اراء و مقالات

متى وكيف تحول «التحالف مع أمريكا» إلى عبء على الأردنيين؟

حديث «جريء» بين الملك عبد الله والرئيس بايدن

عمان ـ «القدس العربي»: لا أحد يمكنه فهم أو ترسيم حدود ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن أمس الأول عن دعم عمل الولايات المتحدة الثابت للأردن، ودعم دور المملكة الأردنية الهاشمية في تعزيز الأمن والاستقرار، خصوصاً وسط قناعة النخب الأردنية أكثر بأن ما يهدد أمن واستقرار الأردن هو حصراً الحليف الأهم للإدارة الأمريكية في المنطقة، والمقصود الكيان الإسرائيلي.

استقرار المنطقة

مفهوم الدعم الأمريكي المستقر للأردن لم يعد مثاراً للاحتفال والابتهاج وسط الأردنيين العاديين وحتى المسيسين. والسبب وفق قناعة الغرف العميقة في صناعة القرار الأردني، هي الأضواء الخضراء التي تستمر في الصعود وتمنح حكومة المتطرفين في تل أبيب ـ كما وصفها وزير الخارجية أيمن الصفدي، في تصريح علني له مساء الاثنين ـ الضوء الأخضر لتنفيذ استفزازات تتلاعب بمصير أمن واستقرار المنطقة.
امتناع واشنطن عن التدخل الجدي لكبح جماح اليمين الإسرائيلي المتطرف، برأي الخبير البارز الدكتور محمد الحلايقة الذي تحدث لـ «القدس العربي» هو الذي يعبث باستقرار المنطقة، وأن الرئيس بايدن يبدو «ضعيفاً» وخارج التأثير في كل الأحوال.
تكاد العلاقات التحالفية الأردنية مع الأمريكيين تشكل عبئاً على المملكة التي تبحث عن معادلة مصالح متزنة، في الوقت الذي يتواصل فيه الاشتباك الأردني وبصلابة مع أجندة حكومة اليمين الإسرائيلي. وهو أمر يبرر سلسلة التحذيرات التي بدأت تطفو على السطح من نخبة من كبار السياسيين الأردنيين بعنوان مخاطر التكيف، لا بل الانخراط -كما يسميه رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري- في المشروع الأمريكي في المنطقة.
هذا المشروع لم يعد واضحاً بحد ذاته، ولم يعد واضحاً للأردنيين تماماً ما إذا كان الحليف الأمريكي هو في الواقع شريكاً لحكومة اليمين الإسرائيلي في أجندة التغيير التي تفرض الآن على الجميع تحت عنوان حسم القضية الفلسطينية وتصفيتها.

حديث «جريء» بين الملك عبد الله والرئيس بايدن

لذا، لا أساس جوهرياً للاحتفال بتصريح بايدن الذي تهاتف لأسباب لم تتضح حتى الآن، لكن لها علاقة على الأرجح في ظروف وملابسات الاتصالات الأردنية الإيرانية الأخيرة بالعاهل الأردني، مطمئناً بأن بلاده تدعم الدور الأردني وأمن واستقرار المملكة، مع أن الاعتبارات الموضوعية -بتقدير حلايقة وآخرين- تشير إلى أن واشنطن لا تفعل، فيما تنميط وتأطير وتقميش طبيعة علاقة أمريكا بإسرائيل هي التي تعبث بكل المعادلات.
واضح أن الاتصالات الأردنية ـ الأمريكية رفيعة المستوى طفت على السطح في ضوء مستجدين: الأول هو الزيارة المهمة التي قام بها لطهران وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
والثاني تعبر عنه عمان في إظهار المقصود دبلوماسياً وسياسياً حتى أثناء التواصل مع الرئيس بايدن لمستوى الخلاف الأردني الجذري والعميق مع ما تفعله حكومة اليمين الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني.
وهو خلاف يظهر ـ كما قال يوماً لـ «القدس العربي» رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز، صاحب الخبرة العميقة والواسعة ـ بأن المجتمع الدولي لا يريد حتى الآن فهم أو التقاط ما هو جوهري في رسائل القيادة الأردنية الداعية إلى الحكمة والاتزان عبر منع انزلاق المنطقة إلى صراع سيدفع ثمنه الجميع. ويتحفظ الفايز مثل غيره من كبار المسؤولين والساسة في عمان على تجاهل الأمريكيين وبعض الدول الغربية لتراكم الحكمة والخبرة الأردنية.
وثمة من يعتقد في عمان الآن بأن المشروع الأمريكي في المنطقة يتأثر سلباً على الأقل وسط الجمهور الأردني، وعلى المدى الطويل بمستوى التأييد لا بل الصمت والتواطؤ، كما وصفه رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، مع التصرفات والاستفزازات الإسرائيلية.
لذلك، أعقب الاتصال الهاتفي بين ملك الأردن والرئيس بايدن زيارة الصفدي الأخيرة إلى طهران، وفيها تكرار ملموس وواضح؛ لأن الأزمة عميقة بين الأردن وحكام تل أبيب وتصرفاتهم الآن، حيث اعتبر العاهل الأردني أن وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الكارثة الإنسانية هي الخطوة الفورية الواجب تنفيذها الآن، وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار حتى لا تغرق المنطقة أو تنزلق لصراعات إقليمية. عاهل الأردن قال بوضوح في صيغته الاتهامية لحكومة إسرائيل، إن وقف الخطوات التصعيدية من كل الأطراف يتطلب احترام القانون الدولي وتنفيذه وفق معايير واحدة، خلافاً لتحفظه على مخاطر الأعمال العدائية التي يرتكبها المستوطنون وتستهدف الوضع القائم في القدس، داعياً الولايات المتحدة للقيام بدورها المفترض في وقف الحرب على غزة وفوراً.

نزع فتيل أزمة

الأردن من أعلى هرمه السياسي إلى أدنى الموظفين، يستخدم عبارة «وقف إطلاق النار فوراً» لا بل الزيارة الأخيرة التي قام بها الصفدي لطهران دفعت إلى القناعة الراسخة بأن وقف إطلاق النار قد يكون بمثابة نزع فتيل أزمة، إذا ما بدأت ـ وفقاً لقناعة غرفة القرار الأردنية ـ فلا أحد يستطيع إنهاءها تحت عنوان الصراع الإقليمي.
التصريحات الأردنية في انتقاد إسرائيل وتحميلها مسؤولية سلسلة الجرائم الكبيرة التي انتهت باغتيال رئيس حركة حماس الشيخ إسماعيل هنية في طهران، واضحة وحادة الملامح. وأغلب التقدير أن عمان تكرر على الأذن الأمريكية والغربية طروحاتها وثوابتها ووجهة نظرها في هذا السياق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading