اراء و مقالات

أحزاب الأردن و«جرائمها الإلكترونية» المتوقعة: لا دراسات ولا «وصفات» وقلق من «إنتاج عزوف انتخابي»

عمان – «القدس العربي»: لا أحد في الساحة الحزبية الأردنية يملك وصفة من أي صنف تساعده في تخيل أو تصور أو التكهن بتأثيرات وتداعيات ثم استحقاقات قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، ليس فقط على حريات التعبير الحزبية فحسب ولكن على الانتخابات البرلمانية المقبلة. وبدأ التحضير للانتخابات التي ستعقد ما بين شهري تموز وتشرين الأول في العام 2024.
الحكومة انتهت من واجب أساسي في سياق التحضير أمس الأول عندما أعلنت لائحة تعليمات الدوائر الانتخابية من حيث تقسيماتها جغرافياً، ونسبة تمثيل الثقل السكاني في الدوائر الوطنية والمحلية. والنظام الجديد المعلن أعاد تأكيد المؤكد عندما حدد 41 مقعداً من أصل 130 في برلمان 2024 لقوائم وطنية محصورة بالأحزاب، فيما بقية مقاعد المجلس منثورة على مستوى الدوائر المحلية في نظام جديد لم تختبر تأثيراته بعد، ووسط مؤشرات مبكرة شككت في بقاء العزوف الانتخابي وفي وجود بصمة قوية استحكمت لصالح العزوف المتوقع حصراً بسبب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد المتهم، والذي لا يزال متهماً بالتشدد في حريات التعبير.
قد يكون حزب إرادة الوسطي ومعه التيار المدني في صدارة من تقدم بأوراق عمل قانونية مفصلة حول نصوص القانون المثير للجدل ودون المشاركة في الاحتجاجات، فيما حزب الميثاق الذي يتردد أنه أكبر الأحزاب الوسطية توقف عند بيان وموقف، في الوقت الذي اشتبكت فيه أحزاب أخرى أبرزها من اليسار مع أحزاب المعارضة في نشاطات احتجاجية ضد قانون الجريمة الإلكترونية قبل دسترته، وهنا حصراً برز موقف حزبي العمال والديمقراطي الاجتماعي.
في كل حال، لم تتقدم أي من أحزاب المنظومة الجديدة وعددها 27 حزباً، بدراسة أو قراءة لها علاقة بتأثيرات القانون الجديد لاحقاً على نشاطها وأعمالها وعلى سقف حريات التداول الحزبي.
وحدهما الحزبان المعارضان بشدة لذلك القانون قبل دسترته تقدما بملاحظات مقلقة، فقد اعتبرت الأمين العام لحزب العمال الدكتورة رولا الحروب، التشريع الإلكتروني الجديد علناً بمثابة إعلان حرب على الحريات الحزبية وعلى منطوق ومضمون مجمل برنامج التحديث السياسي.
ودون بقية أقطاب المعارضة وبحضور “القدس العربي”، في الحالتين ربط الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، منفرداً، بين التشريع الجديد المثير للغط وتيار ما قال إنه يريد التحكم بمسطرة الانتخابات المقبلة والعبث فيها.
قانون الجرائم الإلكترونية أصبح واقعاً دستورياً اليوم. وجميع التيارات الحزبية أيقنت بذلك، لكن الطرف الحزبي الذي يحذر من عواقب ذلك القانون على إيقاع الحياة الحزبية برمته لا يقدم أدلة وبراهين على حجته. والواقع أن الطرف الحزبي الآخر الذي يحتضن القانون أو لا يناقشه ومعه السلطة بمختلف تعبيراتها، لا يقدم بدوره أدلة وبراهين على أن تأثيرات التشريع لم تكن سلبية على الحياة الحزبية.
الاستثناء الوحيد هو الضمانات المرجعية لدعم وإسناد برنامج التحديث السياسي الحزبي ومعه التمكين الاقتصادي وخلايا بعض المسؤولين والموظفين اجتهدت خلف الستائر للتأكيد على تلك الضمانات ولطرح الرؤية التشريعية التي تفترض أن تفعيل وتنفيذ القانون الجديد لا علاقة له أصلاً بالحريات العامة برمتها، وهو تشريع اقتضته اعتبارات الفوضى الرقمية وسيطال من يرتكبون الجريمة الإلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي فقط.
لكن محاججين لهم رأي آخر، لا يناقشون الضمانات باعتبارها تمثيلاً للإرادة السياسية المرجعية، بل ميكانيزمات التنفيذ المقترحة، وعلى أساس اقتناع الجميع بأن الأحزاب ومعها الأعضاء فيها سيعبرون أو يفترض أن يعبروا عن اشتباكهم عن الحياة العامة عبر المنابر الإلكترونية ووسائل التواصل، مما يجعل التفريق أصلاً إما تمييزاً في غير مكانه بين المواطنين أو مهمة صعبة ومعقدة لا يمكن إنجازها.
لذلك، ينتظر الجميع اليوم سلسلة لوائح التعليمات الداخلية التي تشرح القانون الجديد وتجيب عن الأسئلة الفنية العالقة، ومن بينها حسم ما إذا كان القانون الجديد سيستثني النشاط الحزبي أصلاً من سريان مفعوله، مع أن تلك المهمة فعلاً معقدة. في كل حال، الاجتهادات والآراء تتزاحم بالخصوص. والانطباع الذي يؤمن به من عارضوا القانون الجديد هو ذلك الذي يعتقد يقيناً بأن التشريع لا يمكن تطبيقه حصراً على مرتكبي الجرائم الإلكترونية، بل سيؤدي إلى تقليص عنيف ومقلق وكبير لمستوى وحجم الحريات العامة وسقفها، مما سيؤثر بالتأكيد -حسب أصحاب وجهة النظر هذه- ليس على سقف حريات التعبير الحزبية فحسب ولكن على تعزيز وتغذية وإسناد ظاهرة العزوف عن الانتخابات.
مهم هنا التذكير بأن آخر استطلاع للرأي أبلغ الجميع بأن نسبة الأردنيين المنضمين للأحزاب لا تزيد على 1% فقط، وهي نسبة يرى خبراء أنها قد لا تكون صالحة لإطلاق برنامج تحديث سياسي ومقنع تنتهي فكرته بأغلبية حزبية تدير البرلمان وتقود الحكومة لاحقاً.
والمهم أكثر تذكير الجميع أيضاً بأن إشاعة مناخ الإحباط بسبب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد قد يقلص نسبة المشاركة في الانتخابات ويعزز ظاهرة العزوف، وهي مسائل في غاية الدقة لم تحدد غرف القرار المركزي بعد كيف ستتصرف معها خلال العام المقبل قبل الوصول إلى يوم الاقتراع.
ومحور الحذر الأكبر حصراً هنا أن نسبة عزوف معقولة أو دسمة عن الانتخابات بسبب الجرائم الإلكترونية أو غيرها قد تعني في الإطار التكتيكي مجدداً غرق مشاريع التحديث والتمكين في فعاليات الهندسة التي سبق أن طالت الانتخابات وبدايات تشكيل الأحزاب، والحاجة ملحة لضمانات صلبة أكثر ومقنعة ومنتجة بأن تعزل عن واحدة من أهم الانتخابات في تاريخ البرلمان الأردني، والأولى في عهد التحديث وفي المئوية الثانية للدولة العام المقبل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى