اراء و مقالات

«الجمهور 7… المحاضرون 5… والموضوع: مهم جداً»… الأردني عندما يعاقب دولته: «التعافي باللامبالاة»

عمان – «القدس العربي»: كانت أقرب إلى ملاحظة كشفت وجعاً كبيراً حتى دون أن يقصد صاحبها. الصحافي الأردني العتيق نادر خطاطبة، ينشر على صفحته التواصلية صورة غريبة جداً مع تعليق يشير إلى مؤتمر عقدته إحدى جامعات شمالي المملكة لمناقشة الأوراق الملكية النقاشية، فيما تظهر الصورة باختصار حسب الخطاطبة أن عدد الحاضرين بصفتهم يمثلون الجمهور أقل من عدد المحاضرين في جلسة النقاش.
قد تكون تلك مبالغة تصويرية، لكن الصورة تقول فعلاً بأن المؤتمر الذي عقدته جامعة حكومية مهمة فيه 7 مستمعين مع طاولة رئيسية فيها خمسة متحدثين، هي مفارقة لا يمكن إسقاطها من الحسابات السياسية والوطنية، لأن عدداً من الموظفين التابعين للحاضرين بالتأكيد بين الجمهور الذي لا يزيد العدد فيه على 7 أشخاص، قرر بعضهم الذهاب إلى قاعة كبيرة في جامعة أكبر للمساهمة في نقاش حول موضوع في غاية الأهمية، يفترض أن يتحدث فيه أربعة من العلماء والأكاديميين.
مفارقة مثيرة في صورة لا تعكس نمو ظاهرة العزوف بالشارع الأردني فقط كما يردد بعض الخبراء وأحيانا المسؤولين، بل تقول ما يلمح إليه بين الحين والآخر محذراً باحث إستراتيجي هو الدكتور عامر السبايلة، بعنوان «الصيغة التي ابتكرها الأردنيون لمعاقبة حكومتهم، لا بل مؤسستهم في بعض الأحيان».
يريد السبايلة مثل غيره، عبر «القدس العربي»، الوقوف والتأمل، مع أن الجامعة التي استضافت النشاط المثير تركب موجة الأوراق النقاشية بعد سنوات من ولادتها، ومع أن تلك الأوراق ومضامينها يمكن القول اليوم إنها أفرزت أو أنتجت منظومة تفصيلية أهم من وظائف التمكين والتحديث.
قد لا يتعلق الأمر فقط بكيفية اختيار المواطن الأردني لمعاقبة الدولة وليس الحكومة فقط عبر العزوف، والامتناع، والسلبية، وعدم الاهتمام، وتجنب إظهار أي اهتمام بالقضايا العامة دون الانضمام لا إلى صفوف أحزاب المعارضة ولا إلى دعم وإسناد الحراكات الشعبية، ودون الخوض في لعبة الشارع أصلاً، حيث مواجهات محتملة مع صدامات من كل الأصناف.
«هي تقنية التعافي باللامبالاة».. هذا ما يشر إليه عالم اجتماع سياسي حاول التعليق على ما يجري.
باختصار، قرر المواطن الأردني هنا عموماً الحياد وإظهار اللامبالاة دون أن يقول كلمة واحدة صاخبة ضد السلطة أو الدولة أو القانون، وتلك رسالة يقترح السياسي مروان الفاعوري لا بل ينصح بتأملها جيداً، ليس لأنها مرتبطة فقط بالندوات والمؤتمرات التي يجد المنظمون صعوبة في تدبير مشاريكن فيها، لكن قد يتعلق أيضاً بالعزوف العام عن المساهمة في كل ما هو مهم بالرغم من كل خطابات الدولة وانشغالات نخبها.
حصل ذلك بالتأكيد في الانتخابات البرلمانية ثم في البلدية، حيث دوائر انتخابية كبرى لم تتجاوز نسبة التصويت فيها 8 % من الذين يحق لهم التصويت. وحصل ذلك عندما أخطأت اللجنة الملكية بتحديث المنظومة السياسية بمخاطبة الناس والحواضن الاجتماعية وقررت مخاطبتهم في وقت متأخر، في رأي الدكتور محمد الحلايقة.
وعلى الأرجح، حصل أيضاً عند تلمس ذلك الصمت والحياد الغامض في متابعة تفاصيل وثيقة التمكين والرؤية الاقتصادية.
قالها الناشط النقابي البارز أحمد أبو غنيمة، لكن بصيغته الخاصة مقترحاً على الدولة وأجهزتها دراسة ظاهرة عزوف الشعب عن متابعة أو حتى الاهتمام بتصريحات كبار المسؤولين، بما في ذلك لقاءاتهم التلفزيونية والصحافية.
وجهة نظر أبو غنيمة أن تلك ظاهرة عامة جديرة بالاهتمام، وأن الاهتمام بتلك الجزئية ينحصر بشريحة المتكسبين من كتاب التدخل السريع.
ظاهرة حقيقية اليوم من الصعب إنكارها تعيد اختصارها وبكثافة صورة مؤتمر الجامعة المشار إليها.
لكن حتى نخبة من كبار المسؤولين يتوقفون الآن عن إنكار هذا العزوف وندرة الاشتباك الإيجابي، لا بل اعتبار ذلك من التحديات الأساسية التي تلحق الأردنيين وتعيد إنتاج مواقفهم العامة ومواجهتهم لصالح الإيجابية أو لصالح ترك «الرماة على الجبل» والانضمام إلى الأحزاب، على حد تعبير النائب المتمكن من جملة سياسية اليوم وإعلامية، وهو عمر العياصرة.
على الأقل، الرماة في حالة العزوف التي يتحدث عنها الجميع الآن ليسوا على الجبل ولا يحملون الحجارة، بل قرروا على الأرجح معاقبة السلطة بالصمت والسكوت والحياد والسلبية، التي سرعان ما تنعكس دوماً على نسبة الاقتراع في صناديق الانتخابات العامة في كل أصنافها.
وهو أمر طالما أقر رئيس الهيئة المستقلة الحالي للانتخابات موسى المعايطة بأهميته القصوى، وبأنه جزء أساسي لا بد من العمل عليه مع المواطنين والناس في المرحلة المقبلة.
الحيرة أكثر بعد الاعتراف بالوقائع والحقائق على الأرض عند بعض الخلايا العميقة والسيادية في مؤسسات الخيار، والبحث يتواصل عن أفضل وأسرع طريقة منتجة لاستقطاب اهتمام الأردنيين مجدداً، خصوصاً أن السلبية اليوم على حد تعبير عضو البرلمان الناشط الدكتور خير أبو صعليك وغيره، تصبح جزءاً من الإشكال والأزمة، ولا يمكنها تقديم معالجات.
طريقة الأردنيين في معاقبة خطاب وأدوات وبرامج دولتهم لافتة جداً للنظر، لا بل حساسة وتعني الكثير، وهي وإن كانت تشكل تحدياً كبيراً أمام الدولة وليس الحكومة بعد الآن، فالسؤال يتحول من صيغة لماذا يحرد أو يغضب الأردني، إلى صيغة لماذا يعاقبنا الأردني بصمته وعزوفه ولامبالاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى