اراء و مقالات

الأردن: جرعة تحديث «المنظومة» ومخاوف تكوين «أحزاب أنابيب»

لماذا شكك الروابدة في «ولاء» الإخوان المسلمين؟

عمان – «القدس العربي» : قراءة الجملة النقدية التي صدرت الأسبوع الماضي ضد الإخوان المسلمين في نسختهم الأردنية على لسان السياسي المخضرم عبد الرؤوف الروابدة في سياق النقد والمشاغلة والمشاغبة، ظلم للعبارة وصاحبها. وقد لا يرتقي في حال تجنب التفكيك الأعمق قليلاً إلى مستوى النظرية التي تفترض هجوماً لاذعاً خارج السياق من رئيس وزراء سابق يستوجب الرد بهجوم مماثل.

لماذا شكك الروابدة في «ولاء» الإخوان المسلمين؟

في الأفق طريقتان لتفكيك جملة الروابدة التي أثارت ضجيجاً بعنوان يقول ضمنياً أن «ولاء» الإخوان المسلمين هو لذاتهم وليس للدولة. الطريقة الأولى هي التي تتعامل مع سطح الجملة والمشهد فقط، وتضع شخصية مثل الروابدة في دائرة التحرش الذي يمكنه الاستغناء عنه دوماً.
لكن الفرصة في النقاش الثاني متاحة للتعمق بالعبارة وظرفها ومناسبتها أكثر، خصوصاً في حال الربط بين الرأي السياسي الذي ينطلق منه سياسي وبيروقراطي عريق من وزن الروابدة، وبين ما يحصل في المشهد الوطني عموماً انطلاقاً من قراءة سابقة للحدث والتحول، تمكنت «القدس العربي» من رصدها على هامش نقاشات صالون الروابدة نفسه وفي أكثر من محطة عندما تعلق الأمر بالإجابة عن سؤال الخطوة التالية والشكل المقبل للمشهد الحزبي الأردني تحديداً بعد تدشين موسم «تحديث المنظومة السياسية».
يبدو في الشكل العام أن عزفه على وتر التشكيك بولاء الإخوان المسلمين للدولة هو محاولة للتأشير على رهان ما قد تخطئ به نخبة المستشارين الحاليين في تسجيل أهداف لصالح الدولة، بمعنى رسالة تحذير من أن الصعود المتسارع والمتسرع بالعمل الحزبي وتمكينه في المستقبل القريب قد يخدم الإسلاميين قبل غيرهم.

مداخلة الروابدة

قبل مداخلة الروابدة الشهيرة في ندوة على هامش كتاب يشخص وينتقد الخطاب الإخواني للباحث الإسلامي إبراهيم الغرايبة، استفسر ساسة عديدون عن تشخيص وتوقعات الروابدة بمجمل نتائج وتداعيات حفلة تحديث المنظومة السياسية. آنذاك، كان الرجل المحنك متحفظاً وبصورة غير علنية طبعاً في اتجاهين في التوقع، قوام الأول يشير إلى أن الحرص على تقديم خدمات مجانية للحزب الوحيد المتمكن في البلاد قد ينطوي على مجازفة في غير مكانها، يمكن أن تثير أزمة أكثر مما تحتويها. وفي الإتجاه الثاني، خشية باطنية شاركت فيها شخصيات سياسية أخرى بخبرة عميقة، مثل الرئيس طاهر المصري، وعلى أساس أن الخوف من الإسلاميين وتمكينهم قد يدفع في اتجاه ارتكاب «أخطاء» انطلاقاً من الهاجس الموسمي المتكرر.
الخطأ الوحيد الذي يقر الجميع بارتكابه رسمياً في هذا السياق هو هندسة انتخابات عام 2020 وبطريقة يبدو أنها انتهت عملياً وواقعياً بفاتورة تحديث المنظومة السياسية إياها.
ويعني ذلك سياسياً، أن الاسترسال في الخطأ قد يؤدي إلى إسقاط تلك الهندسة من باب الحرص على تحجيم الإسلاميين، أو غيرهم من المناكفين أو الحراكيين أو المعارضين في المرحلة اللاحقة، حيث خضعت توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة لهندسة ما تحت عنوان الترشيد والتدرج، وحيث قد تضطر السلطات القلقة لهندسة مماثلة في سياق ابتكار واختراع أحزاب سياسية تواجه الإسلاميين في المرحلة المقبلة، التي أصبح عنوانها الملكي وبوضوح اليوم تصعيد دور الأحزاب السياسية في الإدارة العامة.

العودة لمجازفات التدخل والهندسة

لعل الروابدة حفر في بعض أعماق هذه التشخيصات، ولعله قدر مبكراً – كما يحلل ويفكر مقربون منه – بأن «ماكينة» الهندسة قد تضطر للتدخل في مسألة تراتبية التيارات الحزبية، لا بل إنشائها لأي سبب، وليس حصراً لمواجهة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يعني بالتقدير الضمني العودة لمجازفات التدخل والهندسة. طبعاً، الروابدة أعمق بكثير من التعبير العلني من مخاوف من هذا الصنف، لكن ملاحظاته في الدولة وخارجها ينبغي أن تُقرأ بعناية، مما يرجح التحليل الذي يقول بأن الاتهام الجزافي بلسان الروابدة للإخوان المسلمين ظرفياً هو أقرب لرسالة عميقة بالتوازي، تحاول التأشير على حالة ما من نوع لم يلتقطه بعد إسلاميون هاجموا الروابدة أو اتهموه دون تدقيق بخلفية العبارة التي استخدمها وظروف هذا الاستخدام.
الأهم أن جملة الروابدة عن ولاء الإسلاميين للدولة قد تكون حققت أهدافها حتى بالنسبة لصاحبها، فكثيرون جلسوا في المناورة والتعليق ورد الفعل، وساسة كثر سألوا واستفسروا وظهر اسم الروابدة على أكثر من صعيد وفي أكثر من جبهة، خصوصاً أن الرجل حاول مبكراً تحفيز الفكرة التي تطالب بتوقع شكل الخارطة الحزبية والقوى الأساسية قليلاً إذا ما اكتملت حقنة أو جرعة التحديث للمنظومة، مما يدل على أن المسألة أبعد من مجرد اتهام موسمي أو مشاغلة للإخوان المسلمين فقط.
هل نجحت نمطية التحفيز- الحقنة؟
سؤال الإجابة عليه مؤجلة.
لكن الانطباع مبكر باحتمالات حصول أخطاء الهندسة مجدداً، وخصوصاً في الجزء المتعلق بالسعي لتأسيس حالات حزبية وبسرعة تصلح للتماهي مع وثيقة تحديث المنظومة.
وهي عملية يرجو عضو اللجنة الملكية والبرلماني صاحب الخبرة السياسية محمد الحجوج، وهو يتحدث لـ«القدس العربي» بأن لا تكون متسرعة، وبأن تتخلص من نظام الفزعة وبأن تنتبه –وهذا الأهم– إلى ضرورة أن لا توضع أعمدة الأساس في البناء الديمقراطي الجديد وطنياً فوق الأرض قبل الحفر لتمكين وتصليب البناية.
قد يستفيد الإخوان المسلمون حصرياً وأكثر من غيرهم من حالة «اللهاث» التي برزت ملامحها مؤخراً وراء تأسيس وتشكيل أحزاب وطنية أو وسطية أو إسلامية تناجز وتنافس الإسلاميين قريباً وتحرمهم مما تيسر من عدد مقاعد خصصت مبكراً للأحزاب في قانون الانتخاب الجديد.
مستوزرون… طامحون… موظفون سابقون عيونهم على مقاعد… شيوخ عشائر أقرب للسلطة وأبعد عن عشائرهم… هؤلاء جميعاً يتم جمعهم وتنشيطهم الآن برفقة منشقين عن الإخوان المسلمين أو ممثلين للتيار المدني الرسمي المصنع في أروقة السلطات، وكذلك برفقة يساريين باحثين عن مقعد في حضن السلطة وأصحاب رأسمال يبحثون عن عباءة في مجالسها.
تلك العملية تجري الآن، وهي أقرب إلى مجازفة هندسية جديدة، وإلى صيغة صناعة «أحزاب أنابيب» على طريقة أطفال الأنابيب؛ بمعنى ولادة لأحزاب جديدة خارج الرحم الطبيعي.. هل ثمة علاقة بين جملة الروابدة التحذيرية وهذه الخطوات التحضيرية العشوائية؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى