اراء و مقالات

الأردن «مصدوم» بعد خريطة سموتريتش: صمت «الأصدقاء» و«نبوءة» الأطماع التلمودية تحققت

عمان- «القدس العربي»: تماماً تحققت “نبوءة” وزير البلاط الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر عندما قال علناً عن “حكام إسرائيل الجديدة”: “إنهم لا يعترفون بنا”.
طبعاً، يقصد المعشر بعدما سمعته “القدس العربي” مباشرة وتحدث في عدة جلسات نقاشية، أن اليمين الإسرائيلي الحاكم حالياً “لا يؤمن بالأردن” ولا يعترف بحدود المملكة. وشدد المعشر مراراً وتكراراً على ضرورة أن يدرك “القوم” ذلك وبأسرع وقت ممكن، مقدراً بأن الأردن لا مصلحة له في “إنكار المخاطر” ولا في “مسار التكيف” ولا حتى في “التهدئة”.
في مقايسات رئيس الوزراء الأسبق المخضرم سياسياً طاهر المصري، بدا الاسترسال في سياسة “إنكار المخاطر” أخطر من تلك التحديات، وأن ما يفعله التلموديون الآن ببساطة هو أنهم “يعلنون أطماعهم”. بالقياس تطرق السياسي ممدوح العبادي بحضور “القدس العربي” ليس لليمين الإسرائيلي المتطرف الحالي، بل لحزب الليكود الذي أصبح على يسار الثنائي بن غفير وسموتريتش، وقال العبادي بوضوح بأن نصوص ميثاق حزب الليكود لا تزال تعتبر شرق نهر الأردن جزءاً من إسرائيل.
كل تلك التحذيرات من كبار السياسيين وخبراء الملف الإسرائيلي في عمان عبرت وتلاعبت بها الرياح، لأن وزارة الخارجية مصرة على مسار التكيف وعلى التعاون مع الأمريكيين، في برنامج “تهدئة” شدد المحلل السياسي والإعلامي البارز عريب رنتاوي مبكراً على أن لا مصلحة للأردن به، بل بالعكس؛ مصلحة الأردن المباشرة عكس التهدئة.
لكن “التهدئة” هي المطلب الأمريكي الوحيد الذي تحدث عنه في عمان المسؤول في الخارجية الأمريكية هادي عمرو، لنخبة من الإعلاميين خلف الستائر.
والتهدئة هي فقط التي تقود – برأي بعض الساسة الأردنيين – إلى “المكاسب الاقتصادية”، فيما كان المعشر يسأل علناً في ندوة مغلقة: “تهدئة وتكيف مع من؟ مع الذي يرفض وجودك أساساً”. عملياً، أفلت وزير المالية الإسرائيلي بالخريطة الأخيرة التي وقف وراء منصتها، وألهبت جدالاً عنيفاً في المناخ الأردني بالتكهنات والتوقعات.

نبوءة الخفش

وبات الجميع بانتظار “اختبار” النظرية التي سبق أن تطرق لها من باب التحليل المحلل الاقتصادي الدكتور أنور الخفش، وهو يسأل بحضور “القدس العربي” عن خلفية “القواعد العسكرية الأمريكية” التي توسعت مؤخراً في الأردن، ودورها في تثبيت استقرار الأردن بل وحمايته حتى من “اليمين الإسرائيلي وأطماعه”.
قد تتحقق نبوءة الخفش أيضاً في السياق؛ لأن اليمين الإسرائيلي الطامع اليوم بوضوح ليس بصدد الوقوف عند مفصل “حسم الصراع برمته” كما يرى الرنتاوي، لكن بصدد “التوسع تلمودياً” أيضاً كما يقرر المصري.
في زاوية أقرب لوزير الخارجية الأردني أيمن صفدي، “تبرير” خاص لتمرير فكرة حضور قمتي العقبة وشرم الشيخ، وفكرته أن الخيار والقرار لم يكن للوزارة أو للوزير، بل “للدولة” فيما كان الصفدي يفتقد إلى الحماسة والانطباع بتحقيق مكاسب.
قد تبقى تلك خطوة تكتيكية دفاعية في ظل الهجمة التي طالت وزيراً للخارجية شعبياً حتى من بعض رجال وأقلام الدولة والمؤسسة، لكن يبقى أن وزير الخارجية في المشهد الأردني وبصرف النظر عن هويته ونفوذه وحصته في مساحة القرار، يتحرك في سياق التعبير عن “الخيارات الرسمية” فقط.
لكنها اليوم “خيارات بائسة” يؤكد العبادي والمعشر معاً، لا بل “خطرة جداً” برأي المصري، وتتلاعب بمصالح “الدولة والنظام” ويمكنها -برأي محللين كثر- أن تقود إلى “ما لا تحمد عقباه”.
إزاء “صدمة” خريطة الوزير سموتريتش، اضطر لاعب سياسي مرن ومعتدل جداً يقف دوماً مع خيارات الدولة مثل الدكتور محمد المومني، الوزير الأسبق وزعيم حزب الميثاق الوسطي، إلى إعلان موقف حاد من “خريطة وزير المالية الإسرائيلي النكراء”، قائلاً: “لا يمكن السكوت عن هذا”.
صدمة سموتريتش خلطت كل أوراق الموقف الرسمي، فالرجل اعتبر على منصة فرنسية المملكة الأردنية جزءاً من إسرائيل الكبرى، ولاحظت جميع الأوساط الرسمية والأهلية الأردنية أن وزارة الخارجية الفرنسية “الصديقة” لم تعلق ولم تقل شيئاً خلافاً لرسالة “خفية” وخلفية قالت “عذراً.. كان ينبغي أن نراقب ضيفنا الإسرائيلي ثقيل الظل”.
الأهم هو “الموقف الأمريكي”.. بعد ليلة صعبة على منظري التهدئة الأردنيين الرسميين، استيقظ الشارع على تصريح للناطق باسم الخارجية الأمريكية يعتبر فيه خريطة سموتريتش “ليست دقيقة”.

لماذا الصمت الامريكي؟

“ليست دقيقة” فقط.. قالها رئيس وزراء سابق وهو يعلق رداً على استفسار لـ”القدس العربي”، معترضاً ومحذراً من أي مشروع للرهان على الولايات المتحدة، مصراً على أن وزيراً إسرائيلي عاملاً يضع خريطة تضم المملكة الأردنية الهاشمية هو حدث “جلل” وليس من النوع الذي يستوجب تعليقاً مقتضباً تقول فيه خارجية واشنطن بأن الخريطة “ليست دقيقة”.
بوضوح، “استخسر” الأمريكيون حتى مفردة “نستنكر” في الموقف الذي أغضب الأردن، وثقة الأردنيين بأنفسهم اهتزت لأن المعارض الشيخ مراد العضايلة في تعليقه الأولي قال: “يا حيف على حكومتنا… كيف تجلسون على طاولة حكومة فيها مثل هذا الوغد”؟
لماذا توقف الأمريكيون عندما تعلق الأمر بخريطة “تلغي المملكة” بتعليق محدود ولعوب يتحدث عن “غياب الدقة”؟
سؤال عاد الشارع الأردني وبقوة لطرحه اليوم، مستذكرين “ندم” الراحل الدكتور عبد السلام المجالي على مقولته الشهيرة عندما وقع اتفاقية وادي عربة بعنوان “اليوم تم دفن الوطن البديل”. ما قاله الوزير الإسرائيلي وصمتت عليه فرنسا والولايات المتحدة يتجاوز مقولة “الوطن البديل”، بل يتحدث لأول مرة عن عدم الاعتراف بحدود الأردن، لا بل “ضمه” لإسرائيل الكبرى في سلوك على الأرجح سيكون له المزيد من التفاعلات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى