إخوان الأردن يغادرون مرحلة «الكمون التكتيكي» ومخاوف صفقة القرن تعيدهم للواجهة ونقابة المعلمين لأول مرة في أحضانهم
يوفر تفوق الحركة الإسلامية في النسخة الأخيرة من انتخابات نقابة المعلمين فرصة سياسية نادرة لإعادة إنتاج العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين ودوائر القرار الرسمي في واحدٍ من التجليات المحلية التي يقتنصها الإسلام السياسي بنسخته الأردنية المعتدلة في ظل مناخ الاحتقان والقلق المسيطر على الجميع تحت عنوان السؤال عن تداعيات ما يسمى بصفقة القرن الوشيكة على المملكة، من حيث الدور والحصة والنفوذ والمصالح الأساسية.
هنا تحديداً خطفت قائمة تمثل تحالفاً بين الجناح الإخواني وتيار المستقلين المعارض أكثر النقابات المهنية في مفاجأة لا يمكن إسقاطها من حسابات السياسة شهدتها العاصمة عمان أمس الأول. المعلم الناشط أحمد الحجايا أصبح نقيباً لأخطر وأكبر نقابة في الأردن. ذلك «خبر عاجل» وجديد في الواقع الحراكي والمتحرك محلياً لا يقف عند حدود الحجايا فقط الذي خطف الموقع بالتحالف مع نشطاء التيار الحراكي من المعلمين، بل يتجاوز نحو تمكن الحجايا ورفاقه من السيطرة المطلقة على الهيئة الإدارية لتلك النقابة الضخمة.
ببساطة، يعني ذلك أن نقابة المعلمين وهي من إفرازات موجة الربيع العربي الأول عام 2011 دخلت وفي موسمها الانتخابي الثالث أول مرة تماماً في نطاق التسييس وببصمة لا يمكن إنكارها للإخوان المسلمين حصرياً. وذلك تغيير كبير في الواقع المهني والسياسي والشعبي في الوقت الذي راهنت فيه غرف القرار طوال ثماني سنوات على سلسلة من الانشقاقات بهدف إضعاف التيار الإخواني وتسمين وتغذية خصومه من الداخل.
الحجايا وتحالفه مع المستقلين تمكنا معاً من الحصول على نحو 54 % من أصوات المجلس المركزي لهذه النقابة وبحصة 86 صوتاً من 164 بالرغم من أن عدد ممثلي نفس التيار لا يزيد على 38 % من أعضاء المجلس المركزي.
ثمة من رأى من داخل وأعماق الوسط السياسي بهذه النتيجة الرقمية مؤشراً على انفلات الغرفة الرسمية وفي بعض الأحيان الأمنية التي انشغلت طوال سنوات بالحد من نفوذ التيار الإخواني واستهدافه على أساس أن هذا الانفلات حصل بعد هيكلة جديدة في المؤسسة الأمنية غادر بموجبها بعض الخبراء في الشأن المحلي وإدارته. وبصرف النظر عن الأسباب.. النتيجة حاسمة، فالإخوان المسلمون اليوم في وضع تكتيكي أفضل، لثلاثة أسباب.
السبب الأول أن أضخم نقابة مهنية ومؤثرة في البلاد بين أحضانهم، وأصبحت في نطاق التسييس بعدما أخفق خصومهم. والسبب الثاني أنهم يمثلون اليوم محطة عبور إجبارية للسلطة ورموزها متناغمة مع بوصلة مركز القرار في جبهة الحفاظ على القدس والوصاية الهاشمية والتصدي للخيارات الإسرائيلية ضمن ما يسمى بصفقة القرن. وقد ثبت ذلك من خلال وجود الإسلاميين في الشارع ثلاث مرات على الأقل في حالة تدعم مواقف الملك عبد الله الثاني المعلنة.
وقد عبر الناشط الإسلامي المستقل والديناميكي، مروان الفاعوري، عن هذا السياق عندما دعا علناً وأمام «القدس العربي» في ندوة مغلقة، إلى تحرك الجميع لمساندة القصر والملك قبل أن يخطب القطب الإخواني الشيخ زكي بني ارشيد في الموجودين، داعياً إلى قرع الجرس واتخاذ زمام المبادرة.
أما السبب الثالث فمرتبط عملياً بالواقع الذي يقول إن حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، وهو الذراع الأبرز لجماعة الإخوان، لا يلعن الظلام فقط، بل يحاول إشعال بعض الشموع من خلال المبادرة السياسية الإصلاحية التي طرحها على الدولة والمجتمع وبقية القوى السياسـية في الشـارع والـحراك.
وهي مبادرة تساعد في إنارة الطريق كما وصفها الأمين العام للحزب الشيخ مراد العضايلة وهو يتحدث مع «القدس العربي»، مشيراً إلى حوار أفقي مفتوح مع الجميع، وإلى أن تلك المبادرة المعتدلة والمتزنة يمكن أن تشكل ملاذاً إذا ما توافرت النوايا الحسنة قبل العمل على وثيقة سياسية أكثر شمولاً وتفصيلاً.
الأهم أن الحراك الإخواني في الواقع الشعبي والسياسي الأردني يبدو أكثر مرونة بعد التمكن من حسم المواجهة في نقابة المعلمين وبعد إعلان المهندس وائل السقا، الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، عن انتهاء القطيعة المتواصلة منذ سنوات مع التيارات اليسارية والقومية، الأمر الذي يوحي ضمنياً بإنعاش جبهة التنسيق الوطني.
السقا والعضايلة وبني ارشيد ناشطون جداً-هذه المرة-في تبني مبادرات سياسية وشارعية، بل ومد الذراع للتحالف مع الدولة ومساندة القصر الملكي في معركة صفقة القرن. هذا وضع استراتيجي جديد في الأردن قد يدفع باتجاه فتح آفاق حوار سبق أن طالب به العضايلة أمام «القدس العربي» مع الدولة والقرار المرجعي. والأهم في الأثناء أن الظروف قد تكون مهيأة أكثر من أي وقت مضى لبرنامج المصافحة والمصالحة مع مؤسسات وأركان القرار والدولة الذي سبق أن عمل عليه وتحدث عنه الشيخ بني ارشيد بعد مغادرته السجن منذ سنوات عدة.