اراء و مقالات

الأردن بدأ يدفع كلفة «هندسة الانتخابات»

برلمان بنكهة موسيقى «وادي الذئاب» و«يخرج عن السيطرة»

عمان – «القدس العربي»: لا أحد، لا في القمة ولا القاعدة، يريد استنساخ مشاهد التوتر التي تغرد خارج السرب وتملأ الفضاء حراكاً شعبوياً تحت قبة البرلمان الأردني. لكن تلك المشاهد تحصل، وقد تؤدي -إذا لم يتصرف مجلس النواب نفسه لضبط الجملة- إلى خيارات، ومن بينها الآن – ولم يعد ذلك سراً- ترحيل المجلس والعمل على مسار انتخابات جديدة ومبكرة.
مبكراً، رئيس المجلس عبد المنعم العودات أبلغ «القدس العربي» بأن فكرة تقصير العمر الدستوري لمجلس النواب الحالي واهمة وليست واقعية. لكن الانطباع يزيد في أروقة القرار والنخبة ومع مرور الوقت، بأن المحطة التي يتمكن فيها مجلس النواب من صياغة قانون انتخاب جديد في مسار الإصلاح السياسي هي نفسها المحطة التي ستؤدي إلى قصف عمر المجلس.

برلمان بنكهة موسيقى «وادي الذئاب» و«يخرج عن السيطرة»

مؤخراً وبعد جدل وإشكالية ما سمي بالزحف العشائري على العاصمة عمان، بات الانطباع أقوى سياسياً وإعلامياً بأن الدولة دفعت كلفة وفاتورة هندسة الانتخابات الأخيرة بطريقة أضرت بسمعة البلاد في الداخل والخارج ودون مكاسب حقيقية، فقد استبدلت الهندسة معارضين بصبغة وطنية أو حزبية منهجية بحراكيين أو مشاغبين كبار من الصنف الذي يمكنه الاسترسال في تحريض بنية المجتمع والاستقواء على الدولة، مرة بالموقع الانتخابي، ومرات بالعشيرة أو المنطقة.

كلفة هندسة الانتخابات

الانطباع أقوى أيضاً بأن كلفة هندسة الانتخابات أكثر بكثير من مكاسبها. وما يرد حتى من الغرفة الأمنية الآن يشير إلى أن مجلس النواب الحالي «خارج عن السيطرة» المعتادة والمألوفة والمتوقعة، وإلى حد ما ثمة من يشعر بأنه أخرج عن السيطرة لأغراض التأثير في تجربة استقرار الحكومة الحالية برئاسة الدكتور بشر الخصاونة.
في كل حال، الجميع يشتكي من بعض الاستعراضات الشعبوية تحت القبة والاجتهادات التأزيمية، لكن لا يبدو أن غرفة السيطرة المألوفة قادرة بعد على المواجهة والاشتباك عندما يتعلق الأمر ببرلمان غير مسيس وغير حزبي وفيه نحو 98 وجهاً جديداً بلا خبرات سابقة، فيما ستة أو سبعة فقط من نواب اللون الإسلامي يسرحون ويمرحون في المبادرة والتشريع والصياغات الوطنية السياسية، مقابل خبرات تشريعية بعدد محدود تلجأ إلى الصمت.
مجدداً، وجد النائب المشاكس وصاحب مبادرة الزحف العشائري على عمان للتضامن مع فلسطين، أسامة العجارمة، نفسه وسط ملف الاشتباك الجائر بعد خطاب مثير له الأسبوع الماضي، انتهى بملاسنة وكاد ينتهي بمشاجرة مع زملاء له. العجارمة وهو يتهم السلطات بتعطيل الكهرباء على الأردن لإحباط خطته للزحف العشائري، أطلق عبارات وألفاظاً غير مسبوقة شتم في واحدة منها على الأقل مجلس النواب نفسه، وتحدث في أخرى عن «خونة وعملاء» ستتصدى لهم القبائل، معترضاً بخشونة على خلافات زملاء له مع رأيه.
انتقد رئيس المجلس، العودات، داخل الدولة وخارجها؛ لأنه يبالغ في السماح للعجارمة بامتلاك منصة الميكروفون ولا يتدخل بحكم صلاحياته لضبط إيقاع الكلام. لكن بعد ظهر الأربعاء، وفي الوقت الذي تحدثت فيه المصادر عن انزعاج شديد حتى في المؤسسات السيادية من النائب العجارمة، بدأ العودات بالاستدراك وأعلن في افتتاح جلسة الأمس بأنه عاد لأشرطة الفيديو والتسجيلات، وأنه لن يسمح بأي تطاول على هيبة مجلس النواب.
ثم تقرر تحويل العجارمة إلى اللجنة القانونية، في خطوة يعتقد أنها بدأت عملية منهجية داخلية تحت عنوان التأديب السلوكي لأحد أكثر أعضاء البرلمان صخباً، مما يعني بأن الأضواء الخضراء صدرت لإقصاء العجارمة عن موقعه البرلماني وإقالته، بمعنى فصله من مجلس النواب لاحقاً.
لن يكون ذلك خياراً سهلاً، فأشرطة استعراضات النواب المناكفين تنشر على منصات التواصل اليوم مع كل مستلزمات الإثارة الصوتية والتكرار البطيء للصورة والمداخلة، وأحياناً مع الموسيقى الشهيرة لمسلسل «وادي الذئاب» التركي.
اختلف العجارمة في الجلسة الماضية مع زميله مجحم الصقور، وهو شخصية برلمانية عريقة وذات حضور شعبي عارم، وكادت تحصل مشاجرة سرعان ما انتقلت إلى قواعد الانتخابية والمناطقية. ومنعاً لأقارب النائبين من الوصول والاحتكاك، راقب الشارع الأردني مشهداً متجدداً لا يروق لأي مواطن، حيث تعقد جلسة برلمانية في ظل وجود أمني كثيف.
وقد غاب عن تلك الجلسة التي أحالته إلى اللجنة القانونية للتحقيق في الإطار السلوكي، بعد يومين فقط من إعلان بعض أبناء قبيلة بني حسن تسليمه، أمام الكاميرا، ما سمي بـ «سيف القبيلة» فيما أصدر ناخبوه بياناً حاداً يهددون فيه وبقسوة كل من يحاول المساس بالنائب الذي يمثل نبض ووجدان وضمير الشارع الأردني اليوم.

بطل شعبي

يتحول العجارمة، على طريقة العرض البطيء، إلى رمز أو بطل شعبي، وسقفه في الكلام والاشتباك يتجاوز غالبية النواب. ومواقفه في التصعيد العشائري، تحديداً ضد إسرائيل مؤخراً، جذبت كل الأضواء. لكن مجلس النواب برمته، لعدة أسباب، تحت كل الأضواء الكاشفة. فقد أعيدت للحكومة تشريعات وتيارات تحاول الاستقلال عن الموقف الرسمي، والتصعيد ينفلت أحياناً، وبعض الوجوه الجديدة بدأت مبكراً تبحث عن مقعد دائم عبر الاستعراضات الشعبوية ومضايقة السلطات.
التعاون بين مجلس النواب ومجلس الأعيان ليس في سياقه الصحيح، والعودات يناضل لضبط الإيقاع، وعدد لا بأس به من أعمدة قدامى المجلس الذين سمحت الهندسة الانتخابية بعبورهم أصلاً في الصمت والحياد أو في حالة احتقان وغضب، وخبراء التشريع الكبار يحرجون الوزراء الأقل خبرة في الحكومة.
يشتبك مجلس النواب مع التفاصيل ويحاول القيام بدوره، لكن بطريقة غريبة أحياناً، بعد انتخابات شكك حتى المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو ذراع للدولة، بشرعيتها. فيما بوصلة الإصلاح السياسي تعني الوقوف على عدة محطات، قد يكون من بينها إنهاء تجربة المجلس الحالي المثيرة مع نهاية الصيف الحالي. ولا يساهم مجلس النواب بتركيبته الحالية باستقرار العملية السياسية ولا باستقرار الاجتهادات التي حاولت هندسته. الموقف مربك تماماً في محيط ضاحية العبدلي، حيث قبة البرلمان في عمان العاصمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى