اراء و مقالات

منظومة التحديث الأردنية: كيف يمكن إنقاذ «ما تبقى»؟ مراجعة بـ«أمر» لامست «التشخيص»

عمان – «القدس العربي»: المظلومية التي يتبناها قادة حزب الشراكة والإنقاذ الأردني بعد إخفاق الحزب في الالتزام بالإطار القانوني لتصويب أوضاع الأحزاب القديمة وضعت الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات أمام القصف العشوائي أحياناً.
وأصبحت الهيئة التي يجب ألّا تكون مثاراً لأي جدل موضوعاً للتلميحات والتصريحات التي تصدر عن أنصار الحزب الذي يشتكي منذ العام الماضي من ضغوط على أنصاره تدفعهم للاستقالة ومن ملاحقات أمنية الطابع.
عملياً، خرج من المسابقة 19 حزباً وتمكن من العبور 27 حزباً في الجانب الإجرائي. لكن واحداً من أهم تجليات ما حصل مع حزب الشراكة والإنقاذ هو أن الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات، وهي جسم دستوري إجرائي مستقل ومعزول تماماً عن سياقات التجاذب السياسي، أصبحت هي الجهة التي يهاجم إجراءاتها بعض من يتبنون مظلومية قد لا تكون عادلة أو حقيقية أو دقيقة.
لذا، فإن تجرؤ حزبيين على اتهام الهيئة وتوجيه أصابع لها بالتبعية إلى مراكز قوى أخرى في الدولة كان نتيجة طبيعية لتلك الإجراءات، لكنه مؤشر على عدم وجود مصلحة وطنية في قيادة وترسيم مثل هذه الاتهامات، والسماح بها دوماً.

صفحة جديدة

الأهم أن حزب الشراكة والإنقاذ يمكنه أن يفتح صفحة جديدة ويبدأ من جديد بعد مرور مهلة تصويب الأوضاع القانونية الخاصة بالأحزاب القديمة، والخيار الوحيد المتاح هنا هو التقدم وفقاً لتحديث المنظومة السياسية بآلية لتشكيل حزب جديد؛ لأن الخيارات الأخرى العدمية مثل النزول تحت الأرض أو البقاء في حالة الشكوى والتذمر قد لا تكون منتجة. وبناء عليه، فإن السيناريو أمام المجموعة الصلبة التي تمثل تجربة هذا الحزب المثير هو بناء تحالفات في الانتخابات المقبلة، وفي التوقيت نفسه العمل على انتقاء أسلوب جديد للولادة مجدداً بعيداً بكل حال عن الاسم، وهذا قد يعني إذا لم تتبدل البرمجة الاستمرار بالمطاردة لاحقاً وبصيغة تؤدى إلى أن تتأثر سلباً كل توجهات ومشاريع تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
لكن التداعيات لا تقف عند هذا الحد، فقد انتهت المهلة القانونية لتصويب أوضاع الأحزاب القديمة التي تحمل رخصة الوجود، فيما النقاش عاصف خلف الستارة وكواليس مركز القرار بسبب نسبة الاستطلاع القائلة بأن عدد الأردنيين الذين يريدون الانضمام لاحقاً للأحزاب السياسية لا يزيدون عن 1% من الشعب الأردني. وهي نسبة وردت في استطلاع رسمي لجامعة حكومية وفي مركز الدراسات الاستراتيجية الذي يعتد بدراساته الاستطلاعية دوماً.

صدمة كبيرة

تلك النسبة تسببت بصدمة كبيرة في المجتمع السياسي الأردني. وأغلب التقدير أن سلسلة طويلة ومعقدة من المراجعات تمأسست حول إعداد تقارير تتحدث بصراحة عن السبب في إنتاج تلك النسبة وكيفية بناء فرضية تقول بشرعنة وعبور مشروع تحديث المنظومة السياسية في أوساط وأعماق المجتمع بنسبة مشاركة متدنية لا بل ضئيلة جداً، وإلى حد ما تصدم الجميع تحت عنوان الاستطلاع والمشاركة بالأحزاب السياسية.
الرقم هنا لا يزال صادماً ويثير نقاشات عاصفة فيما يبدو هو حملة تلاوم أحياناً بين نخبة من كبار المسؤولين التنفيذيين. وأغلب التقدير أن هذا الرقم نتج عنه فوراً بعض التوجيهات المرجعية التي تعيد البرمجة على أساس عدم قبول الحقيقة الرقمية، لا بل تآمر مجدداً بالبقاء في دائرة الحياد الرسمي، الأمر الذي يدفع باتجاه البحث عن حالة ثالثة تنقذ ما يمكن إنقاذه من مضمون ومحتوى ومنطوق التحديث السياسي.
ويزيد بطبيعة الحال التعجل هنا، لأن البلاد ينبغي أن تستعد لانتخابات العام 2024، التي يتوقع إجراؤها في شهر تموز من العام المقبل ما لم تحصل مستجدات تؤدي إلى طرح سيناريو الانتخابات المبكرة قبل نهاية العام الحالي، والاستعداد بهذا المعنى لأول انتخابات في ظل حصة مقاعد مجانية للأحزاب السياسية. وفي ظل مسار تحديث المنظومة السياسية، ستكون الانتخابات الأولى في عهد التحديث السياسي.

لاعب أساسي

وذلك يعني الكثير سياسياً وبيروقراطياً، كما يعني الأكثر في غرف العمليات التي تدير الملف الانتخابي بالعادة، ومنها الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وغيرها من المؤسسات، والاستحقاق الزمني يتحول إلى عنصر لاعب أساسي في المواجهة سواء بصيغتها التي تثير التجاذب والاستقطاب أو تلك التي تؤدي إلى التقارب وعكسه التنافر.
الرقم لاعب أساسي هنا، لأنه من غير المعقول تنظيم انتخابات هي الأولى في عهد تحديث المسار الحزبي في البلاد، والمنظومة السياسية مع نسبة مشاركة في الأحزاب السياسية متواضعة جداً لا بل مرعبة في تواضعها، الأمر الذي سينعكس بالضرورة على نسبة العزوف أو المشاركة في الانتخابات المقبلة.
ما لا تقوله الأرقام في الحالة الحزبية الأردنية أهم بكثير مما تقوله هذه الأيام.
والتفاعل وصل على الأرجح إلى نقاط غير مسبوقة وسياقات من الصنف الذي تصدر بسببه الأضواء الحمراء أو صافرة الحكام، لذا فالمشهد مفتوح على احتمالات متنوعة ومتعددة وحمالة أوجه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى