اراء و مقالات

الأردن: «من وين جاي هالوزير»؟ تونس تسحب الأرقام الوطنية أيضا… وفي العراق ولبنان: التقاضي في «تايوان»

فقط المقهورون في الأرض يمكنهم تخيل آثار وعوارض تحالف لحظي على الهواء مباشرة بين سيكولوجيا الجماهير وإفرازاتها الطبيعية الممتدة من الشعبويات ومخاطبة الغرائز وبين سلطة الميكروفون التلفزيوني عندما يكون على الهواء المباشر، حيث تفلت الكلمة والعبارة ولا رادع .
قصة وزير النقل الأردني وجيه العزايزة مع فضائية وشاشة «المملكة» مثيرة للغاية، ليس لأنها تضمنت معلومة عن شخصية عامة تصادف أنها في عشاء، فكل الأردنيين لا يجتمعون إلا خلال العشاء .
وليس أيضا لأن مذيعا يختلف، ويتفق معه الناس، مثل زميلنا عامر الرجوب تغويه سلطة المباشر ويعتقد أن من حقه مغادرة المألوف حتى المهني وإطلاق سؤال استنكاري باللهجة المحلية المحكية بعنوان «من وين جاي هالوزير»؟
الوزير استخدم حقه المهني في الإدلاء بمداخلة فقط متفق عليها مع إدارة البرنامج سابقا، واستعمل حقه في أن لا يشتبك في حوار أقرب إلى سهرة وناسة مع مستثمر طموح، وعلى الهواء مباشرة، وقال الوزير بكل لياقة وصراحة إنه مستعد لحلقة كاملة من البرنامج لتوضيح مسألة للناس .

العشاء والبزنس

ما الذي يعيب موظفا عاما عندما يبلغ أثناء البث بأنه وسط الناس وأثناء التزام بعشاء؟ منذ متى كان تناول الأردني للعشاء جريمة من أي نوع؟ ومنذ متى يحق لي كصحافي، وتحت أي اعتبار مهني التشكيك بالمنطقة التي حضر منها أي شخص وليس فقط أي وزير؟
الشعبوية تصول وتجول في استديوهات البرامج الحوارية، والوزير لم يخطىء عندما اعتذر بلباقة عن محاورة ضيف آخر هو مستثمر يخاصم الوزارة أصلا عبر اتصال هاتفي وهو مستعد لحوار وجها لوجه .
الأغرب، ليس ما حصل، فهو قد يقع في كل استديوهات الشاشات، وما زلنا نذكر ظهور مسدسات وأحذية في بعض البرامج الحوارية .
لكن الغريب حقا وفعلا هو رد فعل المشاهدين وهم هدف المذيع والوزير والمستثمر معا في اليوم التالي، حيث حملة شعواء على العبارة المتعلقة بوجود الوزير خلال ظرف عشاء، ومناصرات جهوية أو مهنية أو اعتباطية لطرف هنا أو هناك في برنامج يفترض أن يتجنب الإثارة لإثراء قيمة الحوار .
لا أحد من المعلقين والشاتمين للحكومة والملاحظين على وزير النقل أو غيره ناقش إطلاقا أصل المسألة والخلاف الذي استحق برنامجا حواريا .
لا أحد أثناء المشاجرة المنصاتية توقف ليقول رأيه في مسألة في غاية البساطة: مستثمر في السوق يريد أن يضغط على الحكومة لتغيير رخصة قانونية يملكها، وممثل الحكومة في المقابل يقول إن كلفة هذا التغيير المطلوب ملايين الدنانير، التي تضيع على الخزينة، فقط تأييد أو نقد للمذيع وهجوم على الوزير، ودون ذلك لم أقرأ شخصيا تعليقا واحدا يناقش أصل الحكاية!

كوكتيل عراقي – لبناني

ثلاثة أخبار في كوكتيل عجيب على الشاشة وفي الأمسية نفسها تدلل على «المأساة» التي وصلتها هذه الأمة.
الزميل مراسل «الجزيرة» في بغداد على الهواء يزف البشرى للديمقراطية في نسختها العراقية فقط بالنبأ التالي: «اللجنة العليا للانتخابات تفكر في إعادة إعلان النتائج بعد إتفاق الأطراف المعترضة خارج الصناديق».
يعني في اختصار، لن تكون للصندوق أي قيمة فالقوى تتفق وتتقاسم، ثم «طبيعي جدا» أن تعلن نتائج جديدة تناسب ما يسمى بـ»التوافق». المسخرة في ديمقراطية المحاصصة لا تقف عند حد .
على محطة «الميادين» كان الخطاب مختلفا قليلا بخصوص «القاضي العدلي» – المحقق في جريمة المرفأ اللبناني – فحزب الله يطالب بتغيير القاضي، وهدف القتل العشوائي الجديد في شوارع بيروت «تسييس القضاء»، على طريقة مباريات فريقي «الفيصلي» و»الوحدات» في استيراد حكام أجانب.
الأشقاء في بلاد الأرز لن يهدأ لهم بال إلا إذا استوردوا «قضاة عدليين من كوريا الشمالية» أو تايوان خوفا من أظافر الإمبريالية المغروسة في جسد المحاصصة اللبنانية. منطق معيب لا يليق بلبنان الجميل الحر.

تونس وسحب جواز السفر

أما النبأ الثالث فتحدثت عنه الفضائية التونسية وفردته «الجزيرة». الرئيس قيس سعيد رمز العدالة والأكاديميين والكرامة والحريات يخطب – من عقله – بالناس نكاية بسلفه المنصف المرزوقي ويقرر مسألتين: فتح تحقيق مع المرزوقي كمواطن تونسي يستعين بـ»الإستعمار» وقبل ذلك «سحب جواز السفر الدبلوماسي»، الذي يحمله الأخير.
تونس بلاد الحرية والياسمين في طريقها مجددا لتقليد أسوأ ما في الأنظمة الشمولية الشرقية، فهي تسحب جواز سفر من منتقد أو معارض، مع أن القضاء المستقل يفترض أن يتحرك للتحقيق مع المرزوقي أو غيره بصفة مستقلة وبدون خطابات شعبوية .
أيضا، لدينا في الشرق خبرات خاصة في «سحب وتجميد الأرقام الوطنية والقيود المدنية». الرئيس التونسي يسعى لاختطاف هذا التقليد البوليسي المقرف منا، نحن جماعة التسحيج لثنائية «الاستبداد والإفساد»، بعدما قطف من ثمار الشرق متوسعا تهمة «إطالة اللسان» وبجدارة الأسبوع الماضي.
يقلقنا الحماس التونسي الحاكم الآن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى