مشاركة أردنية مع «جنوب افريقيا» في «العدل الدولية»: أكثر قليلاً من «مرافعة» وأقل من «تسجيل شكوى مماثلة»
عمان ـ «القدس العربي»: وضع رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، مجدداً إصبع بلاده على الجرح النازف الذي سببته عملية القصف الإسرائيلي الهمجية على قطاع غزة، معترفاً وبلغة صريحة ولأول مرة ضمناً بأن ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر ليس كما بعده. وأشار الخصاونة خلال مداخلة له في منتدى دافوس، إلى أن المواطن الأردني بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر أصبح من الصعب جداً عليه أن يوافق على مشاريع إقليمية مع إسرائيل.
في التوقيت نفسه، وعلى المنبر نفسه، تحدث الخصاونة عن رؤية بلاده لما سمّاه سابقاً وزير الخارجية أيمن الصفدي بدعم وإسناد القضية التي رفعتها لدى محكمة العدل الدولية حكومة جنوب إفريقيا. وهنا أوضح الخصاونة أن بلاده ستشارك في جلسات الاستماع الشفوية والمكتوبة، وهي صيغة تتجاوز ما كان قد أعلن عنه سابقاً الخصاونة نفسه تحت قبة البرلمان عندما تحدث عن تقديم مرافعة. ويعني ذلك أن الأردن قفز بخطوته التضامنية مع جنوب إفريقيا إلى درجة إضافية غير معلوم بعد قانونياً ما تأثيرها. ويبدو أن ذلك حصل بعد ما تبين وعلى نطاق واسع بأن التقدم بمرافعة مكتوبة وقانونية خطوة دبلوماسية متاحة للأفراد والحكومات والدول والمؤسسات، بمعنى أنها قد لا تظهر رغبة الأردن في تكييش وتسييس خطوته العلنية دبلوماسياً لصالح مساندة قضية جنوب إفريقيا، وهو الأمر الذي يؤشر على أن حكومة الخصاونة قررت الذهاب في اتجاه المشاركة بجلسات الاستماع وتقديم الإفادات لإظهار نوع من التضامن السياسي مع جنوب إفريقيا، ولإظهار نوع من الحضور في مواجهة المحكمة التي يترقب العالم قرارها بصورة أساسية وسط عدة سيناريوهات.
عملياً، ما قاله الخصاونة في دافوس مؤشر على أن الأردن سيرسل وفداً قانونياً، لأن المشاركة في الاستماع والإصغاء إلى الشهود وتقديم إفادات وليس مرافعات فقط، عملية قانونية محكمة إلى حد ما يشار لها بأنها مختلفة عن خطوة التقدم بمرافعة مكتوبة وأقل من خطوة الانضمام إلى المحكمة نفسها.
فريق قانوني لم يكشف عنه بعد سيتولى متابعة الجلسات حول «الإبادة في غزة»
ويعني ذلك أن فريقاً قانونياً لم يكشف النقاب عنه بعد، سيتولى باسم الأردن متابعة الجلسات، كما يعني أن الوفد الأردني سيبقى في أروقة المحكمة.
وهذا يتطلب وجود خبراء دوليين، علماً بأن ثلاث شخصيات أردنية بارزة حضرت الجلسة الافتتاحية التي عرضت فيها في لاهاي حكومة جنوب إفريقيا شكواها ومبرر الدعوة، وأبرز تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق والمرجع الكبير في قضايا العدل الدولية والقانون الدولي الدكتور عون الخصاونة، إضافة إلى ضيف الله الفايز السفير الأردني في لاهاي، والمحامي الأردني المعروف عمر مشهور الجازي.
ويؤسس الأردن بانتباهه الشديد على مستوى رفيع في حكومته إزاء قضية جنوب إفريقيا، لمساحة سياسية ودبلوماسية واسعة لا يمكن الاستهانة بها في إظهار التضامن مع تلك القضية، وأيضاً في إظهار التباين مع المشهد الإسرائيلي، وهذا يعني أن ميكانيزم الدبلوماسية الأردنية يريد أن يحقق في ظل استمرار العدوان العسكري أكبر مساحة ممكنة من الضغط دبلوماسياً وسياسياً على الإسرائيليين عبر قنوات قانونية أساسية في المجتمع الدولي.
وأقرت شخصيات أردنية بارزة بأن الخطوة الأفضل كانت عملياً تسجيل دعوة مماثلة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
وهو عملياً ما طالب به الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد عضايلة، مستغرباً من صمت الدول الإسلامية والعربية في التحرك المطابق لمبادرة جنوب إفريقيا المشكورة، فيما أوضح القطب البرلماني خليل عطية لـ «القدس العربي» أن الدول العربية كان ينبغي لها أن تتحرك كما فعل الأصدقاء في إفريقيا لإظهار الجدية في تخفيف معاناة شعبنا الفلسطيني والحرص على ألّا يفلت المجرم من العقاب.
لكن مصدراً أردنياً رسمياً أشار إلى أن الانضمام بدعوة مستقلة قد يكون مكلفاً للغاية، وقد حذرت منه الولايات المتحدة. لكن الأردن يتجه أو اتجه نحو تطوير ميكانيزم علاقته بهذه المحكمة لدعمها، وهو أمر قد يسمح بتداول وثائق وأدلة ومعلومات وتقديرات مواقف قانونية بين الوفد الجنوب إفريقي والقانونيين الأردنيين الخبراء.
وفي كل حال، يعني ذلك عملياً وسياسياً أن عمان لا تزال ترى نفسها في الاتجاه المعاكس تماماً مصلحياً وسياسياً للسلوك الإسرائيلي في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، خصوصاً أن الخصاونة نفسه حذر قبل يومين مجدداً كما فعل سابقاً قبل عدة مرات، العاهل الملك عبد الله الثاني، من اعتداءات المستوطنين في محيط مدن الضفة الغربية.
والأردن لا يتراجع في إظهار ثوابته في الموقف السياسي، لكنه يواجه ضغطاً مقابلاً، كما يفهم من نقاشات وزير الخارجية أيمن الصفدي مع «القدس العربي» وإن كانت الأولويات والمستجدات متزاحمة، والتحديات والرهانات كبيرة، وتبدأ -حسب الصفدي- من الإصرار على عودة النازحين من أبناء شمالي القطاع إلى أماكن سكنهم وبيوتهم، والحرص على تكريس وقف حالة النزوح خلافاً طبعاً لوقف إطلاق النار ووقف العدوان، وصولاً إلى الشكل الذي سيرسم في سيناريوهات لاحقاً عندما يتعلق الأمر بمستقبل قطاع غزة.