الأردن “حائر” وواردات الخزينة تتقلص… العودة للسؤال الأول: رفع أم خفض الضريبة؟
حسنا قالها أيضا محمد البستنجي المسؤول عن هيئة المستثمرين الأردنيين في قطاع المناطق الحرة: انخفض التخليص على المركبات في شهر واحد فقط وهو أيار/مايو بنسبة 70% على الأقل بسبب المعادلة الضريبية الجديدة التي فرضتها الحكومة.
بمعنى بيروقراطي فقدت خزينة الدولة قياسا بالشهر نفسه من العام الماضي النسبة نفسها من عوائد الرسوم والضرائب في القطاع نفسه.
تلك حسب البستنجي خسائر محققة للتجار وللخزينة على السواء.
وتلك مجددا قرينة جديدة على ضعف القوة الشرائية للمواطن الاردني غير الميسور وإصرار الميسور بالمقابل على عدم الانفاق مما يعيد الأمور مجددا إلى الدائرة التي سبق ان حذر منها علنا وعبر “القدس العربي” وغيرها رئيس غرفة تجار عمان خليل الحاج توفيق حيث الانكماش في السوق التجاري جراء فرض المعادلة الضريبية الجديدة.
قبل ذلك تصدر وزير المالية عز الدين كناكرية المشهد مستغربا علنا من انخفاض واردات الخزينة وخلال خمسة أشهر من العام الحالي في بند السجائر والدخان بمبلغ يقترب من 90 مليون دينار.
الوزير كان منزعجا من هذه الوقائع الرقمية ومال لاتهام “السيجارة الإلكترونية” التي وجد فيها ملايين المواطنين والوافدين بديلا أقل كلفة عن سعر السجائر.
صحيح ان الوزير كناكريه لا يريد الإقرار علنا بأن معادلته الضريبية الجديدة أرهقت القطاع التجاري وأدت لعكس المتوقع بخفض عوائد الخزينة لكن الصحيح بالمقابل ان فرض رسوم إضافية وضريبية على السيجارة الالكترونية لن يشكل حلا حقيقيا من أي نوع.
لافت في السياق ان مبيعات السجائر انخفضت رغم الحملات الأمنية والقضائية والجمركية على شبكات وعمليات “تهريب الدخان”.
ولافت أكثر ان حسابات الحكومة التي تحدثت عن تخفيض العجز في ميزانية الخزينة المالية عبر سياسات ضريبية جديدة تعمل في الواقع بالاتجاه المعاكس حيث انخفاض في الإنفاق وتقلص في المساحات التجارية خلافا لانهيارات مالية للعديد من المؤسسات وبالتالي ضعف وتقلص عوائد الضريبة.
طوال الوقت حاول أعضاء بارزون في البرلمان من بينهم النائب خليل عطية الحصول على شرح حكومي لهذه المعادلة.
عطية كان من أوائل الذين حذروا من ان أفضل طريقة لرفع عوائد الخزينة تخفيض الضرائب وليس رفعها ومؤخرا قال لـ “القدس العربي” ان الأرقام الرسمية الصادرة عن هيئات وزارة المالية تقول مثل هذه الحقائق الرقمية بوضوح.
لسبب غير مفهوم بعد يصمت الطاقم الاقتصادي في الحكومة برئاسة الدكتور الخبير رجائي المعشر ولا يرغب بالإقرار بأن السياسات الضريبية الإصلاحية انتهت بتقلص عوائد الضريبة جراء انكماش عمليات الشراء والبيع وضبط النفقات في الوقت الذي يصر فيه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز على ان “نظام الفوترة” الضريبي هو الخطوة المقبلة في طريق التخلص من “الدولة الرعوية”.
مجددا سمعت “القدس العربي” الرزاز في جلسة مغلقة يتحدث عن معادلة ضريبة ترفع من مستوى الخدمة العامة تمهيدا لمرحلة الفطام عن المساعدات.
بدا الرزاز وفي آخر ظهور تلفزيوني له على شاشة التلفزيون الأردني مصرا على تكرار نغمة أسلافه جميعا عندما ألمح إلى ان نتائج وانعكاسات السياسات الاقتصادية والإصلاحية تحتاج لصبر المواطن وستأتي لاحقا متمسكا ضمنيا بمعادلته الضريبية.
يحاجج عطية وآخرون بأن متطلبات الإصلاح الاقتصادي من جهة الصناديق والمؤسسات الدولية لها علاقة بـ “خفض عجز الميزانية” وبدون الغرق في التفاصيل بمعنى ان المطلوب خفض العجز بزيادة العائدات الضرائبية عبر أولا رفع كفاءة التحصيل وهو الأمر الذي لا تواجهه الحكومة عمليا حتى الآن.
وثانيا عبر تنويع الخيارات التجارية والتصدي للانكماش والركود بمعنى “خفض الضرائب” بدلا من رفعها.
تلك برأي الدكتور طالب الرفاعي الأمين العام الأسبق لمنظمة السياحة الدولية وصفة علمية منهجية يعرفها كل علماء الاقتصاد ومطبقة في كل الاقتصاديات الناجحة أو تلك التي في طريقها للنجاح.
الرفاعي أصر وعدة مرات عندما تحدث مع “القدس العربي” على انه ليسا صحيحا ان المؤسسات الدولية تتدخل بالتفاصيل وتطالب برفع الضريبة والأهم دوما تنشيط حلقات السياسة الاقتصادية وإيجاد مقاربات منتجة أكثر بعيدا عن الوصفة الكلاسيكية بعنوان رفع الأسعار والضرائب.
بعد إعلان قطاع تجارة السيارات قرب مغادرته للسوق وضعف عائدات السجائر ومخاطر القطاع الزراعي يمكن القول بان عدد القطاعات التي تهددها معادلة الضريبة الجديدة يزيد على نحو واضح وبصورة لا تقبل اللبس.
غريب جدا ان الوقائع تثبت يوميا بأن رفع الضريبة يؤدي لانخفاض واردات الخزينة وليس العكس خلافا حتى للميزانية المكتوبة التي تقدمت بها الحكومة وحصلت على ثقة البرلمان.
والأغرب فعلا ان الحكومة لا تريد الإقرار بذلك علنا.