اراء و مقالات

ترحيب «خجول» وحماسة «فاترة»: الأردن بـ«هوية جديدة» للدولة والسلطة التنفيذية مجدداً «أبعد»

عمان- «القدس العربي»: بعد الرسالة العامة التي وجهها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى شعبه مساء الأحد بمناسبة عيد ميلاده الـ 60، يمكن القول بأن الإطار العام لخطة وطنية شاملة تحت عنوان التغيير والعودة إلى الإيجابية وتأسيس الحالة الذهنية والسلوكية لما سمّاه الملك بـ»المسؤول الجديد»، قد وُضع على الأقل فـي إطاره العمومي، بصرف النظر عن أي ملاحظات على تلك الخطة في الجانب التنفيذي والإجرائي. وهو أمر جديد في بناء المشهد السياسي الأردني في كل الأحـوال.

رسالة الملك

الملاحظة السريعة التي أجمع عليها العديد من المراقبين بخصوص مضامين رسالة الملك بمناسبة عيد ميلاده الستين، هي تلك التي تتعلق بالابتعاد أكثر عن الحكومة وصلاحياتها التنفيذية. وهو وضع يخشى العديد من المراقبين أن يؤدي إلى تصدع بين السلطات الدستورية الثلاث المعروفة، خصوصاً في مرحلة الاستعداد لتحديث المنظومة السياسية وتأسيس حالة دستورية جديدة أو جسم دستوري جديد بعنوان مجلس الأمن القومي يترقب الأردنيون ولادته بصبر شديد لمعرفة الكثير من الحيثيات العملية والميدانية.ويبدو أن الابتعاد أكثر عن الحكومة هو التعبير الأدق وسط السياسيين على الأقل حتى هذه اللحظة عند بروز أي محاولة للاشتباك إيجابياً مع التغييرات الكبيرة التي تحصل في بناء المشهد السياسي الداخلي.
رسالة الملك فيما يبدو في هذا الاتجاه تكمل نصاب حالة بناء المشهد الذي برز منذ تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية. وبالتوازي مع الرسالة المرتبطة زمنياً بعيد ميلاد الملك، ثمة أمل ووعود بتغيير بنية كيفية اتخاذ القرار السياسي، في الوقت الذي وضعت فيه اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أساساً لعملية تقاسم بعض مظاهر السلطة التنفيذية مع أحزاب سياسية برامجية منظمة يفترض أن مجلس النواب وفي لجنته القانونية بدأ يقترب من مناقشة حيثيات في غاية الأهمية، لها علاقة بتعديلات على قانوني الانتخاب والأحزاب.
نحو 60% من ميزانية الدولة يفترض أن يديرها الآن مجلس الأمن القومي، الذي يتولى الملفات الأمنية الداخلية والخارجية كما يتولى الشؤون الخارجية، مما يبقى ضمنياً -حسب تفسيرات بعض أعضاء اللجنة الملكية أنفسهم- جزء من حصة السلطة التنفيذية للأحزاب السياسية تمثل الأغلبية في البرلمان، وهي تجربة لم تتضح بعد معالمها بصفة عامة، وهي أيضاً تجربة مفتوحة على الاحتمالات والسيناريوهات.
طرح في رسالة الملك الأخيرة العديد من الملاحظات المهمة والجديدة، لكن الانطباع السياسي الأول أن الترتيبات التي يتخذها الآن في القصر الملكي بالتعاون مع بقية السلطات، وخصوصاً سلطتي التنفيذ والتشريع، لا تزال تذهب بحالة ابتعاد إلى حد ملموس عن الإطار التقليدي للسلطة التنفيذية؛ بمعنى ولاية الحكومة، حيث سبق لرئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة أن صرح بأن الدستور لا يتضمن نصاً له علاقة بالولاية العامة. ويتصور الناقدون للتجربة التحديثية الجديدة برمتها، أن الحكومة الحالية تتطوع وتتبرع بالولاية العامة باسم حكومات المستقبل.
لكن الانطباعات يبدو أنها تتكرس في مساحة فارغة سياسياً إلى حد ما من مضمون إجرائي، لأن الاتجاه ذاهب وبكثافة نحو تجربة آلية إدارة مختلفة هذه المرة للدولة الأردنية. وبموجب الرسالة الملكية الأخيرة، فإن الفرصة متاحة للعودة إلى العمل الجماعي والجدي والاتجاه نحو أنماط من الإصلاح الإداري والاقتصادي عبر ورشة عمل جديدة سيشرف عليها الديوان الملكي، وهي ورشة يجري التحضير لها منذ عدة أسابيع، ويعتقد أن توصيات كثيرة ومهمة تتبناها الحكومة كإطار وبرنامج عام في الوقت الذي صدرت فيه مبكراً أصوات تعترض على هذا الترتيب برمته، وتعتبر أن الأصل هو العودة إلى الاحتكام للدستور، وتمكين السلطة التنفيذية من ولايتها العامة، والقياس والمقاربة على أساس عملية تداول السلطة المألوفة، وبعيداً عن التجارب الجديدة، وفقاً لما دعا إليه عدة مرات وعبر «القدس العربي: سياسيون كبار، بينهم الدكتور ممدوح العبادي.

«الاشتباك الإيجابي»

رسالة الملك كرّست مفهوم وتفاصيل مفهوم الاشتباك الإيجابي، وطلبت من الأردنيين ضمنياً الابتعاد عن السوداوية، كما طلبت من الحكومات إشراك المواطن في كثير من التفاصيل بعد الآن، وتحدثت عن جرأة المسؤول في اتخاذ القرار، وضرورة أن تقبل الحكومات الرأي الآخر، شريطة أن يبتعد هذا الرأي عن الأطر الشعبوية. وهو وضع مركب ومعقد، ويعني بكل الأحوال أن الفرصة متاحة لشكل جديد في هوية الدولة الأردنية، وهو شكل ينتظر الأردنيون بفارغ الصبر التعبير عنه عبر تلك الآلية التي تطرح في النظام الذي سيتولى بموجبه مجلس الأمن القومي الجديد بعد المصادقة الملكية عليه إثر التعديلات الدستورية الأخيرة، مهامه ومسؤولياته.
بمعنى أو بآخر، ثمة تغيير بنيوي كبير في شكل إدارة السلطات والحكومة، لا بل الدولة الأردنية. الأصوات التي ترحب بخجل بهذا التغيير لا تزال خافتة ولا توجد حماسة واضحة عند النخب السياسية أو حتى عند طبقة رجال الدولة لدعم هذا النمط من التغيير والاشتباك الجديد. وفي الوقت الذي يطالب فيه المعارضون وأصحاب الرأي المختلف بتغيير المنهجية، يمكن القول إن الآليات الجديدة منذ التحدث عن تحديث المنظومة السياسية، بدأت تدخل حيز التنفيذ. لكن الحكومة أو السلطة التنفيذية في كل حال، لاتزال في مسافة أبعد عن كل ما يجري، وهذا هو محور النقاش الجدلي العميق في مسألة الترتيبات التي تحظى بإرادة مرجعية وسياسية هذه المرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى