجاج على أوضاع معيشية لاحقاً متاحة ومتوفرة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى