اراء و مقالات

الأردن: ألغاز التجاذب في ثلاثية «القصر والورشة والرئاسة»… تعديل أم تغيير؟

آذار وسيناريو «الحراك» الغدار في المملكة الهاشمية

عمان- «القدس العربي» : قد يقول قائل سياسي بأن سيناريو التعديل الوزاري على حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة في الأردن ليس بالضرورة الخيار الأفضل، لا لضمان إطالة عمر الحكومة ولو قليلاً، ولا لحسم إشكالية العلاقة بين التعديل أو التغيير الوزاري ما دامت تعقيدات التشكيل أو إعادة التشكيل مرتبطة بمعطيات خارج السياق الحكومي.

آذار وسيناريو «الحراك» الغدار في المملكة الهاشمية

بوضوح شديد، ينقلب بعض الشركاء والحلفاء وأحياناً بعض الوزراء، على رئيسهم الخصاونة الذي دافع بشراسة وصلابة وتحمل الكثير منذ أحداث الفتنة ثم العبور ولو قليلاً نحو التعافي الصحي بعد عام ونصف عام من فيروس كورونا، مع أنه وفي الانطباع الإجمالي ولأسباب يفهمها الجميع، لن يحظى بعد بفرصته الحقيقية لتشكيل طاقمه الوزاري المدروس والعميق.

عناصر مؤثرة

صحيح أن الخصاونة صرح قبل ثلاثة أيام بعدم وجود نية لديه للاندفاع تجاه تعديل وزاري ثالث على طاقمه، لكن الصحيح أيضاً أن تعديلاً وزارياً الآن لا يعفي الحكومة برمتها من استحقاقات خارجة عن إرادتها اعتباراً من حزيران /يونيوالمقبل، وهو أمر يدفع رئيس الوزراء لعدم الحماسة لفكرة التعديل الوزاري الثالث على الأقل في مثل هذه المرحلة مادام الخيار متاحاً.
في كل حال، المعطيات التي تشكل عناصر مؤثرة في المسألة متعددة، ومن بينها السقف الزمني للدورة الحالية للبرلمان، وتغيير محتمل في الزحام على رئاسة مجلس الأعيان. ومن بينها أيضاً احتمالات حل البرلمان، التي أوحى رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي علناً بأنها حسمت عندما صرح بأن مجلس النواب ليس بصدد الرحيل قريباً، وهي «فتوى» لا تصدر عن شخصية ناضجة ومتحركة مثل الرفاعي دون «معلومة مسبقة».
يظهر هنا أن الخصاونة لا يريد تعديلاً وزارياً الآن، وان الرفاعي يبلغ الجميع بأن مجلس النواب الذي يعاني بدوره من مشكلة تهريب النصاب، ليس بصدد الرحيل الوشيك، ويحصل ذلك مع أن المرجعية الملكية هي الأساس في تقدير كل صلاحيات التعديل أو التغيير أو رحيل البرلمان من عدمه.

«غدار وفعال»

في المقابل، ثمة أوراق أخرى تؤثر في الخريطة النخبوية الكبرى، فشهر رمضان على الأبواب، والوضع المعيشي الاقتصادي ضاغط بشدة على أعصاب الجميع، والتنافس حاد بين ثلاث شخصيات نافذة على الأقل لخلافة الدكتور خالد الكلالدة في رئاسة الهيئة المستقلة للانتخابات، وبعض النافذين يزجون بالسيناريو الذي يفترض الحاجة الملحة لتعيين شخصية من الجنوب في رئاسة الوزراء، مما يسمح للمرة الثالثة بتداول اسم وزير العدل الأسبق الذي أقصاه الخصاونة في حادثة شهيرة، بسام التلهوني. في الأثناء، واضحة ملامح تلك المحاولة لاستبدال وزير المالية الدكتور محمد العسعس، والضغط في اتجاه عودة سلفه عمر ملحس.
واضح أيضاً أن حراك آذار الذي يمكنه التحول إلى «غدار وفعال» في شهر رمضان هو على الأبواب، وأن المقام الملكي بالرغم من عدم فرد كل الأوراق يقرأ التفعيلات الداخلية من مشهد إقليمي ودولي أعمق وأبعد، وأنه لا يميل إلى المجازفة بتشكيل حكومتين في سقف زمني قد لا يزيد عن عام؛ الأولى تجلس في مقعد الحكومة الحالية بعد انشغال بعض مراكز القوى في التحرش بها، والثانية تصبح استحقاقاً منطقياً بمجرد الانتهاء من تشريعات تحديث المنظومة السياسية وحوارات العصف الذهني المرتبطة بالتخطيط الاقتصادي، التي يستضيفها الديوان الملكي حالياً.
ثمة اعتبارات متعددة لا توحي بأن نوايا التغيير الوزاري تقفز بالرغم من كل المكائد السياسية والنخبوية التي تستهدف وزارة الخصاونة، ولا توحي بأن الزيارة الحالية برئيسها يمكن أن تحقق نقلة نوعية وتصمد أكثر في حال أن الاتجاه بحماسة نحو التعديل الوزاري لن يسهم في إطالة عمر الحكومة.
لكن ذلك لا يعني عدم وجود إشكالات يفترض أن يواجهها الخصاونة ويتعامل معها إلى أن يقرر الحسم الملكي بقية المعطيات.

الحاجة إلى مراجعة

واحدة من تلك الإشكالات، لا قد يكون أبرزها، ترسيم كيفية التعامل والاشتباك واستعادة المبادرة بعد انتهاء «ورشة العمل» ضمن عناوين تحديث المنظومة الاقتصادية، والحكومة هنا ينبغي أن تبادر وتقول كلمتها كما يطالب خبراء اقتصاديون راغبون في العودة إلى التوافقية الوطنية أكثر من توصيف إرشادات لمعالجة مشكلات مستثمرين ورجال أعمال، وفقاً لما يؤكده مع «القدس العربي» الدكتور أنور الخفش.
هنا تحديداً لا بد من تحرر حكومة الخصاونة من هواجس الخوف وأشباح الظل وسيناريوهات الانقلاب التي تحاول تقليص فرصة الحكومة الحالية بتوقيع سياسيين كبار، من بينهم بعض الشركاء المفترضين، خصوصاً بالتلازم مع عودة النهج الذي يسميه الخفش بنقاط تقاطع المصالح بين نخبتي الأوتوقراط والليبراليين، في وصفة يعلم الجميع بأنها انتهت بعد 14 عاماً من الاستحواذ بالقرار الاستشاري بما أسماه الجميع بـ»الفتنة الشهيرة» في العام الماضي.
في كل حال، قصة تمدد وزحف وزير الخارجية أيمن الصفدي، أو من يشغل في العادة هذا الموقع، تحتاج أيضاً لمراجعة بعيداً عن حسابات وهمية في الخوف والتردد. وكذلك الأمر عندما ترتبط المحاولات بسيناريو تغيير وزير المالية الذي يعني هنا إسقاط المنهج وليس الشخص، أو بسيناريو القفزة المحتملة لأي وزير في الحكومة ترغب المؤسسات السيادية بأن يتولى موقعاً آخر.
لكل ذلك يمكن القول، ومن باب التحليل والتكهن، بأن مخاطر العودة إلى تجارب حكومات الظل الليبرالية التي تتسلل وتستحوذ، لا بل تخطف القرار أحياناً، هي الأساس في قواعد الاشتباك الآن، والحكومة قد لا تكون متهمة اليوم، لكن وزارة الخصاونة تحديداً ستتهم بكل شيء إذا ما نجح المتربصون بإخراجها عن السياق. ولذلك أيضاً، لا يبدو خيار التعديل الوزاري هو الأفضل. وقد تبرز خيارات أخرى إذا ما قرر مركز القرار الفصل بين السلطات وترسيم حدود كل لاعب والانتهاء من قصة التجاذبات داخل الدولة ووضع وصفة تلزم الجميع فقط وتقلص من الاجتهادات الشللية أو الشخصية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى