متى يستخدم الأردن الموقف الشعبي كورقة للضغط على إسرائيل؟
طرح الموقف الشعبي كورقة للضغط والتفاوض مع دول مناصرة لإسرائيل يخدم مصالح الوطن والمواطن وبالتأكيد يزيد من ثمار المكاسب بكل أصنافها
يستثمر العدو الإسرائيلي جيدا ودوما في «أصوات غلاة المستوطنين» ضد حتى مصالح شركاء سلام مثل الأردن فيما تصر جهات ما في عمان على أن «أي استثمار» في موقف الشعب الأردني بمواجهة العدو الذي أصبح خطيرا جدا الآن على الجميع «ممنوع» وفي أحسن الأحوال «لا يستحب».
شخصيا لا أعرف سببا سياسيا أو منطقيا يدفع الحكومة الأردنية للاستمرار في «تعطيل وعرقلة وإعطاب» واحدة من أبرز وأهم الأوراق الرابحة في مواجهة اليمين الإسرائيلي وأطماعه وخططه وأقصد حصرا «ورقة الشعب الأردني» لا بل أيضا جزئية وجود «نصف الشعب» على الأقل من «مكون فلسطيني» يتأثر حكما بكل ما يجري ويمكن أن يجري في فلسطين المحتلة.
على سبيل المثال لا الحصر أبلغني مسؤول في جهاز الإغاثة الأردني للأهل في قطاع غزة بأن عدد «بلطجية المستوطنين» الذين عرقلوا عبور شاحنات أردنية عدة مرات من معبر كرم أبو سالم حصرا لا يزيد عن «18» شخصا يحملون لافتات ويجلسون على الرصيف، وفجأة تستجيب لهم الحكومة الديمقراطية الإسرائيلية.
اليمين الإسرائيلي في هذه الحال يستثمر بامتياز بهذه الثلة من المهووسين جنوبي غزة فتتسبب الاستجابة لهم وإعادة الشاحنات بمقتل مئات المواطنين من أهل غزة. ويستثمر الاحتلال بعشرات فقط من جماعة «الهيكل والبقرة» إياهم ضد حتى الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى فتحيط بهم قوات الأمن وتقمع المسلمين وتتجاهل تماما ليس فقط البروتوكولات التاريخية الموقعة بين «شركاء السلام» بل طاقم الأوقاف الأردني الذي يقف عاجزا بائسا بلا تعليمات.
طبعا لا يتعلق الأمر بـ»ممارسة ديمقراطية» بل باحتلال رخيص دموي إرهابي يجيد التمثيل والتضليل والكذب، ولديه مشروع لتصفية القضية الفلسطينية وإقامة وطن بديل في شرق الأردن وحتى يسترسل في خططه الشيطانية يستعين بموتور هنا أو متطرف هناك.
ليس في المشهد أي استثمار في حقوق «المستوطن المجرم المحتل» بالتعبير لا بل بإعاقة أسطول شاحنات وتحييد الوصاية وبحالة ابتزاز رخيصة فكرتها أن لدى الاحتلال «رأيا عاما» تحترم المؤسسة آراء الأقلية فيه، بينما لا تحترم الحكومة الأردنية في موضوعة إسرائيل وفلسطين مشاعر ومواقف أغلبية ساحقة من الأردنيين و«تزهد» بطريقة مقلقة وغريبة حتى في الاستثمار بورقة الضغط الشعبي.
طرح الموقف الشعبي كورقة للضغط والتفاوض مع دول مناصرة لإسرائيل يخدم مصالح الوطن والمواطن وبالتأكيد يزيد من ثمار المكاسب بكل أصنافها
من حق المواطنين الأردنيين سؤال حكومتهم: لماذا لا تستثمرين بنا في مواجهة العدو المتربص؟
للأسف النظرية البيروقراطية اليتيمة التي تحاول تفسير هذا النمط من الإدارة للمشهد هي تلك التي تعتقد بأن الإعلاء رسميا من شأن موقف الشارع الأردني وإدخال مواقف وثوابت الجمهور في «القرار السياسي» أو حتى في الوعاء التفاوضي السياسي يظهر بأن الأمور «غير ممسوكة» كما ينبغي في البلاد.
تلك طبعا ذريعة واهية لأن المجتمع الممسوك أكثر هو ذلك الذي يرتقي به القرار السياسي والعكس صحيح وهو ذلك المجتمع الذي تحترم حكومته ومؤسساته خياراته ومشاعره ومواقفه بل وهواجسه.
دون تلك الحجة البائسة لا أحد يفهم ما الذي يحول دون أن يستثمر الرسمي الأردني بعد الآن في مزاج الشعب الأردني لمواجهة تداعيات واستحقاقات جريمة الإبادة الإسرائيلية.
لا نطمح بحالة استثمارية في مزاج الشارع من باب التقاليد الديمقراطية أو الوطنية لا سمح الله، ولكن من باب حرص أصحاب المهارة والكفاءة في الطاقم السياسي والحكومي على «تحسين التموقع التفاوضي» للدولة الأردنية على الأقل في مواجهة الإسرائيليين، وثانيا وقد يكون الأهم في التواصل مع الأمريكيين والغربيين.
لا يمكن لأي دولة فاعلة في العالم أن تحترم موقف الشعب الأردني وتحسب حسابه إذا لم تفعل حكومته.
والظن راسخ بأن طرح الموقف الشعبي كورقة للضغط والتفاوض مع دول مناصرة لإسرائيل يخدم مصالح الوطن والمواطن وبالتأكيد يزيد من ثمار المكاسب بكل أصنافها لأن المسؤول أو الموظف الأردني يستطيع القول عند أي زاوية حرجة.».حسنا أنا ايضا لدي شعب ولديه رأي وموقف».
أغلب ظني أن المنظرين في طبقة الإدارة للتكيف وللضغط على الشارع بدلا من الاستثمار فيه أكثر عددا ونفوذا من أولئك الذين يمكنهم تقديم اقتراح بأن لحظة القفز بورقة الضغط الشعبي آن أوان دخولها في المعادلة السياسية.
نتحدث عن بلد فيه أكبر كتلة تجمع ديمغرافي من اللاجئين في العالم وعن دولة حدودها عريضة مع كيان الاحتلال، وحكومة أكثر من نصف عديد شعبها من أصل فلسطيني وفيها تيارات سياسية وشعبية عريضة مناصرة.
نتحدث عن بلاد دفعت ثمنا غاليا جراء الاحتلال الإسرائيلي، ودولة لديها ولدى رعاهايا حقوق لا تسقط بأي تقادم أو عملية سلام.
كيف تسقط كل تلك الاعتبارات ويتنازل عنها المفاوض الأردني بكل بساطة ويقدم خدمة كبيرة للكيان فكرتها حرمان مؤسسات الدولة من أوراق شرسة وصلبة من هذا الصنف.
السيطرة الحقيقية المنتجة هي تلك التي تستثمر بمشاعر الأردنيين وتحيلها إلى «مصالح سياسية واقتصادية «.
باختصار الأردن هو الذي ينبغي أن «يبتز» إسرائيل وليس العكس ولديه كل الأوراق الكفيلة بذلك بدون ضجيج أو إعلان حرب.