Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اراء و مقالات

مسار أحزاب الأردن: إنقاذ أم عرقلة

إن تصويب مسار التحديث والعودة لمساندة الأحزاب السياسية ومنعها من الانزلاق مجددا، محطة لها أصول ويتوجب عزلها عن فلسفة توقع نتائج أفضل باستعمال الأدوات القديمة

صعب جدا خصوصا عندما يتعلق الأمر ببناء جدار حزبي ضامن لمصالح الشعب والدولة في الأردن، الاستمرار في مداعبة ذلك السيناريو الذي يعيد مرة تلو الأخرى ترويج فرضية تقول بإمكانية تحقيق نتائج مختلفة لا بل أفضل عبر إدارة ملف الأحزاب السياسية تحديدا، بالطريقة نفسها وبالأدوات القديمة.
تلك منهجية محكوم عليها بالإخفاق والفشل مقدما.
وبصراحة شديدة: لم نعد نعلم كأردنيين، إداريا وسياسيا، كيف يتم تضخيم المعادلة المستحيلة التي تعيد الافتراض بأن النتائج المثلى ستتحقق بأدوات الماضي نفسها إلا إذا كانت المسألة مجرد «فهلوة وطهي حصى».
غير معقول وغير منطقي استمرار الشعور بالصدمة والمفاجأة لأن نتائج مسار التحديث السياسي مخيبة للآمال.
تلك الخيبة بكل حال ناتج طبيعي وتلقائي وعفوي لممارسات إدارية وبيروقراطية واضح تماما أنها كانت تقود إلى خيبة ما منذ اللحظة التي قالت فيها الحكومة إنها استعانت بسبعة وزراء من الأحزاب بسبب شخوصهم وليس أحزابهم.
ثمة طبقة انتهازيين هنا وهناك في الإعلام والأحزاب وفي السياسة وظيفتها الأساسية بدأت تحترف إنتاج الخيبة تلو الأخرى ثم الادعاء بمزاعم الصدمة والمفاجأة.
مروحة الخيارات والسيناريوهات تتحرك في غرفة مغلقة تماما، ونتائجها مسبقا مفهومة وعلى المسؤولين المعنيين التوقف عن ادعاء الصدمة وإعادة ترسيم قواعد اللعب والاشتباك لأن منهجية بناء حزب سياسي يتمحور حول شخص أو مجموعة أشخاص بحد ذاتها غير منتجة.
وإقحام أسماء محددة في بناء وتأسيس وتشكيل الأحزاب السياسية بدون برامج قابلة للتداول والنقاش في إطار الديمقراطية الحزبية، مَسار سبق أن جرّبه الفشل عشرات المرات.
بعض الأوفياء لمسار التحديث السياسي وهم قلة في الواقع يريدون العودة للأصول والقواعد والجذور حيث الأحزاب في التجربة البشرية برمتها أفكار وبرامج ومقترحات تؤمن كتلة حرجة من النشطاء فيها وتطرحها على المجتمع وليس بقالة أو سوبرماركت يقام هنا او هناك في ترتيب ديكوري مبرمج على طريقة تراخيص الصحافة الأسبوعية عام 1989.
الأحزاب تولد بين الناس ويحملها المجتمع ويناقش رموزها ثم يصوت لها في الانتخابات ويختبرها ويحاسبها.

إن تصويب مسار التحديث والعودة لمساندة الأحزاب السياسية ومنعها من الانزلاق مجددا، محطة لها أصول ويتوجب عزلها عن فلسفة توقع نتائج أفضل باستعمال الأدوات القديمة

هي مشهدية لا نخترع الذرة ولا العجلة فيها، فقد جرّبتها كل الشعوب في الماضي ولا يجوز لنا توقع حياة حزبية صحية عبر مسار يصنع المؤسسات الحزبية في الأنابيب أو البراميل أو إذا ما قررت السلطة إبلاغ مجموعة مواطنين بأن حزبهم الذي لم يتشكل بعد مرفوض ومطارد أو لن يتم ترخيصه.
لا تنمو الأحزاب السياسية بالتدخل في تركيبتها واجتماعاتها وقياداتها، ولا تتقدم، لا برعاية انشقاقات داخلها رسمياً ولا بسهر الحكومة على دمج بعضها مع بعضها الآخر لتخفيف الزحام، لأن الزحام بحد ذاته قد يكون الوصفة الصحية الأفضل أحيانا لإنضاج التجربة والخبرة ولوضع خيار متعدد أمام المواطن.
مشروع التحديث السياسي في الأردن مهم واستثنائي وينبغي إنقاذه بالتأكيد.
لكن مسبقاً لا بد من التحذير: محاولة إنقاذ المسار الذي تَوافقَ عليه الأردنيون ينبغي أن لا تصاب لا بأعراض ولا بأمراض فايروس التدخل والهندسة مجددا.
والمعنى هنا أن تصويب مسار التحديث والعودة لمساندة الأحزاب السياسية ومنعها من الانزلاق مجددا، محطة لها أصول ويتوجب عزلها عن فلسفة توقع نتائج أفضل باستعمال الأدوات القديمة.
لا يمكن لمن اجتهد في تشتيت العمل الحزبي وإضعافه وهدمه من النشطاء السياسيين، الرهان عليه في إعادة بناء الأحزاب التي استضعفها.
الإصلاح يصنعه الإصلاحيون ومستقبل الديمقراطية مرهون بالديمقراطيين، وإصلاح المشهد الحزبي الأردني المنفلت مهمة وطنية نبيلة لكنها مرتبطة بمن يؤمنون بالعمل الحزبي ويجيدون صناعته بدلاً من الغرق والاسترسال مجددا في هندسة اعتباطية تتلوها هندسة عكسية ثم تتلوها هندسة تدّعي الحرص على إصلاح أخطاءٍ بات يعرفها الجميع.
يمكن للمهندسين الانشغال بقطاعات أخرى وطنية مهمة أيضا، على أن يُترك لأبناء الأحزاب السياسية هامش وطني واسع داخل أحزابهم للعمل والتصويب ومن دون تدخل بيروقراطي يمكن الاستغناء عنه دوما وبدون أي كلف.
ثمة مخلصون وأوفياء نقابلهم يوميا في أروقة الأحزاب بما في ذلك الأحزاب الوسطية، يبحثون عن فرصة لتجويد عملهم الحزبي وتجاوز العثرات القائمة حاليا، هؤلاء هم أبناء التحديث السياسي الأوفياء الذين يتحركون نحو بناء مستقبل وطنهم بتواضع وبدون أجندات ومصالح.
يفترض أن تساعد الدولة الأوفياء الأنقياء في العمل الحزبي بدلاً من الاستمرار في مداعبة وملاعبة طموحات شخصية للأسف عند شريحة من الانتهازيين والمستوزرين والباحثين عن مؤسسات حزبية تخدمهم لا يخدمونها.
تجربة العمل الحزبي يفترض إنضاجها تلقائيا شريطة أن يُتركَ الحزبيون لمناقشاتهم، وتتوقف الحكومة عن التدخل في اجتماعاتهم وتوفر لهم الدولةُ ومؤسساتها ليس فقط نصوص قوانين تحمي العمل الحزبي، ولكن أيضا ممارسات إدارية وتنفيذية تحمي المؤسسات الحزبية ذاتها من انحرافات تَنتج عن مصالح الطامحين والنافذين.
بناء جدار الأحزاب شيء و«الفهلوة» والإصرار عليها ثم ركوب الحصان بهدف عرقلته، شيء آخر مختلف.

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading