اراء و مقالات

بعد «التجريف»: «نقابات» الأردن خارج «تحديث المنظومة» ودورها «يتقزم»… لماذا لا يصرخ النقابيون؟

عمان- «القدس العربي»: لأسباب يمكن فهم بعضها ومن الصعب حتى اللحظة فهم بعضها الآخر، تسقط النقابات المهنية الأردنية من كل الحسابات سواء الرسمية أو الشعبية عندما يتعلق الأمر بتحديث مسار المنظومة السياسية في البلاد والانتقال بالتدريج إلى مشروع ينتهي بتداول سلطتي التشريع والتنفيذ على أساس القوائم الحزبية.
يحصل ذلك فيما لا يشتكي النقابيون من تجاهل دورهم ودور مؤسساتهم، وفيما لا أحد في الشارع هذه الأيام ينتبه أيضاً ويطلق صرخة أو صوتاً يعترض فيها على تجاهل المؤسسات النقابية العريقة جداً من مجمل ورشة الإصلاحات التي تشهدها البلاد.
واللافت جداً للنظر أن النقابيين أنفسهم غارقون في مشكلاتهم وتعقيدات مؤسساتهم بعدما تراجع دور النقابات المهنية في البلاد عموماً وخلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية بشكل غير مسبوق، بحيث إن النقابات المهنية التي كانت دوماً عنواناً للإصلاح والتغيير السياسي في البلاد تقزم دورها ولا ينتبه لها كثيرون الآن بعدما سمي بتجويف العمل الوطني النقابي وتجريف المحتوى السياسي من المؤسسات النقابية.
بعض الأصوات وبصورة خفيفة جداً حاولت التنبيه إلى أن مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد، بالرغم من الملاحظات العامة، عليه ألا ينقصه بامتياز تلك التراكمات المرتبطة بالعمل النقابي أيضاً، وبالعودة إلى تأسيس حالة تستعين بدور بيوت الخبرة المهنية والنقابية ذات التاريخ الكبير في صناعة الحدث، سواء على مستوى الشارع أو حتى على مستوى التنظيم العمومي والتشريع في العقود الماضية، حتى لا تنطبق حقاً معايير ما أشار له النقابي البارز ميسرة ملص، على هامش نقاش مع “القدس العربي” بعنوان” النقابات انتهت”.
وما يرصد بوضوح أن أحداً لا يشتكي حتى من بين أبناء النقابات المهنية من هذه الحال المتواضعة التي وصلت إليها مؤسسة النقابات حتى لا يكاد أحد في الشارع يذكرها ولا صوت لها على طاولات مؤسسات القرار.
وحتى كاد الجميع إلى حد ما ينسى وجود نقابات مهنية. الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، يلمح دوماً إلى أن المطلوب محتوى إصلاحي جذري وعميق أفقياً يؤسس لمقاربة وطنية تشمل الجميع، لكن حتى الإسلاميون لا يشيرون إلى النقابات المهنية. واليسار المدلل الآن الذي يستريح بين محطة وأخرى في أحضان السلطة والقرار لا يبدو معنياً باستعادة ذلك الألق الذي كانت تمثله بالعادة نقابات المهنة في بناء المشهد السياسي الوطني وليس في تلقى تداعياته والخوض في استحقاقاته، مع أن الانطباع هو أن رموز العمل النقابي يفرطون بحصتهم.
معروف للجميع بأن بعض رموز العمل النقابي في الأردن شاركوا في اجتماعات ومشاورات تحديث المنظومة السياسية، لكن حتى هؤلاء لا صوت لهم للتذكير بأنه من الصعب وقد يكون من المستحيل بعد الآن الاستدراك بسبب تصور إصلاحي عام وأفقي ووطني صالح للحياة وقابل للصمود دون أخذ الاعتبار لدور تاريخي كان في الماضي لمؤسسات النقابات المهنية العريقة التي بقيت لعقود مدرسة لتخريج رموز الأحزاب ورموز العمل الوطني وقادة التشريع وحتى مدرسة أو جامعة لتخريج القيادات الوطنية المعارض.
لعل بعض الأسباب واضحة لجميع المراقبين. فمؤسسات النقابات العريقة تترنح الآن بسبب سلسلة لا نهائية من مشكلات التنظيم والتشريع والتمويل أيضاً، وبسبب حرص السلطات السياسية والأمنية طوال الوقت على تجويف العمل النقابي وإخراج المؤسسات النقابية من دورها، بدلالة أن الحرص على تطويع نقابة المعلمين حصرياً، أضخم النقابات التي تشكلت في البلاد بعد أحداث الربيع العربي عام 2011، تواصل دون أدنى انتباه إلى أن تجويف العمل النقابي أصبح هو الموضة الدارجة.
لا أحد يحفل اليوم بالنقابات العريقة التي كانت تهز الشارع والرأي العام أو كانت تؤثر في القرار السياسي وتقدم للمجتمع طبقة كبيرة من رجال الدولة والقادرين على الاشتباك.
وفي رأي عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية محمد الحجوج، كانت النقابات المهنية بالعادة مدارس أساسية بالفعل والاشتباك. لكن بعض أولادها اليوم يفرطون بالدور كبيوت خبرة تساعد الدولة وتعتبر كرديف لها في توفير برامج حماية تحت الإطار المهني.
والواضح تماماً من هذه السياقات أن الحرص على ضرب العمل السياسي في عمق المؤسسات النقابية بالعادة انتهى أيضاً بضرب النقابات نفسها، وليس القوى السياسية والحزبية الموجودة في تلك النقابات خلافاً لأن النقابات المهنية الأساسية اليوم في الأردن غارقة بمشكلاتها، فنقابة الأطباء العريقة مثلاً تعاني للعام الثالث على التوالي بعد خلافات، ونقابة المهندسين التي طالما كانت أم النقابات المهنية، غارقة في مشكلاتها المالية وفي الجدل الداخلي للمهندسين بسبب برامج التقاعد وضعف الغطاء التمويلي لتلك البرامج خلافاً لأن القوى الأساسية التي كانت تمنح النقابات المهنية مضموناً حقيقياً غابت بفعل الضربات المتواصلة والمراقبة، أما نقابة المحامين فتعاني هي أيضاً، وكذلك نقابة المقاولين التي انضمت إلى ركب المعاناة.
والحال ليس بأفضل في نقابات التمريض والمهندسين الزراعيين، وقد يدفع الجميع ثمن ذلك لاحقاً، لأن النقابات المهنية تصمت لا بل تتواطأ مع حالة الضعف التي تواجهها. والأهم وطنياً أن برنامج مسار تحديث المنظومة السياسية خرجت المؤسسات النقابية من سكته.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى