اراء و مقالات

الأردن في مواجهة جريمة الإبادة الإسرائيلية: كيف نتصرف بـ«التطبيع»؟

الخصاونة ينفي وجود «جسر جوي مع إسرائيل»… والقاسم يجدد التحذير

عمان ـ «القدس العربي»: قد يذوب المنطق القانوني البحت والمختلط الذي يطرحه مرجع قانوني أردني من حجم الدكتور أنيس القاسم، أمام اللعبة السياسية والاستحقاق الدبلوماسي، لكنه يبقى بمثابة «قرع لجرس إنذار» وتأسيس لمبرر في حال الرغبة في الانسحاب ولو تدريجياً من «قيود التطبيع» ضمن الاستعداد لما هو قادم حتماً، في تقدير السياسي البارز الدكتور ممدوح العبادي، حيث «أطماع يمين إسرائيل في الأردن».
ثمة مساحات برزت خلال اليومين الماضيين بقيت «راكدة» لكن الدكتور أنيس القاسم ألقى فيها «عدة أحجار» وهو يشرح لـ «القدس العربي» وجهة نظره بشأن «الزاوية القانونية» التي ينبغي للبلاد أن تتموقع فيها حتى لا تتورط أو تحصل مصيبة.
تلك المساحات المقصودة تشمل مسارات التكيف وتحترف الحديث عن التوازن الاقتصادي وشبكة توازن المصالح في مواجهة الرغبة الشعبية العارمة في وقف كل أنواع التطبيع مع إسرائيل، وخصوصاً الجزء الذي برز كإضافة خارج السياق بعد يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على المستوى الشعبوي، حيث اتهامات تطبيعية للحكومة في مجالي النقل البري وتصدير الخضار للعدو.
ما قاله أنيس القاسم خلال اليومين الماضيين يفخخ حالة ليس من السهل تجاهلها، خصوصاً في المطبخ القانوني للحكومة الذي يدير، بالتوافق والتناغم مع وزارة الخارجية، الاشتباك الأردني مع محكمة لاهاي التي دعمها الأردن علناً، لا بل تقدم باستشارة قانونية من أجلها في إطار السعي لإدانة إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة في قطاع غزة.
ما قاله قبل يومين مباغت ومفاجئ وأثار قدراً من الضجيج حتى بين بعض أعضاء الطاقم الوزاري في الأردن، لأن المتحدث بالنتيجة مرجع قانوني أردني وفلسطيني كبير قدم نصيحة قانونية محضة لوزير الزراعة خالد الحنيفات، ولزملائه في مجلس الوزراء، بعنوان «لا تتحدثوا علناً بصفتكم وزراء ولاية عامة أو قانونية عن التعاون مع إسرائيل في هذه المرحلة».
الفكرة هنا كانت أن المخضرم القاسم ينصح، عبر رسالة وجهها إلى الكاتب الصحافي المعروف أسامة الرنتيسي، الوزير حنيفات بأن عبارته حول عدم وجود صلاحيات لمنع تصدير الخضار لإسرائيل قد تنطوي على «لغو لغوي توريطي».
شروح صاحب الرأي الجديد والمثير لـ«القدس العربي» لاحقاً، تغرق في بعض التفاصيل: إسرائيل تخضع للتحقيق الآن بتهمة أعمال إبادة، وتجاهلت أوامر محكمة العدل العليا، وإدانتها هي الفرضية الأكثر تعقلاً، لكن الإجراءات المطلوبة منها قبل الحكم والقرار مطلوبة أيضاً ضمناً وبالموجب القانوني من «جميع دول العالم».

الخصاونة ينفي وجود «جسر جوي مع إسرائيل»… والقاسم يجدد التحذير

قد تجر علاقات التجارة والاستيراد والتصدير مع الكيان في هذه المرحلة على الأردن «مصيبة قانونية كبرى» يضيف القاسم وهو يتحدث عن «تشويه سمعة البلاد وموقفها الثابت» بسبب التساهل في تصدير «صندوق طماطم» إلى «كيان مجرم».
وما يقترحه القاسم هو نصيحة لوزير الولاية الزراعية بعدما تحدث الأخير عن عدم وجود صلاحيات قانونية بين يدي طاقمه لمنع إصدار رخص تصدير الخضار والفواكه للكيان الإسرائيلي، وهو أمر صحيح أن الحكومة الأردنية تتعامل معه بالقطعة والتقسيط، لكنه يتحول إلى اختبار قوي لنوايا الاشتباك الأردنية الرسمية، وموضوع ملف ساخن بين يدي الناس والجمهور.
طرح القاسم مفهوم «شد الأزر» معتبراً أن «أي تعامل تجاري أو اقتصادي» مع كيان يشتبه في تورطه بجرائم إبادة هو محظور بالنص القانوني المباشر، وقد ينتهي بـ «عقوبات على المتعامل» لا بل بنسخ «التهمة نفسها» من باب «شد أزر المجرم»؛ بمعنى تمكينه ومساعدته وتحريضه.
ومبدأ «شد الأزر» يفسره القاسم باعتباره تحذيراً شديد اللهجة من المشرع والقانوني الدولي لصالح مواجهة كل من يقدم المساعدة من أي صنف لأي طرف يرتكب جريمة إبادة. نعم- يقول القاسم- يأتي يوم تفتح فيه كل هذه الملفات وبالتفصيل في إطار القانون الدولي… لذلك «وجب التنويه».
و»شد الأزر» بمعناه المباشر هو تفسير -برأي القاسم كخبير قانوني- لمبدأ التحريض، ومسألة التحريض على أعمال الإبادة باب قانوني واسع لا يخضع للتسييس، ويوماً ما ستدفع إسرائيل وكل من ساعدها ثمناً مباشراً بعيداً عن الحسابات السياسية الكلاسيكية لكل الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني.
بمعنى أو بآخر، تفسيرات قانونية لمبدأ «شد أزر» من يرتكب أعمال إبادة هي الأساس في الخطاب التحذيري شديد اللهجة الذي يصدر عن الدكتور القاسم؛ لأن القانون يحظر مساعدة المجرم والتعامل معه بوضوح، وبعض القضايا التي رفعت مؤخراً في أمريكا ودول غربية استندت إلى تلك النصوص. طبعاً، فجر القاسم ما قاله فيما تجري مشاورات قانونية أهلية في أكثر من مسار واتجاه. والأهم أن الحكومة قررت بعد ظهر الأحد أنها ليست بصدد «الصمت في إزاء التشويه».
لذلك، صدر توضيح مباشر ومكرر هو الثاني من صنفه بلسان رئيس الوزراء الدكتور بشر خصاونة، صباح الأحد نفى فيه جملة وتفصيلاً كل ما يقال عن «إنشاء جسر بري» لنقل البضائع للكيان الإسرائيلي عبر الأراضي الأردنية، برفقة تذكير شديد اللهجة بما يقدمه الأردن قيادة وشعباً لمساندة الأهل في قطاع غزة.
نفي الخصاونة لم يرافقه تعليق على ما طرحه القاسم من أي عضو فاعل في الفريق القانوني للحكومة. والسبب أن الحسابات السياسية والدبلوماسية ومتطلبات التوازن والمصالح هي الأساس في إدارة العلاقة اليوم مع «العدوان الإسرائيلي» وليس الأسس والأطر القانونية المرتبطة بمحاكمة الإبادة، الأمر الذي يلتقطه القاسم ويحذر منه بشدة، مقترحاً صيغة «لقد أبلغناكم، والجهل لم يعد عذراً، وعليكم التصرف».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى