الجزائر ..على “كرسي متحرك”.. “أزمة البديل”
النقاش المحتدم في الجزائر حول إرسال ملف ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقه يمهد عمليا لصنف صاخب من الحوار في بلد يبحث عن الإستقرار بصرف النظر عن هوية الرئيس الحاكم .
الجزائر مشغولة اليوم بخطابات الجنرالات ومؤشرات الحراك الشعبي .
والرصد متعب جدا لما يجري وما يمكن ان يجري.
لكن أهداف الاصرار على ارسال ملف ترشيح الرئيس بوتفليقه رغم حالته الصحية المتردية سياسية وذكية :
# احتواء وتخدير الشارع الجزائري الصاخب المعترض على الولاية الخامسة.
# العزف على الوتر العاطفي عند الشعب الجزائري خصوصا عبر اثارة مشاعره للتعاطف مع الرئيس المريض بواسطة وعده بإجراء انتخابات مبكرة لا يترشح لها .
# الايحاء بان هدف بوتفليقة والمجموعة النافذة حوله هو الاستقرار في الجزائر قبل كل شيء عبر العزف على وتر انتخابات رئاسية مبكرة يقودها الرئيس المريض .
# الاهم هو ان ارسال ملف الترشيح يحسم الجدل حول السيناريو الذي كان يتم ترتيبه في الكواليس بعنوان استبعاد ترشيح الرئيس المريض بمعنى وفاة سيناريو البديل السريع واللعب بورقة مرحلة انتقالية تعزز الاستقرار وعبر بوتفليقة نفسه .
# ايضا منع سيناريو امريكي يحاول التدخل عبر الحديث عن مرحلة انتقالية يقود فيها البلاد بدلا من بوتفليقة رئيس الجمعية الوطنية ” البرلمان ” .
اما بخصوص الهدف من ارسال ملف الترشيح وتجاهل صخب الشارع ودعوات عدم ترشيح بوتفليقة فه بحسب الخبراء العميقون توفير عنصر الوقت وتجاوز الاستعصاء الزمني على اساس ان القوى التي تدير الامور خلف الستارة اخفقت عمليا في توفير بديل ناجح وفعال عن بوتفليقة يترشح وينجح ومسيرته منضبطة وفقا لما تريده المؤسسة العسكرية والتي بدورها يوجد لفرنسا نفوذ كبير فيها.
مسالة شراء الوقت كانت اساسية طوال العامين الماضيين في الصراع داخل مواقع القوة والنفوذ في الجزائر.
ورهان المؤسسة العسكرية اخفق في توفير بديل خصوصا بديل صالح بنفس مواصفات بوتفليقة وهي انه مقبول للشارع وللعسكر بنفس الوقت حيث ينظر الجزائريون باحترام شديد ومنذ عقود لقادة جبهة التحرير الوطنية والرئيس بوتفليقة من رموز هذه الجبهة ذات الحضور الكبير في الوجدان الجزائري.
وعلى هذا الاساس يمكن القول بان الجناح النافذ والمرتبط مع الفرنسيين في المؤسسة العسكرية الجزائرية وبعد الجدل الاخير قرر عبر الاصرار على ترشيح بوتفليقة شراء المزيد من الوقت للاستثمار في بديل تنطبق عليه المواصفات المطلوبة ولا ينتهي به الامر باختراق لصالح اي من التيارات السياسية سواء كانت تقدمية او اسلامية او علمانية في الشارع الجزائري .
تلك عملية محفوفة بالمخاطر بكل حال.
لكن في عقل المؤسسة العسكرية مخاطر ملاعبة الحراك الشعبي وتمديد فترة بوتفليقة باي طريقة لعام واحد على الاقل اقل بكثير من مخاطر المجازفة بقبول رئيس يفرضه الايقاع الانتخابي فقط لان اي شخصية محورية ستجد صعوبة بالغة في تجاوز بوتفليقة في اي انتخابات نزيهة.
من هنا تم اللجوء الى السيناريو في اللحظات الاخيرة والقاضي ببقاء بوتفليقة خارج البلاد لأسباب صحية مع تقديم ملف ترشيحه وتقدمه بالرسالة التي وعد بها الشعب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لا يترشح فيها هو شخصيا.
بمعنى ايهام الجزائريين بان الهدف هو استقرار بلادهم .
ويعتقد المنظرون لهذا السيناريو بانه ناجح وفعال ولعدة اسباب اهمها اجماع المؤسسة العسكرية وراءه وعدم وجود معارضة قوية من حرس الدولة والمؤسسات القديم بالتزامن مع التقديرات الاستطلاعية والرقمية التي تقول بان الشارع الجزائري ليس موحدا خلف الحراك وان مشاعر واتجاهات غالبية الجزائريين قد تخشى نتائج التفريط بترشيح بوتفليقة.
كما تقول تلك الاستبيانات بان الشرائح الشابة فقط خصوصا في الاطراف والمدن الجانبية والامازيغ هم المكون الاساسي لحركة الاحتجاج ضد الولاية الخامسة اليوم وبصيغة تكوينية لا يمكنها ان تكون ممثلة فعليا لجميع الجزائريين.
من هنا برزت فكرة المؤسسة العسكرية المدعومة فرنسيا بإطالة عمر حكم بوتفليقة لمدة عام على الاقل حتى وان كان على كرسي متحرك او جهاز تنفس صناعي بهدف يتيم وحصري يستند الى فكرة شراء المزيد من الوقت وتدبير البديل القابل بعد عام لتكرارا تجربة بوتفليقة وضبط ايقاعات التوازن والمصالح.
يتوقع اصحاب هذا الراي ان ينجح السيناريو المقترح مستندا الى التراث الاجتماعي والقوى الاساسية المؤيدة لبوتفليقة في الشارع.
لكن مصادر مستقلة تراقب المشهد الجزائري تتحدث عن بنية اقتصادية هشة وملفات فساد وتقاطع اجندات ونشاطات لمخابرات عدة دول تزدحم في عمق الشارع الجزائري وبصورة تهدد نجاح السيناريو المشار اليه خصوصا بعدما ظهر بان الاحتجاجات تتسع وقد تشمل غالبية المناطق وشرائح المكونات الاجتماعية وقد تستثمر فيها العديد من القوى السياسية وبعض الدول المجاورة.
الصراع محتدم حاليا في منطقة ضيقة جدا ومزدحمة بالأجندات بعنوان الضغط العنيف على المجلس الدستوري حتى يقبل او يرفض ملف الترشيح وكل الاطراف المعنية تلعب بأوراقها الدورية والاقليمية والداخلية.
والجزائر مجددا اليوم على كرسي متحرك وسط محيط مخاصم لمصالحها الوطنية ووعي شعبها وأجندات غربية متعاكسة.