اراء و مقالات

الوصاية و«الوصايا العشر» وفاتورة «الانتظار»: لماذا لا يستعين الأردني بـ«الصديق التركي»؟

عمان- «القدس العربي»: يمكن ببساطة للأردن ما دام في حال الدفاع عن استراتيجيته بشأن ملف القدس والوصاية على المسجد الأقصى، أن يستعين إن أراد بـ«الصديق التركي».
تلك توصية وردت على الأقل ضمن تقارير مرجعية لثلاث ندوات نقاشية مغلقة على مستوى الخبراء، حضرتها «القدس العربي» ضمن سلسلة من التوصيات، بدأت بإصلاح العلاقة مع السعودية، ثم إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مشروطة بعدم التدخل أمنياً مع إيران، ثم إعادة إنتاج العلاقة مع المحيط الإقليمي وتعزيز الاقتصاديات لا بل بؤر التقارب السياسي أيضاً مع الجمهورية التركية.
قبل أشهر، وصف رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، بحضور «القدس العربي» وإعلاميين من إسطنبول، تركيا بأنها بلد جار ومهم، وأفاد بأن بلاده تتطلع لإقامة علاقات استراتيجية أكثر مع تركيا.
لكن هواجس العلاقة مع تركيا في مسارها الأمني لا تزال قيد السيطرة إلى حد ما، وإن كانت الاعتبارات الأمنية حصرياً في إدارة الملفات الخارجية والدبلوماسية الأردنية لم تعد منتجة بحكم سرعة المتغير الإقليمي العملاق الذي يفرض نفسه كسلسلة عواصف تفاجئ صانع القرار بين الحين والآخر، هذا أولاً.
وثانياً، المعطي الذي يقدمه اليمين الإسرائيلي يومياً في انقلاب مباشر من المستحيل نفيه أو تخفيف أضراره الآن ليس على مصالح الدولة الأردنية الأساسية، لكن على الهوية الوطنية الأردنية نفسها، كما يقدر القيادي العشائري البارز الشيخ طراد الفايز، ووفقاً للتقدير نفسه الذي يتبناه أيضاً مثقفون كثر في الخارطة السياسية الأردنية، أبرزهم وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، وغيره. وفي المقاربة نفسها، لا أحد يفهم بعد لماذا لا تقترب عمان من أنقرة أكثر سياسياً على الأقل في هذه الأيام الصعبة التي تعيشها الوصاية وتتدحرج فيها معطيات اليمين الإسرائيلي لتلطم كل ما هو ثابت ومقدس أردني.
ولا أحد يفهم على أي أساس يتم إرجاء أو تعطيل أو التباطؤ في تنفيذ استراتيجية الانفتاح التركي على الأردن، فكل ما يرد من الدبلوماسيين الأردنيين العاملين في أنقرة، والدبلوماسيين الأتراك العاملين في عمان، وكل ما يرد من الزوار السياسيين في الاتجاهين، يؤشر على توصيات يومية من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعتبر الأردن بلداً مهماً وصديقاً وشقيقاً. والإيحاءات هنا تسعى لإقامة علاقة دائمة وإيجابية، وبعض الأطراف ترى مرحلياً بأن أجندات مصلحية أردنية تتقاطع مع النمو الطبيعي للعلاقة.
الاهتمام التركي بالأردن كان ولا يزال متواصلاً، لكن بعض العقبات في طريق العلاقة المستقبلية للبلدين يبدو أنها تبرز بين الحين والآخر، وأن الأهم في مقاربة الوصايا الأردنية العشر، كما فسرها أحد السياسيين الخبراء، تجاوز ما سمي في ورشة عمل محكمة حضرها خبراء أوروبيون بـ «سيناريو الانهيار والخطر» على صعيد القضية الفلسطينية، الذي ينبغي أن يقابله «سيناريو المخرج».
في نقاشات سيناريو المخرج سواء على الصعيد النخبوي الرسمي في الأردن أم على صعيد النخب والصالونات السياسية، تبرز بين تلك الوصايا العشر الأساسية دوماً الاستعانة بالصديق التركي على نحو فعال، حيث مساحات من العلاقات التركية الإسرائيلية يمكن الاستثمار فيها، وحيث موقف متكرر ومتردد من المؤسسة الرئاسية التركية تدعم الوصاية الهاشمية والدور الأردني في القدس، وحيث يمكن ببساطة توظيف البوصلة التركية لصالح مسار الوصاية الهاشمية الأردنية.
لكن لا تزال الأسباب التي تحول دون ذلك غير مفهومة، قد ترتبط بعض تلك الأسباب باستراتيجية الانتظار والترقب والتكيف والتعامل مع تطورات المشهد الإسرائيلي التي تتدحرج حتى في الشارع الأردني عملياً، ليس بحكم الجغرافيا والتشبيك بين المكونات الاجتماعية داخل الأردن وفلسطين المحتلة، ولكن بحكم الاعتبارات المتعلقة بالأمن السياسي الإقليمي بالدرجة الأولى.
ويبدو واضحاً لجميع الأطراف أن سيناريو الانتظار والترقب قد يشكل المحطة أو الملمح الرئيسي لاستراتيجية رد الفعل الأردني الدبلوماسية حتى الآن.
ويمكن ببساطة لمن يزور عمان سياسياً أن ينتبه؛ لأن التريث هو الذي يسيطر على الإيقاعات ليس عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع دولة مجاورة في الإقليم ومهمة مثل ســوريا، ولكن أيضاً عندما يتعلق بالآفاق التي فتحها على كل بؤر الصراع الاتفاق السعودي الإيراني الاستراتيجي الضخم مؤخراً، مع أن الترقب والانتظار دون المبادرة والاشتباك أو حتى وضع خطة محددة ومعلنة للاشتباك، يشمل أيضاً انتظار سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية.
والرهان مجدداً على عودة التيار العلماني للحكم في إسرائيل، وهو رهان فاشل حتى برأي خبراء كبار أصروا طوال الوقت على أن التيار العلماني الذي حكم إسرائيل لعقود ووقع اتفاقية وادي عربة هو الذي لم يلتزم بكل مضامين تلك الاتفاقية واستمر في عملية التضليل والمراوغة واللف والدوران.
في كل حال، ما يمكن قوله بالخلاصة يـــشير إلى أن استراتيجية الترقب المكلفة هي التي تحيط بأي عملية توظيف فعالة أو ناجحة يمــــكن أن تكون بين الاحتمالات للدور التركي ليس على صعيد دعم الوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية على أرض الواقع أو من خلال الأدبيات والخطابات السياسية، ولكن دعم تلك الرعاية من خلال ما هو أبعد عبر الاستثمار المنتج في الـــعلاقة التركية الإسرائيلية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى