«معدن» الأردني المعارض أيضا
حماية الوطن الأردني من تداعيات صعبة جدا وضارة للغاية بعد النجاح بهزيمة الفيروس تتطلب حراثة الأرض من جميع أولادها ووقف المتاجرة بالطارئين والمراهقين ورموز الرداءة
تجمعني «صدفة شارع» بصديق اتجاهاته السياسية «معارضة ونقدية» بالعادة وطول الوقت.
أتقدم فورا ومن باب التحرش المهني من الرجل وليس سرا أنه الناشط النقابي المعروف والديناميكي ميسرة ملص وعلى الطريقة الأمريكية المتأردنة بالعامية:.. إيش يا باش مهندس… قلبت «سيستم»؟
أتحدث عن مواقف يومية تتابع في ظل أزمة كورونا لصاحبنا تظهر نقدا كبيرا لكل من ينتقد خطة الدولة في الاشتباك مع فيروس كورونا مع متابعة تفصيلية تقترح ولا تقف عند التشخيص وتحذر من التفريط والتساهل بإجراءات الوقاية وتزيد في الاقتراحات الفنية الإيجابية وبكل آداب الحوار والنقاش.
سؤالي المناكف في الشارع العام لملص ليس مفاجئا.
المفاجئ فعلا هو «تركيبة الجواب» بالنسبة لنقابي معارض خضع في الماضي لكل أنماط التشكيك وأحيانا الإقصاء وغالبا مثل كثر الطرد من «جنة السلطات» وفي بعض الأحيان توزيع الوطنيات ومعلبات الولاء والانتماء.
ما قاله محدثي بإختصار وتصرف: أؤمن بما قاله وليد جنبلاط: اليوم طبعا مع الدولة ولا خيار بديل عنها.
كعادة الجميع تمتم صديقي بعبارات ومواقف سمعتها حقا لا قولا من عدد كبير من الشخصيات الوطنية المصنفة في دائرة «خصوم الدولة وأعداء الولاء» حيث الولاء الحقيقي في باب النصح والإحساس بالمسؤولية يسبق الرأي الشخصي.
وحيث لا نكايات في الماضي تبرز في سياق تصفية حسابات اليوم ولا ملاحظات نقدية بدون رجاء وحسن نية ولا رأي يقال خارج سياق الرغبة في «أردن أفضل» بحكمه وحكومته وشعبه.
قواعد الحوار هنا يتداولها القوم وتحديدا في الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين وجبهات اليسار والقوميين والنقابات «التي لا تنتمي لثقافة القطيع» وبعنوان: أزمة كورونا «إختيار حقيقي» لما كنا نزعمه طوال الوقت نحن المعارضين وأصحاب الرأي المستقل عندما نقول «الاختلاف مع الدولة وليس عليها».
هذا الصف من الأردنيين يؤجل خلافاته بوضوح مع السلطة والحكومة ويترفع عن التنظير والاعتراض ويقلل حتى من الكلام ويقر بإنجازات خطوات الحظر المتشدد ويدعم بقوة ما يفعله القصر الملكي والقوات المسلحة ويؤكد بأنه حتى الملاحظات ليس الآن وقتها، ويمكن أن تؤجل لوقت رخاء بما في ذلك الملفات التي لا جواب عليها حتى إلا من أصحاب القرار والسلطة.
أثق شخصيا بوطنية العديد من الشخصيات التي لو استمعت لها السلطات في الماضي لتعززت مصداقيتها ولغابت الكثير من إشكالات اليوم ولتقلصت الأخطاء.
على نحو أو آخر استذكرت ما قاله الملك عبدالله الثاني عن «معدن الأردني» وهي قاعدة تشمل اليوم المواطن البسيط إلى العسكري والمعلم والموالي والمعارض والمؤدلج وعكسه.
بأمانة شديدة لم ألحظ كمراقب في صفوف المعارضة التي عانت وخضعت للتشكيك طوال الوقت وتم تغييبها أي نكايات في ظل أزمة كورونا أو أي محاولات إعاقة وتعطيل أو أي ملاحظات تقال في غير وقتها أو بصورة غير ملائمة أو من باب النقد والتفلسف فقط.
المعارض الأردني وأتحدث عن العاقل وليس المرتزق أو العبثي أو الانتهازي أو المتاجر بالاعتراض يمثل أيضا «معدن الأردني» الحقيقي في الأزمات والمحن حيث بلد بلا موارد يخوض معركة شرسة ببسالة، وسيخوض أشرس منها مع نهاية الربيع الحالي وحيث مخاوف مستقلين ومعارضين لا تتجاوز في أعلى سقوفها الحرص على تذكير القرار بأن «قانون الدفاع يكفي» ولا ضرورة للاستماع لدعاة التحريض على إعلان الأحكام العرفية.
ومثل بقية الأردنيين أتمنى دوما أن تستفيد دوائر القرار عبر التشاركية وليس الإقصاء من عشرات الخبرات العميقة، عبر السماح للمعارض المختص والخبير وصاحب الرأي السديد ومن يمثل بيت خبرة أو مستودع أفكار إيجابية في إدارة تداعيات أزمة الفيروس حيث لا مكان بعد الآن للاستفراد والفردية والشخصنة والشللية.
حماية الوطن الأردني من تداعيات صعبة جدا وضارة للغاية بعد النجاح بإذن الله بهزيمة الفيروس تتطلب حراثة الأرض من جميع أولادها، ووقف المتاجرة بالطارئين والمراهقين ورموز الرداءة والعبث في الانتخابات.
وتتطلب افساح الفرصة لرموز الوطن من الذين تختلف معهم الدولة لكي يتحدثوا لشعبهم في مرحلة حساسة.
ينبغي أن يتوقف العبث وفورا بقصة الإعلاء من قيمة الولاء الأعمى السام على حساب المهنية والإخلاص في العمل.
وبكل صراحة وكمواطن أردني أحب سماع الخبر الذي يقول بأن «قوائم الحظر» التي كانت تمنع عشرات الشرفاء والخبراء ورجل الدولة والمثقفين من الظهور على شاشة تلفزيون الحكومة مصيرها اليوم سلة المهملات.
أريد أن يتوقف الهمس واللمز وأن يحصل «رقيب العسس» الذي يصنف ولاء الأردنيين في الإعلام على جرعة تدفعه للسبات قليلا حتى يعمل القوم مع مؤسساتهم السيادية المبدعة.
وحتى يحمي الأردني تجربته ومعدنه بالدم والعرق فأنا لا أعرف معارضا عميقا وصاحب رأي لديه ملاحظات لا يحب الأردن ولا يؤمن بدولته ونظامه، أو يحب أن «يساء للعباد وتخرب البلاد».
وبصراحة، بالعكس تماما وبحكم عملي، سمعت مثل هذا الخواء مرارا وتكرارا من أشخاص مغرقين في النفاق عندما منع عنهم إمتياز، أو غادرهم منصب ووظيفة أو مصلحة.