اراء و مقالاتمقالات وآراء

«همس الحيتان»… الأردن والأمن المالي: أين اختفت الشفافية في مداهمات الضريبة؟

ملامح «الكرم الضريبي» قيد النقاش السياسي

 

 

مجدداً، يتدحرج سؤال حائر في المشهد الداخلي الأردني، لكن هذه المرة عن خلفية وأسباب وتقنيات ووسائل ما يسمى بلغة الهمس بين الأردنيين اليوم بـ»مداهمات الضريبة» .
حتى اللحظة لا أحد يعلم سر اختفاء الشفافية الحكومية عن ملف التهرب الضريبي، مع أن مواجهته حق وقانون، ولا يمكن لعاقل أن يعترض عليه. فإعادة أموال الدولة، خصوصاً في قطاع التهرب الضريبي، ليس مطلباً للمؤسسات الدولية أو للدولة وأجهزتها فقط، لكنه مطلب للشارع بكل تياراته، وسبق أن تبناه الحراك الشعبي وتحدثت عنه حتى المعارضة.
لماذا لا تقدم الحكومة إفصاحات شفافة ليس فقط عن المؤسسات والشركات المطلوب منها ذمم ضريبية، ولكن أيضاً عن عمليات الأمن المالي التي تجري حالياً؟

سبق لـ «القدس العربي» أن استمعت مباشرة لوزير المالية الدكتور محمد العسعس وهو يتحدث عن مسار وطني لا غبار عليه، له علاقة برفع كفاءة التحصيل الضريبي وبوضع مسار وطني قانوني دستوري ليست لاستعادة أموال تهربت من الضريبة في الماضي فقط، ولكن أيضاً لمحاصرة احتمالات التهرب الضريبي مستقبلاً. بدت خطة برامجية حسب الأصول تلك التي يتحدث عنها العسعس وهو يشير إلى ملاحظات المؤسسات الدولية المسجلة مع غالبية الأطقم الوزارية الأردنية، خصوصاً من البنك الدولي وصندوق النقد، حول ضرورة الحد من ما يسمى بملامح الكرم الضريبي الأردني ،ضمن سلسلة معطيات لها علاقة -على الأرجح – بمظاهر خلل بيروقراطية أو بترهل إداري.
بدت خطة العسعس، وحتى من سبقه من وزراء المالية، مواتية ومناسبة؛ فقد استمعت «القدس العربي» أيضاً لوزير المالية الأسبق عمر ملحس، وهو يتحدث عن تحديث وعصرنة تقنيات وأساليب مكافحة التهرب الضريبي وضرورة أن تتجاوز البلاد تلك المحطة بما يحقق العدالة القانونية للجميع. حتى في نقاشات سياسية الطابع على هامش المشهد الأخير بالمداهمات الغامضة نسبياً، ثمة من يصفق لتطوير آليات مكافحة التهرب الضريبي ويطالب بوجود بوليس مالي، لكن ضمن الأصول القانونية وبرنامج شامل. منذ أربع سنوات في مكاتب وزراء المالية في حكومة الأردن… كانت تستمع
«القدس العربي» وتحديداً في عهد الوزير السابق الدكتور أمية طوقان، إلى تهرب ضريبي بقيمة تقترب من مليار دولار وأكثر، وعلى الأرجح زاد هذا الرقم الذي لا تعلنه الحكومة حتى الآن بصفة قاطعة وحاسمة. بمعنى آخر، ثمة إجماع وتوافق وطني في الحالة المحلية لا تخضع فيه مسألة، مثل حقوق مالية الدولة، لأي تسويات أو اجتهادات أو حتى خلافات في الرأي.
لكن النقاش اليوم في الأصول وبالتقنية والطريقة، خصوصاً بعد سلسلة مداهمات ضريبية أمنية تثير اللغط والجدل، وإن كانت منطلقة من السياق القانوني ولا أحد يعترض إلا على شكلها الأمني فقط، والذي يعتقد وسط رموز الاستثمار والقطاع الخاص -خلافاً للمنطق القانوني والضريبي- بأنه ينطوي على رسائل»هامسة» للكبار المتهربين وغير المتهربين أحياناً، أو لما يسمى اصطلاحاً بحيتان المال والسوق.
إفصاحات الحكومة وبياناتها لا تعلق على ما تنشره بعض المواقع الإلكترونية أو ما يتداوله الناس عبر المنصات التفاعلية حول مداهمات لمقرات شركات كبيرة وعملاقة في بعض القطاعات حصلت مؤخراً، ومن بيها شركات مستثمرة في مجال المقاولات والعقار وحتى في مجال الجامعات والإسكان والمستشفيات.
وزارة المالية أيضاً لا تعلق على تلك المداهمات التي بدأت تثير الجدل والمقايسات والمقاربات وتنفذ بطريقة لا تشرحها الأجهزة المعنية والمختصة، ما يتسبب ضمنياً بأقاويل وتكهنات هنا وهناك تتحدث عن خلفيات سياسية، مع أن المداهمات بالمعنى القانوني نفسها غير مرفوضة، ومع أن الأسلم لأكاديمي ووزير شفاف مثل العسعس ولرئيس وزراء من وزن الدكتور عمر الرزاز، هو الإفصاح والشفافية والتحدث إلى الناس، بكل بساطة، عن مستلزمات واحتياجات برنامج مكافحة التهرب الضريبي؛ منعاً للاجتهاد والتقول والتأويلات، أو منعاً لإنتاج اتهامات قد لا يكون لها معنى في الشارع وفي الواقع، لأن أي رجل أعمال أو حوت مفترض تطاله ذراع السجلات الضريبية يمكنه من دون إفصاح وشفافية علنية اتهام أو تشويه أو تأويل ما يجري.
عملياً، لا يألف الرأي العام الأردني مداهمات من هذا النوع. وواقعياً، ما دامت الحكومة لم تعلن ولم تفصح، لا قبل ولا بعد، عن تلك المداهمات وأسبابها ونتائجها، فإن الفرصة تبقى متاحة للتأويل والتكهن والشائعات، مما قد يؤدي إلى نزع الدسم من عملية قانونية وطنية لا اختلاف عليها من حيث الأصل، بالرغم من حصول مبالغات في شكل المداهمات. يحتاج الملف بوضوح إلى مقاربة مختلفة دون مساس بالجوهر الوطني لمبدأ استعادة أموال الدولة، وهي مقاربة ينبغي أن تخاض بشفافية، خصوصاً بعد الارتباك الذي نتج عن أزمة كورونا في مجمل تداعيات الوضع الاقتصادي.
خصوصاً – وهذا مهم جداً- أن الوقوف عند الطابع البوليسي في المداهمات بدأ يثير الأسئلة، لا بل -وبكل صراحة- يقلق قطاع المال الخاص وأركان السوق، وذلك يحصل بأمانة دون مبرر، حيث البدائل متاحة أمام جميع الأطراف، وحيث الوصول إلى الأهداف نفسها بطريقة أقل صخباً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى