اراء و مقالات

الإصلاح السياسي الأردني والنقطة «صفر»: كلام كثير وحوار غائب

بعد أسابيع من الحديث عن الإصلاح السياسي لم تبدأ بعد الخطوة الأولى المأمولة والمتمثلة بإقامة حوار وطني يحدد ما هو مطلوب في جزئيات تعديل التشريعات ومراجعتها.

عمان-»القدس العربي»: لا تضيف الحكومة الأردنية علامة فارقة جديدة عندما تحول لمجلس النواب مشروع القانون الجديد المعدل بإسم الانتخابات البلدية واللامركزية وعلى أساس تدشين مرحلة إصلاح التشريعات.
تحت قبة البرلمان قالها الرجل الثاني في الحكومة الوزير توفيق كريشان وهو يشير إلى ان تحويل هذا القانون دستوريا لسلطة التشريع إيذان بإستجابة الحكومة لبدء مرحلة الإصلاح السياسي.
قبل ذلك كان رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات أول من انتقد التأخير الحكومي في تحويل تعديلات قوانين الانتخابات البلدية واللامركزية والتي يفترض ان تجري في صيف البرلمان الحالي.
لاحقا وبعد تعليق كريشان اقتطف النائب الإسلامي أحمد القطاونة المبادرة وهو يثير ملاحظة لها علاقة بما يدور في ذهن الحكومة التي تحول أحد تشريعات الإصلاح السياسي للبرلمان قبل تدشين ما سمته الحكومة نفسها في الماضي القريب بالحوار الوطني الذي يسبق مراجعة وتعديل التشريعات.
ارتباك جديد على الأقل بين الحكومة والنواب في مربع أجندة الإصلاح السياسي الغامضة حتى الآن. فبعد أسابيع طويلة ومتعددة من الحديث عن الإصلاح السياسي لم تبدأ بعد الخطوة الأولى الموعودة والمأمولة والمتمثلة بإقامة حوار وطني يحدد ما هو مطلوب في جزئيات تعديل التشريعات ومراجعتها.
الحوار الوطني هو المحطة الأساسية عندما يتعلق الأمر بإظهار نوايا جدية للتقدم نحو الإصلاح السياسي وفي قياسات النواب وحتى حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض. وقبل إقرار الحوار لا بد من الاتفاق على مسألتين كما يؤكد الشيخ مراد العضايلة.
المسألة الأولى: ان يتخذ الحوار السياسي الوطني شكلا جديا ويمثل الجميع وينتهي بإجراءات محددة متوافق عليها. والمسألة الثانية توفير ضمانات للأخذ بمخرجات أي حوار وطني.
معنى الكلام هنا تشريعيا واضح. فأحد التشريعات البارزة في ملف الإصلاح السياسي أرسلت للبرلمان بدون حوار وقبل تدشين حوار، والحوار نفسه لا يوجد إتفاق على شكله وصيغته حتى هذه اللحظة بين جميع الأطراف.
تلك طبعا أقرب وصفة لعرقلة مشروع مراجعة تشريعات الإصلاح السياسي.
وتلك أيضا أقرب وصفة للاستمرار في اللعبة القديمة التي يحذر منها الجميع والمتمثلة في الحديث عن الإصلاح السياسي أكثر من التحول إجرائيا باتجاهه، وعلى أساس ان تلك مفارقة تنتبه لها مقاربة الحكومة. فقد فهمت «القدس العربي» مباشرة من رئيسها الدكتور بشر الخصاونة بأن النوايا طيبة وإيجابية وبأن الحكومة ستعمل بالشراكة مع النواب على حوارات وطنية تنتهي بتوافقات يحدد فيها الأردنيون شكل وهوية وملامح خطة عمل إجرائية تنهي التجاذب وتتجه نحو الإصلاح السياسي.
بوضوح وعبر التلميحات التواصلية لا ينظر المعارض الشيخ العضايلة بارتياح لخطوة الحكومة في تحويل تشريع مهم للإصلاح السياسي قبل تدشين الحوار الوطني أصلا، الأمر الذي يهدد بالعودة دوما إلى هواجس ومخاوف «النقطة صفر» بمعنى أحاديث رسمية وخطوات صغيرة إعلامية على الأغلب في بند الإصلاح السياسي يقابلها غياب لمنطوق الحوار الوطني الحقيقي الجذري وعملية ولادة بالنتيجة خارج الرحم لخطوات إصلاحية تبقى على مستوى الحكومة ولا تحظى بشرعية التوافق الوطني.
اللعبة نفسها مرست في الماضي وتركت الجميع بحالة الفراغ مع ان الضوء الأخضر الملكي صدر مبكرا وفي شهر شباط/فبراير الماضي لإطلاق حوارات تحت عنوان مراجعة تشريعات الإصلاح السياسي.
عمليا المشهد الداخلي السياسي يعود للتأزم والانجذاب نحو تأثيرات العناصر الإقليمية. فبعد الفتنة التي أعلن عنها رسميا في الثالث من نيسان/ابريل أصبح مسار الإصلاح السياسي معقدا وشكل الحوار الوطني أكثر تعقيدا خوفا من قراءات خاطئة من جهة المعارضة في سلسلة من الهواجس التي لمستها «القدس العربي» بين ثنايا وزوايا أروقة القرار.
اليوم التداعيات التي تفرضها الانتفاضة الفلسطينية الثالثة والعدوان الإسرائيلي الجديد على غزة تفرض بصمات وايقاعات على كل الملفات في المشهد الداخلي الأردني. بمعنى ان السلطة تستطيع تأخير خطوات عميقة لصالح المراجعة السياسية تحت غطاء الاعتبارات الأمنية في بعدها الإقليمي والفلسطيني وإنعكاسات حصول حرب ومواجهة بالجوار على المشهد الداخلي الأردني.
بالتالي تزداد العقبات وتزداد معها الحجج والذرائع التي يمكن استخدامها لخطوة تنظيمية إلى الوراء في المجال الحيوي لملف الإصلاح السياسي، فالمستجدات بالجملة والحكومة تستطيع تبرير وتفسير التباطؤ وما يجري في فلسطين هو الأولوية اليوم وليس الإصلاح بالنسبة للشارع الأردني.
مجمل تلك الاعتبارات تعيد تغليف الغبار الإصلاحي في الحالة الأردنية. وتصبح خطوة الحكومة في البلديات واللامركزية مرتبطة بمسوغات تتعامل مع الواقع الموضوعي، فالمخاوف التي تؤدي إلى إنحسار وتراجع الاتجاه الإصلاحي أكبر من المكاسب المفترضة حتى الآن على الأقل، وقوى الشد العكسي أو الأمر الواقع يوجد لديها ما تستعمله من ذخيرة لإحباط أي هرولة تحت عنوان لعبة الإصلاح.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى