لماذا «يتردد» الأردن في الانضمام إلى جنوب افريقيا في ملف «الجنائية»… ولماذا لا تفتح مصر معبر رفح؟
مروان المعشر: فعلناها في ملف الجدار وكنا في المقدمة
عمان ـ «القدس العربي»: سؤال «الدولارات الخمسة»… قالها المرجع القانوني الدكتور أنيس القاسم «مازحاً طبعاً» وفي سياق دعابة لمراسل «القدس العربي»: «سأمنح من يقدم لي إجابة عن السؤال التالي 5 دولارات.. لماذا يتردد الأردن في الانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية؟».
لا أحد عملياً فكر في تحصيل إجابة مهنية على مثل هذا السؤال لسبب واحد بسيط، وهو أن الإجابة الافتراضية لدى الشارع والرأي العام واضحة وحادة الملامح، وهي «لأسباب تتعلق بالقدرات السياسية والاقتصادية». والإجابة الرسمية أيضاً افتراضية وسريعة البديهة، وعنوانها الذي يمكن تلمسه حتى من وزير الخارجية أيمن الصفدي، بصيغة «ثمة توازنات ومصالح وقواعد اشتباك».
طبعاً، ينطلق القاسم من سؤاله من الحيثيات التي تشكل ليس فقط الثوابت الأردنية المعلنة، لكن المواقف السياسية الحكومية، وعلى اعتبار ما سيكون أو ما كان في الواقع أيضاً استناداً إلى الرؤية التي يزداد جمهورها وسط الأردنيين بعنوان احتياجات المصالح.
«كنا في المقدمة»
قالها أيضاً وزير البلاط الأسبق مروان المعشر، بحضور «القدس العربي»: فعلناها في ملف الجدار، وكنا في المقدمة. والمعشر يفهم المسافات الفارقة تماماً ما بين الإمكانيات والتوازنات.
لذلك لم يردد سؤال القاسم، إلا أن من طرح السؤال علناً أمام الميكروفون أثناء رصد تورط حكومة جنوب افريقيا بالكشف الفاضح عن عجز الدول العربية والإسلامية هو الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة مبكراً، عندما عبر عن الشعور بالخجل لأن دولة افريقية تحركت في فضاء محكمة العدل الدولية، فيما لم تتجرأ منظومة الدول الإسلامية برمتها.
فهمت «القدس العربي» من الوزير الصفدي مسبقاً، أن قرارات قمة الرياض العربية الإسلامية قد تشكل لاحقاً أو قريباً منصة تحرك تسمح لعمان التي تبادر وتناور، لا بل تقاتل من أجل وقف المذبحة والعدوان بالعودة إلى مقرات القمة والجامعة العربية ولو على الأقل في جزئية عودة أهل شمال غزة إلى بلداتهم، أو جزئية إدخال المساعدات وتفكيك الحصار.
السؤال في نسخة أردنية شعبية تكرر مؤخراً: بعد قرارات لاهاي.. لماذا لا تتحرك القيادة المصرية الملزمة بموجب القانون الدولي الآن بإدخال المساعدات؟
مروان المعشر: فعلناها في ملف الجدار وكنا في المقدمة
يقول مراجع قانونيون في الأردن إن الدولة التي وقعت على اتفاقية منع الإبادة ملزمة بمعالجة أي إجراء كانت تتخذه ويمكنه أن يقود إلى أعمال إبادة، وهؤلاء أنفسهم يصرون على أن مصر مثلاً بيدها كل الشرعية الأخلاقية والقانونية بعد لاهاي لفتح كل المعابر والحدود أمام كل أنواع المساعدات مزنرة بشرعية محكمة العدل الدولية الإلزامية.
منطقياً وفي إطار التشابك السياسي التحالفي، يمكن القول إن عمان قد تنضم لمحكمة العدل الدولية إلى جانب جنوب افريقيا فقط عندما يصدر ضوء أخضر من القيادة المصرية بفتح المعابر، وهي خطوات ما يتردد في أروقة السياسيين والمصريين قد تصبح ديناميكية أكثر بعد جلسة الأربعاء لمجلس الأمن التي تشهد معركة دبلوماسية خفية ستعيد ترسيم ما هو ممكن لمعسكر الاعتدال العربي وما هو غير ممكن. لا يخفي مرجع قانوني ووطني سياسي بارز من وزن الدكتور عون الخصاونة أثناء التداول مع «القدس العربي» شعوره بأن وقوف أي دولة عربية عند حد التقدم بمرافعات فقط دون الانضمام والانغماس في القضية بصورة مرجحة، خطوة لا تكفي. وما يقوله الشيخ العضايلة ورفاقه في الحركة الإسلامية، إن الأردن نفسه هدف للإبادة والتهجير في غزة والضفة الغربية، لذا يجب على حكومته اتخاذ خطوة تنسجم مع المصالح والثوابت وتمثل مشاعر الشعب بعنوان الانضمام الرسمي لجنوب افريقيا.
رسائل ملغزة
لكن ذلك يبقى مطلباً شعبياً لا تناسبه الرسائل الملغزة التي تقدمت بها الحكومة عندما أزالت يافطة باسم 7 أكتوبر عن واجهة مطعم صغير في إحدى قرى جنوب المملكة، لأن المفارقة في تلك الرسائل تقول بلغة صريحة إن حسابات من خاض معركة الجدار ضد إسرائيل في الماضي ثم أزال تلك اليافطة، يبدو أنها مختلفة اليوم عندما يتعلق الأمر بالانضمام إلى مسار لاهاي.
المسألة قابلة للتأويل وتحتاج لتفسيرات، والفرصة طبعاً متاحة لزحام التكهنات. لكن ومع ضرب فكرة التكيف مع اليمين الإسرائيلي، لا بل خروجها من سكة الواقع الموضوعي الأردني أساساً، يبدو لمن يراقب أن فكرة التكيف مع متطلبات التوازن والمصالح كما تفهمها السلطة طبعاً في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة، هي التي تتصاعد.
في نقاش وزير الخارجية الصفدي العميق عن زحام المراهنات وحزمة التحديات، تبقى الأفضلية للتكتيك المنتج والحسابات الدقيقة بدلاً من الانحيازات الشعبوية والحماسية.
لذلك، وفي الخطاب الرسمي الذي لا يقال علناً، فإن من يريد منح اليمين الإسرائيلي فرصة حقيقية لحجب الغاز والمياه فوراً، يمكنه أن ينضم إلى جنوب افريقيا. ومن يريد تحفيز ومكافأة الثنائي سموتريتش ـ بن غفير بلطجية تل أبيب، كما يصفهم رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، يمكنه أيضاً أن يتخذ قرارات جزافية شعبوية الطابع، مثل السماح بتسجيل أسماء تجارية تمجد يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
مع أن رأي السياسي الدكتور ممدوح العبادي، أن ذلك ممكن في إطار لعبة التسييس مع خصم طامع وعنيد اليوم، لا بل بسيط إجرائياً أحياناً، إلا أن التزامات المملكة وحساباتها المصلحية المباشرة وعلى رأسها التمكن دوماً من إيصال المساعدات ومنع تقديم محفزات لرموز يمين تل أبيب، تبقى هي اللهجة التي يفضلها رموز التكيف من خلال حبال التوازن.
شاهدت المجسات الأردنية بالتفصيل وبدون أوهام كيف يتصرف بنيامين نتنياهو مع دول في غاية الاعتدال مثل مصر. ومع العلاقات المقطوعة تماماً أردنياً مع نتنياهو وفي ظل غموض هوامش المناورة الأمريكية، يصبح الوقوف على محطة مرافعة واستشارة لدى محكمة العدل الدولية هو الخيار الأسلم، حتى وإن اعتبر بعض المغامرين السياسيين في عمان، كما تصفهم أوساط القرار أحياناً، أن خيار العاجز هو البديل الأفضل لمجازفة الانضمام الرسمي إلى جنوب افريقيا.