اراء و مقالات

الأردن بعد كورونا وأوكرانيا: صراحة في «رفع الأسعار» وغموض في «التسعير»

وزير داخلية دون «شعبويات»

عمان – «القدس العربي»: بقي نائب رئيس الوزراء الأردني توفيق كريشان، ناعماً ومتأسفاً وهو يلمح في مجالسات خاصة إلى أن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة قريباً لإعادة رفع أسعار المحروقات، وبكل أسف؟
لكن وزير الداخلية مازن الفراية، قالها علناً وبوضوح أكثر وبلا تلعثم للأردنيين وعلى هامش لقاء مع مستثمرين في مدينة الصناعة في إربد شمالي الأردن.. «ذاهبون لأربع رفعات على الأقل لأسعار المحروقات خلال أشهر».
الوزير مازن الفراية يتحدث بخلفيته العسكرية بصورة سياسية صريحة مع الرأي العام وخالية من دهاء وخبث السياسيين والبيروقراطيين. وأولوية الوزير الفراية كانت طوال الأشهر الماضية هي السهر على أن تقوم وزارة الداخلية بواجبها تحت عنوان تسهيل الاستثمارات واستقطاب المستثمرين. لكن بعد أزمتي كورونا وأوكرانيا، وجد الوزير الفراية نفسه، في سياق المصارحة نفسها، يلتزم بمسألة واحدة، وهي التعاطي مع بالواقع والمستجدات بمسؤولية وليس بشعبوية.

وزير داخلية دون «شعبويات»

يعلم وزير الداخلية الديناميكي هنا بأن كلاماً قد يحرق أوراقه وسط الشارع، لكنه يحافظ على موقعه في النتيجة وسط دوائر القرار ويتصرف بصيغة رجل دولة. وبمنطق الابتعاد عن القرارات الشعبوية، ما نقل على لسان الفراية هو أقرب صيغة لكيفية تفكير رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في قواعد الاشتباك، رغم ملاحظة مقربين جداً منه بأن وزراء الاختصاص يحاولون مراوغة الجميع والاحتجاب والامتناع عن التحدث مع الناس.
تلك مسألة لا يعرف السياسيون صيغة محددة للتعامل معها، لأن نتيجتها المباشرة واضحة، لا بل يشعر بها رئيس الوزراء شخصياً بيت الحين والآخر، وتتمثل في أن صمت الوزراء المعنيين باختصاصاتهم واحتجابهم لا بل هروبهم أحياناً من مصارحة الناس، أصبح طابعاً مألوفاً وتنتج عنه المشكلة الأكبر التي تواجهها صناعة القرار الحكومي، حيث الانطباع العام بأن الحكومة لا تشرح.
يغرد وزير الداخلية خارج هذا السرب بجرأة قليلاً، لكن تلك في الواقع ليست وظيفته وحده، فالطاقم الاقتصادي نفسه لا يتحدث، والأسواق مليئة بالتكهنات والشائعات والتسريبات ومفعمة أحياناً بالسوداوية التي ينتقدها الخصاونة دوماً، مع أن صمت وزراء الاختصاص يساعد في تغذيتها، حتى برأي قطب برلماني بارز مثل خليل عطية يعرض أمام» القدس العربي» عدة مرات، إشكالية ونتائج احتجاب الرواية الرسمية المقنعة وبدون مبرر.
ثمة دليل اليوم على أن وزارة الخصاونة قررت التصرف على أساس حسابات الدولة ودون خطابات غرائزية وشعبوية، والقرينة الأهم هنا قدمها الوزير الفراية. لكن ما هو مثير للاستغراب عموماً حتى وفقاً لعطية وآخرين، هو غياب المبادرات التي توحي بحرص الحكومة الأكيد وهي ترفع الأسعار أو تضطر لرفعها في بند المحروقات على إظهار التضامن مع المواطن الأضعف مالياً.
ثمة نقص هنا لا تعالجه حتى صراحة وزير الداخلية ولا شفافية بقية أفراد الطاقم الوزاري، مما يوحي بالتأكيد بأن عملية غربلة لرموز الوزارة قادمة في الطريق لا محالة، إما عبر العزف مجدداً على وتر لا يريده الخصاونة وهو التعديل الوزاري، أو الاستثمار في لحظة إطلاق الرؤية الاقتصادية الجديدة ملكياً؛ بالعزف على وتر طرح ورقة إعادة تشكيل الحكومة.
إلى أن يصعد الدخان الأبيض في اتجاه خياري التعديل أو إعادة التشكيل، فإن البند الأوضح على جدول الأعمال الآن بعد تمهيد الأرض أمام سلسلة من رفع أسعار المحروقات هو التفكير بهوية ونوعية الرموز التي ستدير المطبخ الاقتصادي بسبب القصور المعترف به في هذا الملف. لكن الأهم أن الحكومة، بوعيها، تجهز الأردنيين لحلقة مثيرة وغامضة من رفع الأسعار مادامت أسعار النفط ترتفع في العالم، ومادامت مساعدة الحلفاء والأصدقاء النفطية محدودة جداً، ومادامت آلية التسعير للمحروقات لا تزال سراً معجزاً وأقرب للسر النووي الذي يطالب الجميع بمعرفته، لكن لا أحد بعد يقدم ولو معلومة صغيرة على درب هذه المعرفة.
رموز الطاقم الوزاري وخلال الساعات الماضية تحدثوا بصراحة أكبر قليلاً عن رفعات متوقعة على أسعار المحروقات، فيما كانت 8 من أحزاب المعارضة تعلن برنامجاً تصعيدياً بعنوان إسقاط نهج رفع الأسعار بدأ بصيغة متواضعة جداً، وبنحو 40 مشاركاً فقط على بوابة النقابات المهنية في عمان العاصمة الأحد الماضي، وسينتهي باختبار حساس للجميع في وقفة احتجاجية مفترضة أمام المسجد الحسيني بعد صلاة الجمعة المقبلة.
هل تنجح الأحزاب بتحقيق زخم بعد رفع الأسعار الأخير، الذي كان الأعلى كما قيل في تاريخ المملكة؟
هل تقدم السلطات الأمنية بأن عدد الذين سيشاركون أمام المسجد الحسني لن يكون مقلقاً، وسيسمح بالاحتجاج دون مفاجآت؟
سؤالان في غاية الأهمية لا يمكن الإجابة عليهما إلا بعد غد الجمعة.
بالمقابل، وفيما تمارس الحكومة مصارحة الشعب بخصوص ملف أسعار المحروقات واعدة ضمنياً بالمزيد من الرفع، يختص الخبراء والمعنيون بإعادة إنتاج التساؤلات القديمة؛ فقد سبق للحكومة أن قررت مبدأ التنافسية بخصوص أسعار المحروقات، لكن جميع محطات الوقود تبيع بالسعر نفسه ، لأن الحكومة لا تسمح باستيراد تلك المشتقات أصلاً في موقف أو إجراء ازدواجي لم يفهمه أحد بعد.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى