هل يفتح «خطاب نيويورك» القنوات المغلقة؟ «إخوان» الأردن عبر «نوابهم» يحاولون التواصل مع القصر والدولة
عمان- «القدس العربي»: “بيان مباشر وصريح” يدعم خطاب الملك عبد الله الثاني في نيويورك بتوقيع كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني.
تلك خطوة “سياسية برلمانية” محسوبة وفي موقعها الزمني تماماً قبل انعقاد دورة البرلمان التي ستتأجل قليلاً على الأرجح بانتظار ترقب “تعيينات مجلس الأعيان” ومعرفة ما إذا كانت ستضم بصورة نادرة وبمباركة القصر الملكي “شخصيات” إسلامية محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
ما فعلته كتلة الجبهة في السياق، تعبير مباشر ليس عن “صدفة سياسية” بقدر ما هي تعبير عن “التقاط سياسي ذكي” ومباشر عبر إصدار بيان يثمن بوضوح مضمون ومحتوى الخطاب الملكي المهم جداً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة الذي رسم الموقع والتموقع الأردني بدوره من مجمل التدحرج الإقليمي للصراع.
بيان نواب الحركة الإسلامية عملياً شكل “علامة فارقة” ليس لأنه تضمن تأييداً لخطاب لا يمكن إلا مساندته أخلاقياً ووطنياً وأردنياً وفلسطينياً فقط، ولكن لأنه بيان مدروس بعناية تضمن وبلهجة نادرة بالمقابل “حث الدولة ومؤسساتها” وأسس لملامح أول تبادل محتمل لرسائل الود والرغبة في الكيمياء بين التيار والقصر الملكي.
ما قاله الإسلاميون هنا عبر “هوامش نوابهم” لماح للغاية سياسياً، خصوصاً وهم يتحدثون بعد “دعم الخطاب الملكي” والإشادة به عن مفردة ملكية تعكس “واقع الإحساس العام” وسط الأردنيين بمخاطر الأطماع الإسرائيلية أو حصراً مخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي في الأردن.
البيان طبعاً صيغ بعناية فائقة وبمضمون وطني وسياسي له تأثيرات متعددة، فالتيار الإسلامي عبر كتلته التي تمثل الأغلبية الآن في البرلمان، يذهب إلى ما هو أبعد من “تثمين الخطاب الملكي” عندما يدعو المؤسسات الوطنية والرسمية للدولة جميعها بدون استثناء لالتقاط مضمون الخطاب والوقوف معه لا بل الالتزام بتنفيذه.
المعنى هنا أن المؤسسات السيادية والرسمية وفي مفارقة لا تحصل إلا في الحالة الأردنية، بات مطلوباً منها من جهة نواب الحركة الإسلامية، إظهار القدرة على التكيف والالتزام بمواجهة تلك المخاطر التي وردت في الخطاب الملكي.
أي نظرة سطحية لمثل هذا التحول في تبادل الكيمياء بين القصر والإسلاميين تحت وطأة الحرب الإقليمية الشاملة التي يسعى الإسرائيلي لتوسيعها، ستبقى “قاصرة أو كيدية” إذا قرر بعض الموظفين بأن البيان ليس أكثر من “مزايدة سياسية”.
لعل المزايدة السياسية هنا هي في إنكار أهمية إصدار مثل هذا الترحيب الجماعي النيابي في توقيت حرج يعلن فيه الأردني الرسمي والسيادي بأن المملكة لن تقبل بـ “الوطن البديل”، ما يعني بكل بساطة أن مخاوف السيناريو البديل التي حذر منها الإسلاميون وغيرهم موجودة ودخلت في سياق التقييم المؤسسي المرجعي بدلاً من إنكارها.
لا يمكن بعد معرفة الخلفية التي قررت بسببها مرجعية الإخوان المسلمين ترك “ميكروفون” التثمين للخطاب لكتلة حزبها البرلمانية، لكن الأمر على الأرجح ينطوي على تبادل تكتيكي منتج للأدوار ورغبة كامنة في “إفساح مساحة” لتلك الكتلة قبل انعقاد الدورة البرلمانية، حيث ينتظر الجميع إرادة ملكية تحدد توقيتها.
المسألة لا يمكن حسابها على المزايدة السياسية، وأصغر مواطن أردني اليوم يصفق لمضمون خطاب الملك في نيويورك.
ويطالب الحكومة وأجهزتها وأذرعها بالارتقاء إلى مستوى مواجهة المخاطر التي عرضها قائد البلاد هذه المرة وليس المعارضة أو المواطنون في الشارع أو الحراكات الشعبية، أو المتظاهرون وقواهم في ضاحية الرابية غربي العاصمة عمان، أو الساحات العامة في أي مكان داخل المملكة.
ذلك تطور لافت لا يمكن إنكاره في “استشعار المخاطر” أردنياً، والتوقف عن “إنكارها”، كما سبق أن طالب عبر “القدس العربي” المخضرم طاهر المصري. وهو تطور لا يقل أهمية عن سعي الإسلاميين -عبر نوابهم تحديداً- لتأمل اللحظة الوطنية الراهنة بعيداً عن “كمائن الماضي” وجذور ومساحات الشك وغياب اليقين في العلاقة مع الدولة.
الإسلاميون عملياً “يصافحون الدولة” ببيانهم، ويوجهون رسالة لمؤسسة القصر تؤكد ما كان مؤخراً يؤكد عليه أو يلمح إليه المراقب العام لجماعة الإخوان الشيخ مراد عضايلة، بعنوان “الشعب ونحن والجيش مع الدولة، والحكم في مواجهة مشروع الأطماع الإسرائيلية”.
“نحن شركاء، ويشرفنا أن نتصدى للمؤامرة الصهيونية على الوطن”، هذا ما قاله العضايلة مراراً في عدة مناسبات، وما يقوله ضمناً بيان الكتلة النيابية هو الاستعداد التام للوقوف مع “الدولة” ضد “تلك المخاطر” في قيمة رفض رئيس الكتلة القطب البرلماني صالح العرموطي، عندما تحدثت معه “القدس العربي” مؤخراً أي مزايدة على وطنية الإسلاميين بخصوصها، مؤكداً: “مستعدون مع جميع شرفاء الشعب الأردني للتضحية بكل شيء من أجل حماية الأردن”.
طبعاً، لا يريد متعددون، خصوصاً في بعض أجنحة القرار والنخب التي بنت مجدها على التخاصم مع الإخوان المسلمين و”شيطنتهم” حتى برفقة المقاومة الفلسطينية أحياناً، مشاهدة أو ولادة أو حتى رصد “رسائل شراكة” وخطاب معتدل من هذا الصنف لدى الإسلاميين.
ولا يريد هؤلاء مع عدد محدود من الإسلاميين أيضاً ذلك، لأن “امتيازاتهم” قد تتطلب الاعتماد فقط على صيغة” أن الإسلامي الجيد هو المعارض للنظام فقط”، بينما قال بيان الكتلة بمعادلة مختلفة تماماً قبل يومين.
لذلك، تطرق بيان الإسلاميين إلى مساندة الموقف الذي أعلنه الملك في رفض تهجير أهل الضفة الغربية واعتبار ذلك بمثابة إعلان وجريمة حرب، ما يعني أن المؤسسات الإسلامية جاهزة لـ “خدمات الشراكة” عندما تطلب.
لا يعرف لا العرموطي ولا غيره من أعضاء كتلته بعد، ما هي الترجمة المحتملة لتلك المساحة التي برزت ما بين موقف القصر الملكي، لا بل تشخيصه للظرف الفلسطيني والإقليمي الحالي بصورة متقدمة وبين بيان تأييد يذهب إلى النقطة التي تغفلها بيانات التأييد في الأحزاب الوسطية ” الموالية” بالعادة.
وهي ترجمة الرؤية الملكية في المسألة الفلسطينية والصراع مع إلى سياسات وخطوات محددة استعرض الإسلاميون بعضها على مستوى المؤسسات التنفيذية، ومن بينها العودة إلى النصوص الجهادية والعسكرية، بمعنى الإشارة إلى عودة خدمة العلم وتسليح الأردنيين وتدريبهم ومراجعة كل الأولويات الوطنية وإظهار القدرة على الالتزام بتنفيذ ما ورد في خطاب نيويورك.
هل يعني ذلك شيئاً محدداً حيث تناغم ومساحات مشتركة، وقبل ذلك انتخابات نزيهة صعدت بحضور التيار الإسلامي وبقوة، ولاحقاً خطاب واضح في المصالحة الوطنية من رموز ونواب الحركة الإسلامية تحت عنوان “جاهزون للعمل مع النظام والمؤسسة الملكية والدولة في إطار الحفاظ على الأردن ومسار التحديث… هل يعني ذلك شيئاً محدداً؟
الإجابة الأعمق عن السؤال تحتاج لمزيد من الوقت، لكن بعض المؤشرات ستبرز عند الوقوف على محطتي حسم ملف تركيبة مجلس الأعيان وكيفية إدارة الثقة في وزارة جعفر حسان.