اراء و مقالاتمقالات وآراء

«تقسيط… جدولة… تأجيل»… الأردن في سؤال المليون: في أي «درج» تم وضع «مشروع الضم»؟

 

لا تبدو المقاربة السياسية مقنعة جداً فيما يتمسك الأردن بموقفه العلني نفسه من مشروع الضم الإسرائيلي… أين ذهب وفي أي درج ملف مشروع الضم الإسرائيلي؟
يعود السؤال دوماً إلى سطح الأحداث، ولا يحتاج إلى قذيفة صاروخية شاردة مجدداً تنفجر في الأرض الأردنية بالقرب من نقاط التماس بين إسرائيل وسوريا بعد الاعتداء العسكري الإسرائيلي الأخير.
على الحدود لا تزال تنطبق معايير المستشار في القصر الملكي الأردني والخبير سعد هايل السرور، التي تقول بأن الأردن في الحرب والسلام «ينبغي أن يسهر ليله الطويل» ما دام في سوريا أزمة وفي إسرائيل يمين يعتدي وطموحاته كبيرة.
في اجتماع ضم نخبة من رجال الدولة وقدامى السياسيين في القصر الملكي الأردني الأسبوع الماضي، طرحت مجدداً تحديات وهموم مشروع الضم الإسرائيلي، واقترح السياسي المخضرم طاهر المصري عدم الاسترخاء إطلاقاً وتجنب بناء أي رهان على عدو يتربص بمصالح الأردن ولديه خطط وبرامج بعنوان تصفية القضية الفلسطينية. والمصري نفسه عبر إلى تصريحات منقولة أثارت الجدل لرئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور فايز طراونة، بعنوان فلسطينية الأغوار والأزمة في مسألة الضم، لكن دون تسمية صاحب هذه الاقتراحات.

التسلل ثم رسم أمر واقع ولاحقاً التفاوض… «ثلاثية» يحذر منها أبو عودة مجدداً

تقصد المصري في اللقاء الملكي التأشير على أن كبار السياسيين ورموز الدولة ينبغي عليهم أن يلتزموا بالنص وعلى أساس الثوابت في المصالح السياسية العليا في الأردن؛ تجنباً لأي التباس، معتبراً أن البلاد مستهدفة، وهو ما سمعته «القدس العربي» منه في الواقع مرات عدة.
كان مناخ الحوار الملكي مناسباً لأن يجدد الملك عبد الله الثاني موقفه العلني ومنعاً لأي تأويل، وهو يعتبر أن الثوابت خط أحمر، وبأن مشروع الضم في كل تفصيلاته مرفوض تماماً.
الإشارة المرجعية هنا لا تقصد مشروع الضم الذي تم تأجيله تكتيكياً مؤخراً فقط، ولكن -حسب أحد حضور الحوار- تريد التأكيد على أن العقل المركزي السياسي الأردني يرفض مشروع الضم في الحاضر والمستقبل أيضاً، كما يرفض أي سيناريوهات تتحدث عن جدولته أو تقسيطه أو تأجيله، فعدم وجود أو قيام دولة فلسطينية مستقلة لا يزال في وجدان السياسة الأردنية يشكل خطراً محدقاً على الهوية الوطنية الأردنية، كما يقول وزير الإعلام الأسبق محمد المومني.
ما يقوله المومني أو غيره في سياق الصراع المفتوح مع الإسرائيلي، مقدمة مناسبة لتوحيد الصف الأردني على الأقل مرحلياً، والانطباع العام يرجحه المفكر السياسي عدنان أبو عودة وهو يناقش مع «القدس العربي» الجدل الحالي في السياق، حيث انطباع وهمي بأن الإسرائيلي يستبعد مشروع الضم، وحيث ضرورة الانتباه إلى عدم وجود خبراء في الجانبين الأردني والفلسطيني اليوم يستطيعون تفكيك ألغاز وأسرار الفكر الصهيوني الذي يقود الإسرائيليين.
وجهة نظر أبو عودة قديمة وثابتة وتتجدد، ومحورها ثلاثية خبيثة ومختلة في التخطيط العدائي؛ حيث التسلل أولاً، ثم فرض أمر واقع ثانياً، وفتح المجال –ثالثاً- أمام مفاوضات تخص الأمر الواقع بعد التسلل و/أو عودة يستبعد أي نجاح في التصدي والمواجهة ما لم يتم إدراك حقائق ووقائع الأمور. لكن السؤال بقي عالقاً وسط الأردنيين عن تلك الأدراج الغامضة التي وضع فيها ملف مشروع الضم، ولو مؤقتاً، حيث موقف رسمي وملكي علني يحاصر ويحشر تلك الرؤى الفردية التي يعبر عنها تيار محلي على رأسه الطراونة ويوجد غيره طبعاً، في سياق تجنب المواجهة المفتوحة مع الإسرائيليين، وعلى أساس أن الضم مشكلة فلسطينية وينبغي أن لا تتحول إلى أزمة مع الأردن.
لا أحد يحفل في الطاقم الرسمي الأردني اليوم بتلك الرؤية، لكن الجناح السياسي الذي لا يرى مصلحة في التأزيم مع اليمين الإسرائيلي في ظرف حساس جداً هذه الأيام أيضاً جناح نافذ وله حضور لا يستهان به في معادلة النخبة الأردنية.
أحد الأكاديميين البارزين في الجامعة الأردنية يصر على إقامة حوارات خارج الأضواء ودون إعلان، لها علاقة بتحديد مصلحة الأردن في التصعيد مع اليمين الإسرائيلي أو في التفاهم معه، مستنداً إلى حيثيات لها علاقة بنمو التطبيع الخليجي الإسرائيلي وضعف وتفريط المؤسسات والفصائل الفلسطينية. لكن أبو عودة يعود ويحذر هنا من هذه «العقلانية الواقعية» المزعومة، وهو تحذير يوافق عليه أيضاً المصري، وهو يعتبر أن الأخطر في المشروع الإسرائيلي ليس الضم نفسه، فالأرض أصلاً محتلة.
ولكن ما تعنيه التداعيات تمكين العدو من شرعنة خطواته في تصفية القضية ثم طموحاته بالتوسع شرق نهر الأردن، ولو تحت عنوان التهجير الطوعي أو القسري، بل وتحت يافطة نقل الأزمة وتصديرها والعودة لبهلوانيات الخيارات في العمق الأردني. فأين ذهب مشروع الضم وفي أي درج وضع مؤقتاً أو تكتيكياً؟.. هذا هو سؤال المليون الذي يتجول بكثافة وسط المخاوف الأردنية اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى