نتنياهو «يستعلي» مجدداً ويضع ملحاً في جرح «الغاز» الأردني… والشارع غاضب ويسأل عن الكبار: مجتهدون أم «مجرمون»؟
لا يكشف وزير الطاقة الإسرائيلي المحسوب على اليمين بطبيعة الحال، يوفال شتاينس، سراً كبيراً عندما يعلن بأن الكيان الإسرائيلي يزود الأردن بالغاز أصلاً منذ عامين. وعليه، لا مبرر للشعور بأي صدمة، لا من هذه المعلومة ولا من ضخ غاز مسروق، في وجدان الشعب الأردني صبيحة اليوم الأول من العام الجديد.
المستثمرون الأجانب والعرب في شركة البوتاس الأردنية وملحقاتها يعلمون جميعاً بأن بعض كميات الغاز كانت تورد فعلاً إلى أعمال هذه الشركة وبسعر معقول حسب إداراتها. بمعنى آخر، الرواية الإسرائيلية هنا دقيقة؛ فغاز الكيان كان يستخدم بكميات محدودة لصالح شركة البوتاس وليس الحكومة الأردنية.
والغاز اليوم نفسه وصل تجريبياً إلى أنابيب الأردن صبيحة العام الجديد، بالرغم من كل الضجيج المثار تحت قبة البرلمان أو في الشارع الأردني. بالنسبة إلى الرجل الذي يدير الأمور في شركة البوتاس، وهو المهندس جمال الصرايرة نائب رئيس الوزراء الأسبق، الأسعار أقل من نظيرتها من مصر.
الصرايرة، وهو بيروقراطي وسياسي وخبير نفطي متقدم، يعتزل قصداً النقاش المتفاعل في بلاده حول الغاز المسروق، ولا يجد نفسه مضطراً للاشتباك مع التفاصيل، باعتباره اليوم يمثل واحدة من أضخم شركات التعدين الأردنية، ولا علاقة له بالحكومة أو السلطة. وبكل حال، المقاربة التي يطرحها الصرايرة بحقنة مرسومة بدقة تبعده عن أضواء الجدل.. تتحدث عن غاز تم توقيع اتفاقيته مع شركة أمريكية وليس مع الحكومة الإسرائيلية. ويقترح الصرايرة مثلاً خلف الستارة بأن البئر التي يستخرج الغاز المرسل لبلاده منها موجودة في المياه الدولية وعلى بعد 83 ميلاً بحرياً عن المياه الإقليمية الفلسطينية. وما يريد الصرايرة قوله، استناداً إلى اتصالاته مع وزارة الطاقة، أن الغاز أمريكي وليس إسرائيلياً في المحصلة.
لكن وزيرة الطاقة، ورغم أن رواية الصرايرة للأحداث تساعدها، قررت تفويت اللحظة وتصر في نقاشاتها وتصريحاتها على أن الاتفاقية باسم الغاز الإسرائيلي. وتصر الوزيرة هالة زواتي على تلك التسمية، وتتجاهل تخريجة الصرايرة الذكية رغم أن كلمة إسرائيل هي التي تشيع الإحباط والاعتراض في الشارع الأردني.
لكن ليست زواتي وحدها في المساحة الواقعية هنا وبالاتجاه المعاكس لمقاربة مجموعة البوتاس، فبنيامين نتنياهو وضع ملحاً في الجرح وبطريقة استعراضية واستعلائية مجدداً عندما ناكف الجملة الأردنية واحتفل بضخ الغاز التجريبي صبيحة اليوم الأول من العام الجديد، وعلى أساس أن ضخ الغاز المسروق من سواحل فلسطينية، بكل حال، إلى مصر والأردن هو حدث تاريخي بالنسبة إلى دولة الكيان.
الصرايرة يحاول مساعدة «زواتي»… وأسئلة عن «صمت» النسور والملقي والرزاز وسيف وحامد؟
نتنياهو ووزيره للطاقة استفزا الشارع الأردني مجدداً وأحرجا حكومة عمان عبر القول بأن دولة الكيان تحولت الآن إلى دولة نفطية، لكن ذلك برأي القطب البرلماني صالح العرموطي، مجدداً، يحصل في ظل الخنوع العربي وعلى حساب الشعبين الأردني والفلسطيني، في جريمة قد لا تنضبط تحت تصنيف الاجتهاد والمجتهدين.
نتنياهو، من جهته، يتجاهل اعتراضات سكان سواحل فلسطين على بئر الغاز الأمريكية الجديدة، وهو اعتراض لأسباب بيئية فقط، ولو كانت الرواية التي تقول بأن الغاز الإسرائيلي المصدر للأردن يستخرج فعلاً على بعد أكثر من 80 ميلاً بحرياً من المياه الدولية، لما اعترضت جمعيات البيئة والإسكان الإسرائيلية. في كل حال، أصبحت اتفاقية الغاز واقعاً موضوعياً. وفي الوقت الذي تتبرأ فيه الوزيرة زواتي علناً من مسؤولية التوقيع على هذه الاتفاقية وتمريرها في عهد حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.. في هذا الوقت يصمت مسؤولون وسياسيون كبار في مواجهة جدل الشارع العاصف.
من بين الصامتين حتى اللحظة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد الله النسور، وسلفه الدكتور هاني الملقي. ومن بينهم وزيرا طاقة، قالت مصادر الحكومة الحالية إن الاتفاقية وقعت في عهدهما، وهما الدكتور إبراهيم سيف، ومحمد حامد. وينشط الميكرفون في التبرير والتمرير بيد الوزيرة زواتي.
ويحاول الصرايرة المساعدة، فيما دخل الوزيران السابقان حامد وسيف في حالة صمت، رغم أن الحكومة هي التي طرحت اسميهما، ورغم أن سيف على الأقل صديق شخصي ومقرب جداً من الرئيس الرزاز، فيما لا يصدر أي شرح من أي صنف عن رئيسين ثقيلين مثل الملقي والنسور.
تزيد الجبهة الشعبية المناهضة لاتفاقية الغاز مستوى التعقيد عندما تعلن مساء الأربعاء عن مسيرة شعبية ضخمة باسم «جمعة الغضب» لا تهدف فقط إلى إسقاط تلك الاتفاقية، بل تدعو في بيانها إلى محاكمة المسؤولين عن توقيعها من الحكومات السابقة.
وتستعمل مفردات حادة من وزن «مجرمين» لا تعلق عليها حكومة الرزاز كما ينبغي أن تفعل في مواجهة مثل هذه المبالغة الدرامية الشعبية، في الوقت الذي يتم تذكير الوزيرة زواتي فيه بأن التاريخ سيذكر عدم تضامنها مع زملائها في الماضي، وبأن الاتفاقية إذا ما كانت قد وقعت في عهد حامد أو سيف فقد نفذت في عهدها رغم أنها كانت معارضة علنية لها.
تتوسع بالتوالي عقدة التعقيد الشعبوي؛ لأن عبارة «جمعة الغضب» كانت تختفي من قاموس الشارع والحراك لولا ضخ الغاز في العام الجديد.
لكنها تعود للواجهة وسط أجواء اقتصاد محتقنة، ساند الاحتقان فيها قرار غامض وغريب من حيث التوقيت للجنة التسعيرة الوزارية، قرار يرفع أسعار المحروقات صبيحة العام الجديد وفي عمق الموسم الشتوي ودون أن ترتفع بالمقابل، كما يقول الخبراء، أسعار النفط في السوق الدولية.