الأردن في ظل «مصارحات الخصاونة»: إصلاح الإدارة يترنح أم يتخبط؟
عمان – «القدس العربي»: ما الذي لا يمكن فهمه حتى يثار الجدل حول سلسلة من التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، مؤخراً، وكانت بمثابة إعلان عن نية الحكومة الإدارية بشكل خاص، وتوضيح لملابسات ما تردد حول وجود ثروات طبيعية أو عدم وجودها تكفي الاقتصاد الأردني؟
الخصاونة هو أقل رؤساء الوزارات تقريباً منذ سنوات طويلة ظهوراً عبر الإعلام. وقرر الأسبوع الماضي التحدث لمجموعة من الشباب في إطار الإجابة عن أسئلة محددة. لكن الإجابات لم تعجب العديدين من ممثلي الأوساط الإعلامية ولا حتى بعض المراقبين، فأثارت الضجة.
والأهم في اللقاء الشبابي لرئيس الوزراء هو طريقته في التحدث والصيغة التي طرحها بإعتبار حكومته على الأرجح بالرغم من توقعات التعديل الوزاري الوشيك هي الحكومة التي حصلت على تفويض مرجعي وملكي لإدارة ما تبقى من توصيات ومقررات الإصلاح الإداري تحديداً، وخصوصاً في مجال تطوير خدمات القطاع العام، وهو ما سلط الضوء عليه الدكتور الخصاونة بوضوح وصراحة عندما أشار إلى بعض ملامح خطة الإصلاح الإداري. وهي الخطة التي يعتبرها القصر الملكي الركن الثالث في مشروع تحديث الدولة بمئويتها الثانية، وتتضمن إلغاء بعض الوزارات المهمة وبعض المؤسسات.
ورغم أن الحكومة لم تشرح بعد الأسباب الوجيهة التي تدفع باتجاه إلغاء وزارة مثل وزارة التعليم العالي حصرياً كما قال الخصاونة بوضوح، لكن بعض القرارات المتعلقة بالمؤسسات يعتقد مراقبون وخبراء أنها تتميز بقدر من التخبط والعشوائية.
«تلازم مسارات الإصلاح»
في موضوع الإصلاح الإداري، لا يعرف الرأي العام ما هي بصورة محددة بوصلة القرار وإلى أين ستتجه، ومع غياب الروايات الحكومية المتماسكة يمكن القول إن أي قرارات أو توصيات في اتجاه الإصلاح الإداري حصرياً تثير الجدل، وهو بكل حال ما يتوقعه الرئيس الخصاونة طوال الوقت.
الدكتور ممدوح العبادي، وهو سياسي خبير، كان قد لاحظ مبكراً مع “القدس العربي” بأن غالبية أعضاء اللجنة الذين اختيروا للتفكير بتطوير القطاع العام ليسوا من خبراء أو أبناء القطاع العام، والخصاونة بدوره تحدث مبكراً عن تلازم مسارات الإصلاح، والمقربون منه على قناعة بأن إصلاح الإدارة والتنشيط الاقتصادي يتطلبان مالاً بالمقام الأول.
المنطق من وراء إلغاء وزارة التعليم العالي هو تعزيز استقلالية الجامعات بشكل خاص، لكن إلغاء الوزارة -وهي وزارة ضخمة جداً بالمناسبة وترتبط دوماً بوزارة التربية والتعليم- يعني تعزيز دور الجامعات واستقلاليتها الإدارية والمالية، الأمر الذي قد يعني لاحقاً عدم وجود جهة رقابية على المستوى المرتبط ببرامج التعليم العالي الأكاديمية لا مالياً ولا إدارياً، مما قد يرفع أسعار الخدمات الجامعية للأردنيين بصورة خاصة، وإن كانت الرقابة ستبقى موجودة عبر مجلس التعليم العالي.
وسبق للحكومة أن قالت بإلغاء وزارة العمل، لكن يبدو أن هذه التوصية تم التراجع عنها لأن الواقع العملي كشف النقاب عن عدم وجود جهة بديلة في الجسم الحكومي يعوض نوعية الخدمات التي تديرها وزارة العمل، علماً بأن التجربة كانت إحالة أعمال وزارة العمل تحديداً إلى إدارة صغيرة داخل وزارة الداخلية. وهو أمر من الواضح أن خبراء وزارة الداخلية البيروقراطيين، وخصوصاً من الحكام الإداريين، لا يجيدون التعامل مع أو لا يفهمون ما هو المطلوب من هذا التحول.
في المقابل، لمح الخصاونة إلى أن المطلوب إزاحة مؤسسة بيروقراطية مهمة كبيرة، هي ديوان الخدمة المدنية. وهي المؤسسة المعنية بتوظيف الأردنيين في كوادر القطاع العام، ولم تشرح الحكومة بعد كيفية نظرتها إلى أن إلغاء ديوان الخدمة المدنية بدلاً من تطوير وقوننة أعماله، يمكن أن يؤدي إلى تطوير خدمات القطاع العام. ورغم ذلك، الانطباع الأولى هو أن الحكومة باتجاه تقليص كادر القطاع العام. وهي مسألة ستثير نقاشاً سياسياً واجتماعياً حساساً. وقد لاحظ الجميع أن الأحزاب السياسية الجديدة لم تتطرق لها.
لا بد من الوقوف عند تأسيس هيئة بديلة تتولى بعض أعمال ديوان الخدمة المدنية، لكن إلغاء هذا الديوان قد يؤشر إلى أن سياسة التوظيف الحكومية ستتجمد بعد الآن، مع أن وثيقة التمكين الاقتصادي تحدثت عن إنتاج مليون وظيفة جديدة للأردنيين خلال السنوات العشر المقبلة.
وظائف القطاع الخاص
وهي وظائف ترى الحكومة أنها يجب أن تولد من القطاع الخاص وليس في القطاع الحكومي، بمعنى أن مؤسسات دولية مانحة هي التي فرضت خلف الستائر مثل هذا الإجراء على الحكومة الأردنية لترشيق الكادر والتخلص من وظائف الحمولة الزائدة، ومن ثم تقليص فاتورة الرواتب ودخول التقاعد للعاملين والمتقاعدين في كوادر القطاع العام. ما بين السعي لإرضاء المؤسسات المانحة والدولية ثم تجنب إغضاب الشعب والحرص بالتلازم على تمرير وثائق التمكين، ثمة انطباع عام بأن حراك الإصلاح الإداري يترنح أحياناً أو يتخبط.
ولم يعرف بعد كيف ستدار مثل هذه الاشتباكات، لكن في المحور الثالث لصراحة الخصاونة اتضح أن المقصود في العبارة التي قالها بخصوص الأوهام هو الإشارة إلى أن الحديث عن الأردن باعتباره دولة ثرية وغنية هو الوهم وليس الموارد الطبيعية وهماً.
وهنا يوضح مصدر بأن العبارة واضحة الملامح، والمواطن الأردني ينبغي أن يتخلص من إحساسه بأنه يعيش في دولة ثرية وغنية، لكن حكومته لا تريد له أن ينعكس الأمر على المواطن بنظام رفاه اجتماعي. لذا، ما قاله الخصاونة مرتبط بوهم فكرة الدولة الغنية والثرية وليس بوهم وجود أو عدم وجود موارد طبيعية.
الأهم أن الخصاونة الذي لا يجيد بطبيعته مخاطبة الغرائز، يحاول التحدث بالوقائع ويمهد تقريباً لسلسلة من التوصيات المؤلمة والموجعة في مجال الإصلاح الإداري بإطلالته الإعلامية والشبابية الأخيرة. وهذا يعني أن حكومته كلفت بإكمال مسار الإصلاح الإداري خلال العام المتبقي تقريباً لها قبل الانتخابات البرلمانية بعد شهر تموز لعام 2024.